تحصل موقع «سحام نيوز»، التابع للزعيم الإصلاحي الإيراني، مهدي كروبي، على وثيقة سرية هامة قُدمت لمكتب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تحتوي على إحصائيات دقيقة للتظاهرات التي شهدتها إيران مؤخرًا.
وصرح الموقع إنه تحصل عليها من مصادره الخاصة، في الحكومة الإيرانية، وقد أظهرت هذه البيانات والإحصاءت أُمور هامة ومثيرة عن احتجاجات وتظاهرات ديسمبر 2017 / يناير 2018 التي قامت في إيران.
التقرير الصادر عن وزارة الداخلية، والذي تم رفعه إلى الرئيس الإيراني، كان مُجرد؛ أي إنه كان خالً من التصورات الشخصية، ومصالح التيارات السياسية الإيرانية، وحتى وجهة نظر الوزارة ذاتها، وكان مستندًا على بيانات متخصصة ومعلومات ذات درجة عالية من الموثوقية عن المظاهرات في إيران، وهذا وفقًا لحديث مسؤول إيراني كبير للموقع.
نال التقرير أو الوثيقة أهمية من موقع “عربي 21” وقام بترجمته، وقد احتوى على البيانات الآتية:
– 30 من الشعارات التي رُفِعت في المظاهرات كانت اقتصادية، و70% منها كانت شعارات سياسية.
– المدن التي شهدت المظاهرات في إيران من أمنيًا؛ تُدرج ضمن المدن البيضاء -أي التي لا توجد فيها أية معضلات أمنية.
– وصل حجم التأييد الشعبي لنسبة كبيرة؛ إذ أن 75% من الشعب الإيراني تعاطف مع المظاهرات ومحتواها، ولكن لم يشارك فيها.
– ما يُقارب من 238 موقعًا في الداخل الإيراني، شهدت احتجاجات ومظاهرات، تتوزع هذه المواقع على 80 مدينة إيرانية.
– 31 موقعًا للمظاهرات كانت في طهران، و28 موقعًا في محافظة أصفهان، و28 موقعًا في الأحواز. كانت هذه هي أهم المناطق التي شهدت المظاهرات في إيران.
– وعن إحصائية المتظاهرين الذين خرجوا في الاحتجاجات؛ فإن عدد كل المتظاهرين 115 ألف متظاهر، 6% من النساء، و94% من الرجال.
– كما بلغ عدد جميع المعتقلين 3744 متظاهرًا، 80% من المعتقلين عاطلون عن العمل، و12% من طلاب الجامعات، و5% من المعتقلين العسكريين.
– وحول أعمار المعتقلين فأن 76% من المعتقلين أعمارهم تحت الثلاثين عام، و3% فوق الخمسين عام.
وحول الشهادات العلمية التي يحملها هؤلاء المعتقلون، فإن 24% من المعتقلين هم من أصحاب الشهادات العُليا، و 75% يحملون شهادة البكالوريا وما تحتها، و1% فقط بلا تعليم.
أضافت سحام نيوز، إن الإحصائيات الواردة في التقرير تتطابق بشكل كبير مع تقرير آخر قامت وزارة الإطلاعات الإيرانية -الاستخبارات-، إلى مجلس الشورى -البرلمان- الإيراني.
التقرير الأخير المُشار إليه نُوقِش في اجتماع خلف الأبواب المغلقة في السابع من كانون الثاني / يناير هذا العام، في البرلمان الإيراني، بحضور وزير الداخلية الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، ووزير الأمن والاستخبارات، محمود علوي، ونائب قائد الحرس الثوري، حسين سلامي؛ لبحث تداعيات أزمة الاحتجاجات الشعبية في البلاد. كما شهد الاجتماع حضور رئيس الشُرطة، ورئيس الهيئة الإيرانية للإذاعة والتليفزيون.
وقد ناقش تقرير محمود علوي، بصفته صادر عن وزارة الاستخبارات، جذور الاحتجاجات في البلاد، بغض النظر عن أن العديدين من النواب لم يعتدوا بالتقارير الصادرة عن الجهات الأمنية والتي تمت إثارتها في البرلمان، واعتبروها سطحية وغير مُقنِعة، وأنها لم تُنهِي جذور المظاهرات أو تقُم بحلحلتها بصورة نهائية.
