تطورت التوترات بين دول الخليج وقطر لتصل إلى عداء صريح في يونيو الماضي نتيجة اتجاه قطر نحو إيران، مما دفع السعوديين وشركائهم إلى فرض المقاطعة وقطع الطرق الجوية والبحرية والبرية التي توصل إلى قطر. وبدلا من الاستجابة بشكل إيجابي لمطالبة بقطع العلاقات مع طهران، استعادت قطر بشكل كامل العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران. والآن، اندلعت المعركة بين قطر واللجنة الرباعية للدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية على جبهة جديدة، تتمثل في المبارزة بالتغطية الإعلامية للاحتجاجات في إيران، وذلك باتخاذ قطر جانب النظام ودعم اللجنة الرباعية للمتظاهرين.
وقال أحمد الجار الله، رئيس تحرير صحيفة “الحياة” الكويتية، إن “الشباب الايرانيين لن يقبلوا المعاناة والمجاعة بينما يتمتع مرتزقة وإرهابيي ومجرمي النظام بثروة الشعب الإيراني”.
وكتب عبد الرحمن الراشد، وهو شخصية إعلامية سعودية بارزة ذات صلات وثيقة بالمحكمة الملكية، في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، أن “الشعب الإيراني يخفي كراهية حقيقية للنظام”. وفي الوقت نفسه، قال السيد زهرة ، الكاتب في صحيفة “أخبار الخليج” البحرينية، إن انتفاضة الشعب الإيراني كانت بمثابة “ضربة قاضية” للاستراتيجية القطرية المتمثلة في موائمة نفسها مع المشروع الإيراني في المنطقة. وأعربت زهرة عن أمله في أن توقظ الاحداث في ايران النظام القطري وتعيده إلى مجلس التعاون الخليجي.
وغير ذلك، كانت قناة الجزيرة القطرية قد قامت ببث بيانات للمرشد الأعلى علي خامنئي وغطت المظاهرات الموالية للحكومة التي نظمتها الحكومة الإيرانية. وخلال الاحتجاجات في إيران، ندد منتقدو الخليج بتغطية قناة الجزيرة لجانب واحد، مما يشير إلى تحول كبير عن دورها كمناصرة للاحتجاجات الشعبية خلال الانتفاضات العربية في تونس عام 2011، واحتجاجات عام 2009 في إيران. وقال المحلل السوري الأمريكي أبي شهبندر لصحيفة “العرب نيوز”، “أتذكر في عام 2009 أن قناة الجزيرة الإنجليزية كانت القناة الموجهة للناي في الغرب لمتابعة الثورة الخضراء في إيران والحصول على آخر المستجدات. وفي الوقت الحاضر يبدو حقا أن الجزيرة، في كثير من الأحيان، أصبحت هي القناة الوحيدة للحصول على وجهة نظر النظام الإيراني بشأن الانتفاضة المستمرة”.
وبعد فترة وجيزة من قيام اللجنة الرباعية الخليجية بحملتها لعزل قطر، قامت الجزيرة بمداخلات علنية مع طهران. وفي يوليو، وقع مسؤولون تنفيذيون من وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتفاق تعاون يؤكد على “ضرورة استخدام وسائل الإعلام لخلق جو من السلام والصداقة والتقارب”. وقد تم انتقاد هذه الخطوة بشدة عبر وسائل الإعلام العربية.
يذكر أنه ليس من المستغرب أن تتخذ وكالات الأنباء السعودية أقسى خط ضد طهران. واعتبرت صحيفة “الرياض” الموالية للحكومة في تصريحات لها في الثاني من يناير الماضي أن الاحتجاجات الايرانية “قد تنهي معاناة الاشخاص الذين احترقوا بنيران نظام الملالي من خلال وكلاءها في لبنان واليمن”. إن رد فعل وسائل الاعلام السعودية يعد صدى لكلمات ولي العهد السعودي الذي يبلغ من العمر 31 عاما محمد بن سلمان الذي قال في مقابلة في مايو من عام 2017، “لن ننتظر أن تصل المعركة إلى السعودية. وبدلا من ذلك، سنعمل حتى تكون المعركة بالنسبة لهم في إيران”.
