في 18 يناير، عرض وزير الخارجية ريكس تيلرسون بعض التوضيح الذي طال انتظاره بشأن السياسة الأمريكية في سوريا بعد داعش.
ومنذ بضعة أسابيع، لم يعتقد بعض المراقبين أن الولايات المتحدة ستبقى في سوريا على الإطلاق بعد هزيمة داعش.
يذكر أن تیلرسون قدم سیاسة أمیرکیة طموحة یتعین تقدیمھا من خلال انتشار عسکري غیر محدد في مناطق سوریة مأخوذة من داعش، ودعم عشرات الآلاف من مقاتلي المیلیشیات المحلیة التي یسیطر علیھا شرکاؤھا الکردستان ضد داعش.
إن السياسة الجديدة لا تسعى سوى إلى هزيمة دائمة لداعش، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين، والقضاء على أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها النظام، مما يقلل من نفوذ إيران. وإنهاء الحرب الأهلية السورية من خلال “عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة، وأن تعمل سوريا المستقرة والموحدة والمستقلة، تحت قيادة ما بعد الأسد، كدولة”.
وكانت هذه السياسية موضع ترحيب من قبل بعض من عارضوا عدم اهتمام الرئيس أوباما العام بالتنافس مع إيران، أو باتخاذ خطوات عسكرية لتقديم تسوية سياسية في سوريا.
ويبقى السؤال: هل يمكن تحقيق هذه الأهداف الخمسة بالوسائل المعلنة؟
يذكر أن نشر الولايات المتحدة المفتوح للجنود في شمال وشرق البلاد سيجعل تنظيم الدولة يظل ضعيفا، مما يجعل هذا أبسط هدف. وغير واضح ما إذا كان هذا الانتشار سيجبر بشار الأسد على التخلي عن أسلحة الدمار الشامل التي يحتفظ بها، والتي نرى أنه قد قام باستخدمها في الوقت الذي كانت القوات الأمريكية تعمل فيه بالفعل في سوريا.
ويمكن تشجيع اللاجئين على العودة إلى مظلة أمنية أمريكية، على الرغم من أنهم سيقدرون ذلك مقابل التوقعات المتعلقة بكيفية معاملة السلطات الاستبدادية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي لهم.
هل يمكن لتعزيز الحماية الحالية التي خطط لها حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا أن يقلل من التأثير الإيراني؟
جدير بالذكر أنه إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام قوة مفرطة لحماية حدودها، فبالتأكيد يمكن منع المزيد من التوسع الجغرافي الإيراني. ومع ذلك، وقد لا يحيل ذلك دون زيادة ترسيخ إيران في “سوريا الصالحة”، حيث الأساس الاقتصادي والديموغرافي للبلاد في الغرب، ما لم تستخدم الحماية كنقطة انطلاق للعمليات التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران (وهو أمر ممكن، ولكن لم يتم ذكره علانية).
إن مهاجمة قوات النظام بالاتحاد ستضعف أيضا النفوذ الإيراني، ولكنها قد تثير مواجهات مع روسيا، التي لها ثمة معارضة مؤسسية عميقة في الحكومة الأميركية والجيش والتي تتجاوز تقارب الرئيس ترامب من فلاديمير بوتين.
ويمكن للمرء أن يجادل حول أن وجود القوات الأمريكية بالقرب من الأراضي السورية التي تسيطر عليها إيران يسبب إزعاجا لإيران، وهو أمر صحيح. ولكن إيران لديها أيضا رأي في كيفية تفاعلها مع هذا الإزعاج، بما في ذلك التزام لا حدود له تقريبا، ومجموعة من خيارات التصعيد بما في ذلك فن الصراع الخاص بها والذي يتميز بكونه مكتمل تقريبا ومختلف.
وإذا بدأ الجنود الأمريكيون يموتون في مواجهات نادرا ما سمع معظم الناس في الولايات المتحدة عنها، هل الرئيس الأمريكي، الذي ترك القضية السورية لاعتباره أنها مسألة هامشية، شديد بما فيه الكفاية ومتعطش بما يكفي للفوز؟
يذكر أنه لا يمكن التنبؤ بما يفكر به الرئيس ترامب بشكل كبير ليتم تحديد ذلك، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للقتال في حرب مع إيران حول سوريا، فهي لا تستحق إذا كان لا يبدو البدء بها على أساس الولايات المتحدة خيارا.
إن الهدف النهائي، وهو إيجاد حل للحرب الأهلية من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة وسوريا الموحدة، هو الأكثر إشكالية. ولا يزال هناك شخص جاد يتوقع من بشار الأسد التفاوض حول احتكاره السياسي، والذي قتل مئات الآلاف للحفاظ عليه.
والاقتراح المذكور لتقرير مصيره من خلال الانتخابات أمر غريب أيضا، فإذا كان من الممكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وفاز الأسد، هل من شأن ذلك التوفيق حقا بين خصومه للعيش في سوريا التي يقودها الأسد بعد كل ما حدث؟ وهل لن يؤدي ذلك إلى دعم إيران؟
أم أن الولايات المتحدة ستعاقبه من خلال فرض عقوبات، على سبيل المثال، سرقة الانتخابات بهذه الطريقة لتحقيق هدفهم؟ وماذا سيحدث إذا خسر؟ هل ستطيح به الولايات المتحدة وشركاؤها الذين يقودهم الأكراد بالقوة؟
ويعتقد بعض مؤيدي السياسة الأمريكية أن الاضطراب الاقتصادي يمكن أن يستخدم للضغط على النظام لتقديم تنازلات. ونشر الجنود قد يؤدي إلى الحرمان من أصول استراتيجية هامة بما في ذلك المياه والسدود والأراضي الصالحة للزراعة والنفط والمعابر الحدودية.