تحليل على ضوء الوثيقة
أن هذه الوثيقة قد ألقت بظلالها على العديدين المراقبين والمحللين والذين رأوا أن هذه الوثيقة تكشف بصُورة جلية الأسباب، والعِلل التي أفضت إلى حدوث التظاهُرات، وأنه لا بُد أن يتم دراستها ومعالجة أسبابها كي لا تشتعل النار مجددًا في الجمهورية، بصورة قد لا يُستطاع دفعها.
فنرى أن أول نقطة تم تناولها في الوثيقة، هي نسبة التوزيع التي أُشيِر إليها حول الهتافات المُستخدمة في التظاهرات، والتي أظهرت بونًا شاسعًا في المطالب، فالاقتصادية حازت 30 % بينما السياسية 70 %، ولو كانت وزارة الداخلية أكثر تثبُتًا وتحقُقًا في وثيقتها، فسندرك أن هناك ثمة حركة انتقالية من المطالب الاقتصادية إلى السياسية بصُورة سريعة قد تمت في الأيام الأولى من التظاهرات على إثر القوة الأمنية القمعية، والتي واجه الأمن بها المتظاهرين وسقوط أعداد غفيرة من الضحايا والجرجى والمعتقلين، وهذا يؤكد أن سقف المطالب يرتفع تلقائيًا، وينتقل من أي مربع مجالاتي إلى مربع السياسة، إذا وُوجِه بصورة خاطئة أو بقوة نارية تقمع حامليها الذين يكتسبون زخمًا وتعاطُفًا بصواب قضيتهم وأحقية مطالبهم؛ وهذا ما تبرزه نقطة أن 75% من الشعب الإيراني تعاطف مع المظاهرات ومحتواها، ولكنه لم يشارك فيها.
نجد أيضًا، أن التقرير أشار إلى نقطة هامة وخطيرة وهي أن المدن التي اشتعلت فيها الاحتجاجات واستمرت عدة أيام، وكانت مدعاةً لانسدال مدن أُخرى إلى ميدان الاحتجاجات، كانت مدن تُدرج أمنيًا ضمن المدن البيضاء، أي أنها لا تعاني أمنيًا، وقد تصل إلى حد أنها محاضن للتيار المحافظ ومواطن سيطرته مثل مدينتي طهران العاصمة أي مركز الدولة، ومدينة أصفهان القلعة النفطية الوطيدة في البلاد، و إقليم الأحواز موطن أهل السُنة والذي يُعاني تجافيًا وقمعًا هائلين من قِبل النظام. أي أن هذا يُثبت لنا أن الاحتجاجات والغضب يحمل صورة النار القابع أسفل الرماد، وليس لأن الناس يعيشون في أمن فهم على إثر ذلك قد يتنازلون عن ضروريات حياتية ومعيشية أخرى. وأن الأنظمة القمعية، والتي لا توفر سُبُل عيش سوية لمواطنيها، ليس لها أن تهنأ بديمومتها في مرابعها.
تُظهِر لنا نسب الأعمار السِنية استنباطًا يؤكد مدى الإحباط والابتئاس الذي يضرب فئة الشباب الإيراني حتى أنهم ضجوا من الأوضاع القائمة، وجدير بالملاحظة؛ أنهم جيل تشرب مبادئ الثورة الإيرانية الإسلامية، وترعرعوا في ظِلالها وقد وُلِدوا فيها عقب تمكُن هذه المبادئ وتغلغلها في الداخل الإيراني، ولكنهم نادوا بهتافات سياسية شديدة التضاد معها، حتى أنهم هتفوا يالموت لمرشد ثورتهم.
فأن تُشكل نسبة مُقدرة بثلاثة أرباع المشاركين إجمالًا من فئة الشباب فقط، فهذا يؤكد ويثبت أنهم عمود أي أُمة قائمة قوميةً كانت أو أُممية، وأن عدم توفير حياة كريمة سوية بكل ما تعنيهما كلمتا كريمة سوية من معاني، سيشحشذ جهودهم ويوحدهم على مواجهة النظام الذي يحكمهم ويعملون على إسقاطه.
