عرفت إيران بأسماء شعراء كبار على مدار تاريخها، مثل سعد وحافظ الشيرازي، وسهراب سبهري، عمر الخيام وجلال الدين الرومي، وكمال الدين الأصفهاني، وغيرهم من الشعراء الكبار الذين أثروا التاريخ الإيراني والفارسي على وجه العموم بأعمالهم الخالدة، ورغم أنه لم يخل الأمر من المنغصات دائمًا، إلا أن الشعر في إيران صار يقابل العديد من الأزمات في العصر الحديث، إذ أصبح التعبير الشعري عندما يخرج عن الخطوط الحمراء المرسومة يقابل بالعقوبة التي تصل للإعدام!
حاج رستم
لم يحظ الأمر بالكثير من الاهتمام داخل الصحافة العربية، إلا أن اعتقال الشاعر حاج رستم عام 2015 كان محط اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي من المثقفين الإيرانيين، الذين رأوا أن اعتقاله هو قتل لحرية الرأي والتعبير، ولكن لأن الأمر جاء وقت الانتخابات التشريعية، فلم تحظ تلك الحادثة بتسليط الضوء عليها من جانب الشعب الإيراني بوجه عام، وكانت التهمة التي وجهت إليه هي إهانة المقدسات ونشر الأكاذيب.
الشاعر أيضًا وقت القبض عليه ظل مكانه طي الكتمان من قبل السلطات، حتى عائلته لم تعرف ماهو مصيره على وجه التحديد ولا أين هو، بالإضافة إلى مصادرة جميع متعلقاته الشخصية مثل حاسوبه وهاتفه، وهو الأمر الذي أغضب المنظمات الحقوقية الإيرانية ذلك الوقت.
حاج رستم أيضًا يعد مؤسس المركز الشبابي للقصيدة، والذي أغلقته فيما بعد السلطات، بالإضافة إلى منعه من التدريس في الجامعة بعد أن كان يدرس الشعر والفلسفة، ولكنه لم يتوقف عن إلقاء المحاضرات حيث صار منزله قبلة للطلاب، يتناقشون فيه كل الأمور الممنوعة من المناقشة.
مهدي موسوي وفاطمة اختصاري
كان مهدي موسوي أحد الطلاب الذين يترددون على صالون حاج رستم، ليتم الحكم بحبسه وجلده بسبب ما رأته السلطات من قصائده الغزلية الإباحية، والتي كان ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتم اعتقاله هو وفاطة اختصاري عام 2013، ثم يتم الإفراج عنهم فيما بعد.
تجدد الاعتقال مرة أخرى في عام 2015 حيث تم سجن موسوي و اختصاري أثناء سفرهما إلى تركية لحضور ورشة أدبية هناك، ولكن السلطات أبلغتهم بوجود امسهما على قائمة الممنوعين من السفر، وهناك يتم اختفائهم عن الأنظار، حتى يعلم أهلهم أنهم في سجن “إيفين” والذي يعد من أسوأ سجون إيران على الإطلاق، وذلك بتهم “العلاقات المحرمة وازدراء المقدسات، بالإضافة إلى تقويض أمن البلاد بكتابة وقراءة عدد من القصائد المليئة بالغموض التي يمكن فهمها بعدة طرق والتي تشكل خطرا كبيرًا”
ومن جانبهم قام عديد من المثقفين بتوقيع بيان تضامني مع الشاعرين وصل عددهم إلى أكثر من مئة شاعر، من جميع أنحاء العالم، يؤكدون فيه تضامنهم معهم، خاصة أن اختصاري حكم عليها بالسجن 11 عامًا، بينما حكم على موسوي بالسجن 9 أعوام، إضافة إلى 99 جلدة، كما ناشد مئات الشعراء خامنئي من خلال رسائلهم بإلغاء الحكم، غير أنهم لم يتسلموا أي رد.
هاشم شعباني
أما الشاعر هاشم شعباني، فلم ينل فقط الحبس، بل طاله حكم الإعدام، وذلك يوم زيارة الرئيس روحاني للأهواز عام 2014.
شعباني هو شاعر عربي من منطقة الاهواز، وعمل كمدرس للغة العربية، إضافة لإتقانه اللغتين الفارسية والعربية، كما حصل على الماجيستير في العلوم السياسية، عرف أيضًا بمدونته التي كان يدعو فيها إلى حرية التعبير، والانفتاح السياسي، ليتم الحكم عليه بالإعدام عام 2012 وذلك بتهمة الفساد ونشر الفساد في الأرض وتهديد الأمن القومي ونشر الإشاعات الكاذبة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليتم إعدامه فعليًا عام 2014 هو وصديقه الشاعر هادي رشيدي.
وقد كتب شعبانئي قبل موته ينشد “سبعة أسباب تكفي لأموت، لسبعة أيام وهم يصرخون بي: أنت تشن حرباً على الإله! في السبت قالوا: لأنك عربي. في الأحد: حسناً، إنك من الأهواز. في الاثنين: تذكر أنك إيراني. في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة. في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟ في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ. في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟”.
سعيد سلطانبور
أما الشاعر الإيراني سعيد سلطانبور، فقد تم إعدامه هو الآخر، أعدم في 22 حزيران سنة 1981 م بتهمة معاداة الثورة الإسلامية عن طريق الكتابة ونشر المقالات، وذلك بعد خطف في يوم عرسه بأمر من الرئيس روح الله الخميني، ليتم قتله رميًا بالرصاص داخل أحد سجون طهران.
كما قتل أيضًا الشاعر رحمن هاتفي، الذي كان يكتب تحت اسم مستعار هو “حيدر مرجان” حيث تم قطع شرايينه وترك ينزف حتى وافته لامنية داخل سجن إيفين، المعروف بمثل هذه العمليات، والذي سجن فيه العديد من السياسيين.
تنكيل
لم تكن فقط هذه الحوادث هي الوحيدة من نوعها، ففي عهد الرئيس خاتمي تم اغتيال أكثر من 80 مثقفا منهم الشاعران محمد مختاري، ومحمد جعفر بوياندا، وليس الشعراء وحدهم هم من يعانون من التنكيل بل حتى الصالونات الأدبية نفسها يتم غلقها، واعتقال من بها، إلى جانب الرقابة الشديدة على الأعمال الأدبية الورقية، وهو مادفع الكتاب إلى الاستعاضة عن ذلك بنشر أعمالهم في المدونات.
كما ظهر نوع جديد بسبب التكنولوجيا من القصائد ملقى صوتيًا على شبكات الإنترنيت، وهو ما خلق تفاعلًا أوسع، غير أنه تم القبض على عدد من الشعراء الذين استخدموا هذه الطريقة مثل هيلا صديقي ومحمد عالي بيام بتهمة تحقير المقدسات والتحريض على الجمهورية الإسلامية، بالإضافة إلى حبس على موسيقيين قاموا بتلحين قصائد شبابية غير مرضى عنها “قوميا” او “أمنيا” أمثال مهدي رجبيان ويوسف عمادي خمس سنوات مع الجلد وتغريمهما مبلغًا ماليًا وصل إلى المليون.
ورغم كل هذا المنع يؤكد عدد من الشعراء أن اهتمام الحكومة بقصائد بعينها وحبس أو التنكيل بأصحابها، يخلق لها شهرة محلية وعالمية، وهو ما يأتي بعكس ما كانوا يرجونه.