إن الاختناق البطيء لسوريا التي يسيطر عليها النظام وسكانه سيضعف في الواقع حليفا إيرانيا، ولكنه لا يمكن الدفاع عنه إلا إذا كان يعمل. والمشكلة هي أن الأسد سيشهد قريبا سوريا جائعة أكثر من مشاركتها. وإذا وصل الأمر بالفعل إلى ذلك وانهارت الدولة، فستكون هذه بالضبط هي النتيجة التي سعى صانعي السياسات (بما في ذلك هذه الإدارة) إلى تجنبها، وذلك خشية أن يكونوا مثقلين بالمسؤولية عن سوريا ما بعد الأسد.
وبما أن إيذاء إيران أو الأسد يتطلب نهجا أكثر قوة، ويبدو أن الولايات المتحدة غير راغبة في نشر قواتها ضد قواتهم (والقوات الروسية)، فستحتاج إلى شركاء إقليميين ومحليين يتمتعون بقدر عال من الكفاءة والالتزام. ولأسباب كثيرة، لا توجد دولة معادية للأسد تعادل إيران. ولم تعد السعودية والإمارات العربية المتحدة مهتمتين بتغيير النظام في سوريا، ولن يكونوا قادرين على تحقيق ذلك على أية حال.
يذكر أن مصر تعد حليفا للأسد، والسياسة الأمريكية المؤيدة لحزب الاتحاد الديمقراطي تستبعد أي شراكة مع تركيا. وليس هناك ما يعادل الميليشيات المحلية الإيرانية، فإما حزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان فعالا في الاستيلاء على الأراض من داعش ولكنه ليس وسيلة ملائمة لمواجهة إيران، أو النظام السوري، لأن تركيا عدوا له وقد تعاونت مرارا وتكرارا ويمكنها أن تتعايش مع النظام والقوات الإيرانية.
وهناك أيضا الأضرار التي تسببت في إنشاء محمية أمريكية مفتوحة على أراضي حزب الاتحاد الديمقراطي والذي سيؤثر على العلاقات بين حليفين من حلف شمال الأطلسي وهم الولايات المتحدة وتركيا. إن البيانات والخطط والسياسات التركية تثير قلقا عميقا، ولكن هناك القليل من البلدان قد تقبل هذه الأعمال من حلفائها.
وإذا قررت الولايات المتحدة (وليس فقط الفصائل في قواتها المسلحة) أن هذا لم يعد تحالفا يستحق الحفاظ عليه، فسيستحق هذا نقاشا أعمق من النقاش الحالي.
وفي عهد الرئيس أوباما، كانت السياسة الأمريكية في سوريا ضعيفة جزئيا (رغم أن ذلك لم يكن فقط) لأن إدارة أوباما كانت مهتمة بعدم إخراج محادثاتها النووية مع إيران عن مسارها، وكان لديها حالة نفور عام للتدخلات الخارجية المعقدة.
وسياسة الرئيس ترامب المعلنة في سوريا تعد قوية وطموحة، مما شجع بعض الذين يشعرون بأن مجرد أي شيء أفضل من نهج الرئيس أوباما. ولكن هناك الآن عدم تطابق واضح بين الوسائل والغايات.
جدير بالذكر أن إضعاف إيران وإزاحة الأسد بعيدا عن السلطة في سوريا لا يمكن أن يتحقق عن طريق نشر 2000 جندي أمريكي على حدودها أو الرهان على قوة محلية لا تشارك الولايات المتحدة المصالح أو الأولويات في سوريا.
والانتخابات في السياق السوري لا معنى لها بصرف النظر عن نتائجها، كما أن الخنق التدريجي لنصف سورية اقتصاديا لتجنب مواجهة خصم أضعف لا يعد سياسة قابلة للتبرير.
ومن المشجع أن صناع السياسة في الولايات المتحدة يفكرون بجدية في إضعاف إيران في سوريا وتغيير سلوك النظام السوري. ورغم ذلك، فالفجوة الواضحة بين الوسائل والغايات تجعل من الصعب تأييد هذه السياسة الجديدة، على الأقل استنادا إلى المعلومات المتاحة.
والحقيقة الصعبة هي أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها سوى من خلال محاربة العدو بناء على شروط الولايات المتحدة، وإيجاد أو بناء شركاء يتقاسمون المصالح الأمريكية، وقبول أن القتال سيكون طويل الأمد، وباهظ التكلفة، ومكلفا في الموارد وربما في الأرواح.
وربما محاربة داعش سببا كافيا لإنشاء محمية يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا. وقد يدعو آخرون إلى البقاء لمكافأة المجموعة على مساعدتها ضد داعش. ولكن إنهاء الحرب السورية وإضعاف إمبراطورية إقليمية متصاعدة وقوية سيحتاجان إلى مزيد من الطموح والموارد.
وسيتطلب ذلك أيضا تسوية حقيقية من رئيس يبدو أن غرائزه تتعارض مع هذا النوع من الالتزام.