التصنيف الچندري في التظاهرات وغلبة الرجال بنسبة 94 % في المشاركة فيها، يُظعِر معاناة هذا النصف من المجتمع الذي يحمل أعباء النصف الآخر، من ارتفاع أسعار، وزيادة ضرائب، وتقشُف حكومي، وتضييق معيشي، وتأثير هذا وانعكاسه عليهم بصورة سلبية للغاية.
80 % ممن شاركوا في الموجة الاحتجاجية عاطلون، لا عمل لهم، سبب اقتصادي بحت، فجر الأوضاع وجعلها أكثر تأزُمًا، هؤلاء لا يجدون شيئًا يبكون عليه، وفراغهم الحياتي المعيشي جعلهم منخرطين بصورة قوية في التظاهرات، البطالة تستشري في الجسد المجتمعي لإيران، فقد بلغت نسبتها حسب مركز الإحصاء الإيراني، إلى 12.4 % مرتفعةً عن العام الماضي بنسبة 1.4 %، أي ما يزيد عن 3 ملايين عاطل كما أفاد تقرير موقع فينانشيال تريبيون، وتُشير نسب أُخرى غير حكومية أدرجتها ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنها 24 % أي الضعف.
ولتوضيح حجم الأزمة، فوزير العمل الإيراني، علي ربيعي، حذر في وقت سابق قُبيل 2016، من “تسونامي بطالة” في بلاده، خصوصًا لدى الشباب، مؤكدًا أن 1.1 مليون من خريجي الجامعات لا يجدون فرصة عمل، إضافةً إلى 4.5 ملايين طالب جامعي آخرين، وشدد على أن إيران ستواجه 5.6 ملايين متعلم باحثين عن فرص العمل، وقد وضعت الحكومة رؤية عشرينية ممتدة من (2025-2005)، والتي بموجبها يتعين على الحكومات إيجاد 600 ألف فرصة عمل سنويًا، وهذا ما لم يكُن.
أخيرًا، يظهر أن 24 % من المتظاهرين حملة شهادات عُليا، و75 % حملة شهادات بكالوريا وما تحتها، أي في المجموع 99 % منهم متعلمون ولديهم درجة مرتفعة من الإدراك والوعي السياسي، حينما قامت مظاهرات الحركة الخضراء عام 2009، شكل عمودها بالكامل وفضائها العام طُلاب الجامعات وحملة الشهادات العُليا بدرجات ومستويات متفاوتة في العُلُو، وهذا ما جعلها قمعها أشد وأكثر بأسًا، هؤلاء كان لديهم وعي كامل بالوضع السياسي آنذاك، وكان خروجهم لأوضاع سياسية متأزمة وانسداد الأُفق السياسي بعد تفشي وتوغل التيار المحافظ وأذرعه على الساحة السياسية والاقتصادية في البلاد، ولكن هذه التظاهرات نستطيع أن نرصد فيها انخفاضًا كبيرًا في حملة الشهادات العُليا، لأن خروج هؤلاء كان لأهداف اقتصادية ومعيشية، لذلك فالطبقة ذات التعليم المتوسط هي الطاغية في هذه التظاهرات، وقد يكون قفزة الهتافات من الحالة الاقتصادية إلى السياسية، هو ما أوجد اندفاعًا لدى حملة الشهادات العُليا والمثقفون والنُخب للانخراط في هذه التظاهرات، آملين في تحريك الوضع السياسي، وتحقيق مكاسب أكبر وأكثر من التظاهرات.
هذه الوثيقة الصادرة من جهة رسمية، والمرفوعة إلى أعلى سلطة في الهرم التنفيذي في البلاد، تُظهِر أن النظام الإيراني قد أُخِذ من المظاهرات، وأنه لم يكن يتوقعها بالمرة، وأنه قد تحول للاهتمام بها وتحليها وتفحيصها وتفنيد أسابها، ورسم خُطُوط بيانية لها، وجمع بيانات وإحصائات رقمية لها.
لكن كل هذا لا يُعتبر شيء إذا لم تقُم أجهزة النظام بمعالجة جذور أسباب هذه الاحتجاجات، ومُسببات انطلاقها، كي لا تندلع واحدة أُخرى تأكل الأخضر واليابس.