انطلقت العملية العسكرية التركية تحت اسم “غصن الزيتون” في السادس عشر من كانون الثاني / يناير، من قبل قوات الجيش التركي بكافة أسلحتها، مقرونةً بقُرابة 22 ألف من قوات المعارضة -الجيش السُوري الحر-، ضربت تركيا بعرض الحائط كافة الإجراءات الأمريكية والمطالبات، واتخذت نهجًا متصاعدًا ضد الولايات المتحدة الأمريكية على إثر إعلان الولايات المتحدة عن تدريب قوة حدودية قوامها 30 ألف مقاتل أغلبهم من الأكراد.
وتعتبر السلطات التركية أن “وحدات حماية الشعب الكردي / YPG”، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، هي امتداد لــ”حزب العمال الكردستاني التركي/ PKK”، الذي تُصنفه تركيا والولايات المتحدة الأمريكية كـ”تنظيم إرهابي”، كما تُصنف تركيا “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري / PYD” منظمةً إرهابيةً أيضًا.
وهذا على إثر سيناريو مُحتمل أن يكون على عمق يمتد بين 10 و15 كيلومترًا، أو بحد أقصى 30 كم. والهدف هو اتصال قوات الجيش السوري الحر في ريفي حلب الغربي والشمالي، واستعادة المناطق التي تمددت إليها الوحدات الكردية قبل أكثر من عامين تحت غطاء جوي روسي، وانتزعتها من الجيش السوري الحر، وهو ما سيؤدي إلى قطع منطقة عفرين عن مناطق قوات النظام. وُهناك هدف آخر، وهو رغبة أردوغان في إعادة توطين 3.5 مليون لاجئ سوري إلى هذه المنطقة التي سيجعلها بمثابة حرم آمن لهم.
ويأتي هذا في إطار ما صرح به، رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، بأن تركيا لن تسمح بإقامة أي كيان إرهابي على طول حدودها الجنوبية الممتدة من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. والتي تبلغ قُرابة 130 كيلو متر.
الموقف الإيراني
اتسم الموقف الإيراني الرسمي بالتوافق مع الجانب التركي، والذي نستطيع أن نُوصمه بالحذر النسبي من العملية التركية في مدينة عفرين، فقد صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، إن إيران تتابع عن كثب وبقلق الأحداث الجارية في مدينة عفرين، وتأمل انتهاء العمليات فورًا والامتناع عن تصعيد الأزمة في المناطق الحدودية بين تركيا وسُورية.
مضيفًا أن استمرار الأزمة في عفرين يمكن أن يؤدي إلى تقوية المجموعات التكفيرية الإرهابية مجددًا في المناطق الشمالية في سُورية، وإشعال نيران الحرب والدمار مجددًا في البلاد.
كما أكد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، واحترام السيادة الوطنية له، والامتناع عن تصعيد الأزمة الإنسانية والحفاظ على أرواح السوريين الأبرياء.
وفي موقف آخر، أفادت وكالة أنباء “الأناضول” التركية الرسمية، أن رئيس أركان الجيش التركي، خلوصي أكار، أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الإيراني، محمد باقري، لتبادل وجهات النظر حول القضايا الأمنية في سوريا، والتعاون في مجال مكافحة المنظمات الإرهابية.
الحالة الإعلامية الإيرانية
هذه الحالة من الحذر هي التي أكدتها الحالة الإعلامية الإيرانية بصفة عامة والصحفية منها بصفة خاصة، وأن الموقف الإيراني إجمالًا لا يُخلص منه حالى تماهي أو توافق تامين مع ما يفعله الجانب التركي في عفرين.
فقد عرضت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية، بانوراما سريعة لتقارير مجمعةً من صُحف ووسائل إعلام إيرانية حول ما شنته من هجوم وحملة على عملية غصن الزيتون التركية.
فنجد أن صحيفة “كيهان”، المملوكة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، وصفت عملية غصن الزيتون بالعدوان التركي، كما صرحت أن روسيا تواطأت مع تركيا، وأن موسكو تحصلت على بعض المكاسب من الأتراك من عمليات عفرين، وأن هناك تفاهمًا روسيا تركيًا حولها.
وانتقدت الصحيفة الروس على عدم تحركهم ضد الأتراك، وأشارت إلى أن تركيا تحاول إعادة تنظيم الجماعات الإرهابية السورية في جيش يتشكل قوامه من 22 ألف جندي سوري، خلافًا لكافة المحادثات التي قامت في سوتشي وأستانا والأمم المتحدة.
وصعدت الصحيفة من انتقادها واصفةً أن العمليات العسكرية التي تنفذها تركيا ستُزيد من التدخلات الخارجية في سوريا، بل وصل حد الانتقاد إلى أن وصفت الصحيفة الجيش السوري، وحلفاءه إيران وروسيا، قادرون على التغلب على هذا العدوان العسكري التركي.
صحيفة روزنامة إيران الرسمية، كتبت تقريرًا تحت عنوان “تركيا تبدأ عملياتها ضد أكراد سوريا”، بصُورة عامة دون أي تخصيص، ولم تذكر أي تنظيمات مُستهدفة من قبل الجانب التركي.
صحيفة “چيهان صنعت” وصفت العملية بأنها مغامرة جديدة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
المواقع والصحف المحسوبة على التيار الإصلاحي الحاكم في الجمهورية الإيرانية، أيضًا، مثل موقعي “انتخاب”، و”عصر إيران”، وصحيفتي “مردم سالاري”، و”شرق”، نقلت أخبار العملية تحت عنوان “تركيا تشن هجومًا على قلب الأكراد في سوريا”.
