قمع الاحتجاجات الإيرانية أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 إيرانيا خلال المظاهرات المناهضة للحكومة التي بدأت في 28 ديسمبر. ووفقا لنائب برلماني، تم القبض على ما يقدر بنحو 3700 شخص في جميع أنحاء البلاد.
وتم استجواب معظم المعتقلين واطلاق سراحهم في غضون اسابيع قليلة، وذلك فقا لما ذكرته تصريحات رسمية من النيابة العامة.
ولا يزال هناك ما يقدر بنحو 20 شخصا محتجزين في طهران وأقل من 100 شخص في أنحاء أخرى من البلاد.
وفى وقت سابق من هذا الشهر، كتب عشرات من النواب، بمن فيهم المشرعون الإصلاحيون والسياسيون المعارضون، رسالة إلى الرئيس حسن روحاني طالبوا فيها بإذن للدخول إلى سجن إيفين.
وقال مكتب الرئيس، وكذلك المشرعين البرلمانيين مرارا وتكرارا إنهم يريدون تجنب “مطاردات الساحرات” التي أعقبت الاضطرابات في عام 2009 عندما احتج الملايين على نتائج الانتخابات الرئاسية التي شهدت عودة محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.
وعلى الرغم من أن الهدوء عاد إلى الشوارع بشكل سريع نسبيا خلال الاحتجاجات الأخيرة، فلا يزال العديد من الإيرانيين غاضبين بشأن أوضاعهم الاقتصادية ويفقدون الثقة في زعمائهم المنتخبين.
وقال حسن نوروزي، وهو عضو برلمان من مدينة رباط كريم بمحافظة طهران والناطق باسم اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني، إن الحكومة تعترف بأن المظاهرات بدأت من قبل الناس الذين لديهم مخاوف اقتصادية مشروعة، وأنه لا أحد من المسؤولين راض عن معاقبة شعبهم.
وأضاف نوروزي، “أنا شخصيا قاض في النظام الإسلامي [الشرعي] في ايران”.
وقال، “لقد حكمت منذ سنوات عديدة وأصدرت أحكاما”.
ولكن هذا لا يعني أنني كقاضي أشعر بالسعادة عندما أقوم بسجن شخصا أو إصدار حكم بحق شخص ما ليجلد أو يعدم. وهؤلاء الذين يقومون بالمسيرات والاحتجاجات هم أبنائنا”.
وأضاف نوروزي أن الذين ثبت أنهم شاركوا في التخريب او تصرفاتهم أدت إلى مقتل اثنين من ضباط الشرطة سيتعين عليهم دفع ثمن جرائمهم. ولكنه قال إن مكتبه نصح المدعين العامين بالتساهل مع معظم الاشخاص وخاصة المتهمين بارتكاب جرائم بسيطة أو الذين كانوا يحتجون فقط.
وقال نوروزي، “إن رؤساء نظامنا القضائي هم علماء دين يهتمون بالحلال والحرام، وإذا كانوا يريدون سجن شخص ما، فإنهم يفعلون ذلك بقلب حزين”.
ويضيف، “إن حراس السجن لدينا ليسوا مثل هؤلاء من نظام [شاه إيران] ليكونوا أناس بلا رحمة، وقد تم اختيار الأشخاص الصالحين والمتدينين، والبرلمان نفسه أكثر انفتاحا من الحكومة والقضاء. وهناك العديد من الأحزاب السياسية [المتنافسة] في البرلمان ولا يمكننا ان نخفي أي شيء على الإطلاق “.
وقال نوروزى إن رسم صورة وحشية لقادة إيران يعد ظلما وإن حكومة إيران ملزمة بالرأفة تجاه شعبها لكونها حكومة إسلامية.
مناخ من الخوف
يذكر أنه في الأسابيع التي أعقبت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، اعتقلت قوات الأمن والشرطة الإيرانية الآلاف من المتظاهرين المشتبه فيهم. ومعظمهم تم استجوابهم وإطلاق سراحهم، ولكن تم مطالبة بعضهم بالتوقيع على تعهد، والوعد بعدم المشاركة مرة أخرى في الشغب أو الإضرار بالممتلكات العامة.
ومن قبيل المصادفة أو العمد، أدت الإجراءات الحكومية في الأسابيع التي أعقبت تجمعات المعارضة إلى خلق مناخ من الخوف بين الناشطين في البلاد.
وقد رفض جميع من حاولت الجزيرة التواصل معهم، حتى أولئك الذين قاموا بمسيرات لصالح الحكومة لمكافحة الاحتجاجات. وقال كثيرون إنهم غير متأكدين ما هي الخطوط الحمراء بالنسبة للحكومة أو الشرطة وإنهم قلقون من أن يقولوا شيئا خاطئا يتسبب في الزج بهم في زنزانة سجن.
وفي ظل هذا المناخ من الغموض، يرى البعض ان الحديث علنا من الشجاعة.
وقال محمد معتمدي نجاد، سكرتير حركة طالبي العدالة بالحركة الطلابية، “بالطبع نرى الاحتجاجات شيئا إيجابيا، والاحتجاجات المشروعة للشعب تتمثل في أن يخرجوا [إلى الشوارع] لرفع مطالبهم”.