وكانت لهجة المسؤولين والمواقع الإخبارية في دولة الإمارات العربية المتحدة صارمة ولكن أقل حدة، مع التركيز على حث النظام الإيراني على إعادة النظر في تدخله المكلف في المنطقة. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش إنه يجب على القادة الإيرانيين “وضع المصلحة الداخلية أمام مغامرات طهران في المنطقة العربية”. وأضاف، “إن مصالح المنطقة وإيران لا تكمن سوى في البناء الداخلي والتنمية، وليس استعداء العالم العربي”.
ورغم ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية البارز الدكتور عبد الخالق عبد الله، والمقرب من قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، “إن استمرار الضغط الداخلي وتزايد الضغط الخارجي يعني أن أيام النظام الديني في إيران معدودة”. ولم تتنبأ صحيفة الإمارات العربية المتحدة ذا ناشيونال بالثورة، لكنها ذكرت في افتتاحية في الأول من يناير أن الاحتجاجات هي “صوت صراخ أمة. يجب على النخبة الإيرانية أن تبدأ بالاستماع له”.
وفي البحرين، حيث أثارت إيران اضطرابات بين الأغلبية الشيعية، كرر الكاتب فيصل الشيخ، الذي كتب في 2 يناير بصحيفة الوطن الموالية للحكومة، إن الشيعة البحرينيين صامتين في وجه القمع الإيراني. وأضاف “الآن مع انتفاض الشعب الايراني ضد هذا النظام الاستبدادي، لا يمكننا سوى أن نتمنى لهم النجاح في الاطاحة بالدكتاتور المستبد”.
وفي الوقت الذي تعكس فيه التغطية الصحفية في الخليج الفجوة بين قطر واللجنة الرباعية بقيادة السعودية، قد كانت تقوم أيضا بإثارة رد فعل طهران. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة نشرت في 5 يناير “إن الرفاق الأبديين #السعودية و #داعش، بقيادة ترامب، يؤيدون العنف والموت والدمار في إيران. لماذا لم نتفاجأ؟”
وفى الوقت نفسه، لا تعد قطر وايران الهدفين الوحيدين لانتقادات الخليج، حيث انتقد اللواء ضاحي خلفان التميم، نائب رئيس شرطة دبي والأمن العام السابق، تركيا عبر تويتر بسبب دعمها للنظام الإيراني. وكتب، “[الرئيس التركي رجب طيب] أردوغان يحرض ضد مصر ويدافع عن إيران. وقال الجنرال في تغريدة أخرى، “أردوغان محتقر بين العرب لأنه عدو الأمة”.
والعلاقة بين قطر وتركيا تكمن في أن كلاهما أصبحا الحلفاء الرئيسيين لجماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة إسلامية تم تصنيفها من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كمنظمة إرهابية. وعلى سبيل المثال، يستضيف البلدان عددا من الشخصيات الرئيسية للإخوان المسلمين الذين فروا من أوطانهم. وبالمثل، فإن العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران قد تحسنت مؤخرا خلال تطور تركيا الاستبدادي ومناهضتها للغرب. ومن الأمثلة الغريبة على العلاقات المتجددة بين طهران وأنقرة حالة رضا زراب تاجر الذهب الإيراني التركي الذي اعترف مؤخرا في محكمة فيدرالية أمريكية بتدبير مخطط بمليارات الدولارات لمساعدة إيران على التهرب من العقوبات الأمريكية بمساعدة البنوك التركية في عامي 2013 و 2014.
جدير بالذكر أن هذا الاستقطاب العميق بين دول الخليج وقطر قد نشأ من علاقة مضطربة بالفعل، والتي تفاقمت بشكل خطير عن طريق التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج الأخرى، ودعم الإسلاميين، والتقرب من إيران. وسعت قطر لسنوات إلى الاستفادة من العضوية في مجلس التعاون الخليجي والعلاقات الوثيقة مع إيران ووكلائها. وقد حان الوقت الآن لدولة قطر أن تعيد النظر بعناية في مخاوف الخليج المتزايدة بشأن سلوكيات الجمهورية الإسلامية في المنطقة، والاصطفاف إلى جانب حلفائها الخليجيين لإنهاء أخطر خلاف في تاريخ مجلس التعاون الخليجي.