صحيفة “اعتماد” نشرت مقالةً في على صفحتها الأولى تحت عنوان “أطماع النفوذ التركي في سوريا”، أدرجت فيه أن وقوف العناصر الكردية المسلحة إلى جانب نظام بشار الأسد وتدعيمهم إياه، كان الدافع الرئيسي الذي دفع تركيا لشن العملية.
وكالة “مهر” للأنباء، اعتبرت العملية انتهاكًا لسُورية.
التلفزيون الإيراني الرسمي ذاته “برس تي في / Press TV” رأى أن عمليات القوات المسلحة التركية ضد الأهداف العسكرية لتنظيمي حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في عفرين، على أنه حملة جوية ضد المدنيين في شمال سوريا.
وكالة أنباء “إسنا”، نشرت على موقعها بيانًا، قالت إنه صدر عن “النواب الأكراد في مجلس الشورى”، وذكرت أنهم يعترضون على العملية العسكرية التركية ضد الأكراد في سوريا.
ولكن على جانب آخر، في موقف نادر، نجد أن صحيفة “دنياى اقتصاد”، وموقع “فرارو” الإخباري، اعتبرتا أن عملية غصن الزيتون قد حيدت نحو ألف إرهابي ينتمون للولايات المتحدة، ومكنت تركيا من إلقاء الكرة في ملعب الولايات المتحدة.
محاولة تفسيرية
هذا الموقف المشوب بالحذر، والقلق، وعدم إعطاء الجانب التركي الموافقة التامة، والتردُد فيه، هو ناشئ عن التخوف الإيراني والتوجُس من عودة تنظيمات الجهادية السلفية، أو قوات المعارضة السُورية، التي يراها الجانب الإيراني إرهابية وتُهدد أمنه واستقراره هو وحليفه السُوري، بشار الأسد.
إيران لم تُفش سرًا عندما وضحت على لسان المتحدث باسم خارجيتها، أن ما يحدث في عفرين قد يُقوي شوكة التنظيمات الإرهابية الواقعة في الشمال السُوري، سواء كانوا جهاديين أو قُوات المعارضة.
هذا القلق تأتى من أن طبيعة هذا الانشغال بضرب التنظيمات الكُردية التي انتشرت على طول سُورية لاسيما مناطق التماس مع الجانب التركي، سيُوجد سببًا قويًا لإعادة فُلُول وشتات المقاتلين من التنظيمات الجهادية السلفية، وعلى طُرتها تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يتأسس مشروعه الهوياتي على مقاتلة وحراب الإيرانيين، بوصفهم “روافض” واجب منابذتهم، كما هدد تنظيم الدولة المشروع الإيراني في سُورية، وقد تدافعت الأسباب حتى اندثر وجود التنظيم بعد الضربات المُثخنة التي تلقاها في الرقة، ودير الزور، فتضاءل وجوده حتى انعدم تمامًا. وإيران لا ترغب في عودتهم مجددًا تمامًا.
لكن لما قد بذلت تركيا جُهُودًا ومحاولات هائلة في إفراغ حدودها ونقاطها التماس خاصتها مع الجانب السُوري من مقاتلي تنظيم الدولة بصفة خاصة وأية تنظيمات تُثير قلقها بصفة عامة، ونضيف على هذا أيضًا أنه عندما يغيب طرف، يحل طرف آخر مكانه، فهذه المساحات الشاسعة التي خُلفت وراء التنظيم، وأضحت محل تقاسُم روسي وإيراني وتركي وأمريكي، أيضًا سيُصبح فيها نصيب لقوات المعارضة السُورية.
فالمناطق محل الصراع والقصف التركي حاليًا، كانت منذ عدة سنوات، وفي مبتدئ الثورة السُورية، بحوزة قوات المعارضة عندما حررتها من قبضة قوات الأسد، ولكن لأسباب عدة على رأسها القتال الذي طال بين قوات المعارضة ومقاتلو تنظيم الدولة، فانفكت قبضة الثُوار من عليها، ووقعت في يد المليشيات الكردية الداعمة للأسد.
وقد عززت إيران هذا التواجد ممسكةً بمنتصف العصا، فهي لا تريد للأكراد أن يقيموا دولة ولا أن يُفكروا في هذا الأمر من الأصل وتعلم كيف تُحيدهم وتُنحيهم عن هذه القضية إن جالت في خواطرهم، ولا هي في غنى عنهم لما يمثلوه لها من أهمية في حفظ الميدان لحليفهم بشار.
وهذا هو السبب الرئيس لما هو حادث الآن، فالتنظيمات الإرهابية مقصود خطاب الخارجية الإيرانية هي قوات المعارضة، فإيران تنظر للوضع القائم بأنه مثابة أكسير حياة لقوات المعارضة السُورية، وإحياءً لنفوذها بصورة أكثر تناميا مما قد مضى، وتهدم ما أخذت تُشيده إيران من محاولات طيلة سبع سنوات من تاريخ انطلاق الثورة السُورية، في إخبات صوت الثورة، وإبقاء بشار على كُرسيه، ومشاركتها له في كثير من المجازر والمذابح التي وقعت لعشرات الآلاف من المدنيين في الداخل السُوري، وتدعيمها له بالكثير من العتاد وآلاف من الجُنُود لمحاربة الثُوار.
لاسيما أن قوات الجيش السُوري الحُر المشاركة في العملية ذات أعداد غفيرة، وليست بالبسيطة، وهذا ما يؤرق إيران أكثر، وهي تنظر بعين ثاقبة وفاحصة لما يحدث في عفرين لتحدد موقفها.
فماذا ستكشف الأيام القادمة عن عملية غصن الزيتون على مدينة عفرين وما تلاها، وانعكاس ذلك على المنظور الإيراني مستقبلًا؟