يذكر أن المجموعة تدافع عن الإسكان الاجتماعي والظروف الاقتصادية الأفضل. ويقدمون مقترحات إلى المشرعين في البرلمان، ولكنهم شاركوا أيضا في الاحتجاجات الشهر الماضي. ولكنهم سحبوا الأشخاص التابعين لهم عندما أصبحت الاحتجاجات عنيفة.
وقال معتمدي نجاد “طالما إن المشاكل موجودة، فسيحدث ذلك وفي جميع البلدان أيضا”.
وأضاف أن الحكومة يجب أن تحتضن المتظاهرين ورسالتهم باعتبارها شكل من أشكال النقد البناء.
وقال معتمدي نجاد، “يعتقد البعض أنه إذا احتج أشخاص على مشكلة فهذا يعد بمثابة عداء تجاه إيران”.
واضاف “في رأينا، يعد هذا غير صحيحا، حيث نريد مواجهة هذه الفكرة والتعامل مع القضايا الحساسة وكسر المحرمات لتهيئة مناخ افضل للنقد حتى نتمكن من تقديم المشورة للحكومة للقيام بعمل جيد وتجنب القيام بأشياء سيئة”.
ولكن الحكومة تؤكد أن الاحتجاجات تم تجاوزها من قبل “أعداء خارجيين” وبدلا من تصوير المظاهرات على أنها عرض للحقوق المدنية، قام المسؤولون بتصويرها كتهديد خارجي للأمن القومي الإيراني.
وقال معتمدي نجاد إنه يدعم المؤسسة الإسلامية للبلاد، ولكن إلقاء اللوم على القوى الخارجية دون أي دليل لا يعالج المظالم الاقتصادية التي أشعلت المظاهرات في المقام الأول.
وأضاف “إن هذه ليست الطريقة لـ [الحديث عن هذه القضايا]”.
وقال، “إنها ليست الطريقة المرغوبة لتوعية الاشخاص، والاكتفاء بقول أن هناك بعض القضايا دون تقديم وثائق أو أدلة. وطبيعة الحال هذا لا يساعد في الثقة العامة للناس أو الآراء العامة سواء داخل او خارج البلاد”.
“حي صعب”
يقول قادة إيران إنهم يعيشون في حي صعب وأن الحفاظ على الاستقرار الداخلي يجب أن يأتي أولا.
وقال نوروزي “لدينا بعض الأعداء الذين لا يخفون عداءهم مطلقا”.
وأضاف أن “أمريكا ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) والامبريالية العالمية والصهاينة الدوليين لم يقوموا بإخفاء عداءهم أبدا تجاهنا”.
و”[في هذا المناخ]، يمكن لأي احتجاج أن يضر بأمننا، وفي حين أن الاحتجاج المنظم والسلمي في الشوارع يمكن أن يحقق إنجازات، لا ينبغي أن يكون ذلك بطريقة يمكن لأعدائنا إساءة استخدامها”.
وأضاف نوروزي أن أي إيراني مرحب به وبأي شخص مثله يخرجون للمطالبة بحقوقهم. ولكن عليهم أن يقوموا بذلك وفقا لقواعد الحكومة.
وقال “لقد كنت في البرلمان لمدة عامين”.
واضاف “في أغلب الايام نرى الآلاف من الأشخاص أمام البرلمان للقيام باحتجاجات. ويأتون حاملون لافتات، ويهتفون بشعارات، وفي بعض الاحيان يكونوا صامتين. ونرى أنهم يحملون لافتات مكتوبة”.
وقال “إننا نتحدث معهم. ويوافقون ونحن معهم على أننا سنقوم بتشريع بعض القوانين الخاصة بهم. ولا أعتقد أن هناك دولة لديها [الحرية] التي لدينا بالفعل في إيران”.
وبينما يواصل الرئيس حسن روحاني الدفاع علنا عن حقوق المتظاهرين، رفض مكتب محافظ مقاطعة طهران في وقت سابق من هذا الأسبوع طلبا من مجلس المدينة بتخصيص جزء من العاصمة للاحتجاجات السلمية.
ويقول النقاد إنها هذا مثال على ازدواجية الحكومة.
الاحتجاجات والثقافة السياسية
يذكر أنه في عام 1979، وهو لا يزال في المنفى في باريس، أمر آية الله روح الله الخميني كل الإيراني في الشوارع بالمساعدة في الإطاحة بشاه إيران.
ويعزى نجاح المظاهرات إلى قدر ليس بضئيل من مجتمع الأعمال الكبير في طهران، فقد كان العديد من التجار يديرون محلاتهم منذ ما قبل الثورة الإسلامية.
وقال أحد أصحاب المحلات إن “الاحتجاجات اندلعت من قبل وستحدث مرة أخرى”. وأضاف أن “المطالبة بحقوقهم في الشوارع هي شيء لا يقوم به سوى الايرانيون”.
وسواء كانت الحكومة الحالية تود ذلك أم لا، فقد أصبحت الاحتجاجات جزءا من الثقافة السياسية الإيرانية.