في أوائل يناير، شهدت إيران أكبر موجة احتجاج منذ قمع الحركة الخضراء في عام 2009.
وعلى الرغم من اهتزاز الجمهورية الإسلامية، لم تحدث هذه المظاهرات أي تغييرات سياسية كبيرة. وكان المتظاهرون عاجزين عن تحقيق هدف سياسي واضح، ولم يتمكنوا من الحفاظ على الزخم المبدئي. ولم يكن لديهم أي دعم من جانب النخب السياسية، حتى الاصلاحيين لم يدعموهم خوفا من تكرار ما حدث في سوريا في إيران أو فقدان حصتهم من السلطة.
وقد قام الجهاز القسري الإيراني بعمله، وقمع حملة الاحتجاجات بقوة. وغير مرجح أن تفوز هذه الحركات الاحتجاجية أو غيرها في المستقبل بالمعركة مع قوات الأمن طالما أن المتشددين هم المسؤولون عن اتخاذ القرار في إيران.
ورغم ذلك، قد تكون هناك قريبا فرصة للتغيير. وقد كان المرشد الأعلى آية الله خامنئي من أكبر العوائق التي تحول دون التغيير والإصلاح السياسي في إيران، حيث وقف وراء المتشددين وشجع السياسات المقاومة للتغير.
ولكن آية الله خامنئي يبلغ من العمر 78 عاما، ووفقا لتقارير عديدة، فهو في حالة صحية سيئة أيضا. إذا فماذا سيحدث عندما يموت خامنئي؟
من سيختار المرشد القادم؟
يذكر أنه إذا توفي خامنئي أو تم اعتباره غير قادر على أداء مهامه، فسيتولى مجلسا من ثلاثة أعضاء مهامه. ويضم المجلس الرئيس الإيرانى ورئيس السلطة القضائية ومتحدث عن مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة محافظة مسئولة عن تفسير الدستور الإيراني. وسيكون لهم صلاحيات المرشد الأعلى حتى يختار مجلس خبراء القيادة، وهو هيئة مؤلفة من 88 من كبار قادة المسلمين، خلفا له.
ويتم انتخاب أعضاء مجلس خبراء القيادة من قبل الشعب الإيراني لمدة ثماني سنوات، بعد أن يمر أولا بمرحلة ترشيح وموافقة من مجلس صيانة الدستور.
كيف ومن هم خبراء المجلس الذين سيختارون المرشد الأعلى المقبل سيعتمد ذلك على الكثير من العوامل. وأحد هذه العوامل هو البنية الأيديولوجية للمجلس.
لقد جرت الانتخابات الأخيرة للمجلس في عام 2016. وفسر البعض النتيجة بأنها انتصار للمعتدلين، الذين ادعوا أنهم فازوا بنسبة 59 في المئة من المقاعد وأسقطوا أعضاء متشددين بارزين. لكن البعض أيضا رأوا ذلك انتصارا للراديكاليين، حيث اختار المجلس واحدا من أبرز المتشددين، وهو آية الله أحمد جنتي، رئيسا له ب 51 صوتا.
ونتيجة لذلك، يبدو أن المجلس ينقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسية، وهم البراغماتيين والمتشددين والمستقلين.و المجموعة المستقلة هي الأكثر أهمية لأن أصواتهاالمتأرجحة يمكن أن تغير النتيجة. وبالإضافة إلى ذلك، سيؤثر مختلف اللاعبين السياسيين على قرار المجلس، بما في ذلك فيلق الحرس الثوري الإسلامي، ومكتب آية الله خامنئي، ومختلف القادة المسلمين والحكومة.
فرصة للتغيير
لقد ذكر آية الله خامنئي أن خلفه يجب أن يكون ثوريا، وطلب من أعضاء مجلس الخبراء أن لا يكونوا “جبناء” في اختيار خلفا له. ومن المرجح أن يقوم مكتبه، الذي يمثل الدولة العميقة في إيران، أن يدعم المتشددين. ومن المرجح كذلك أن يدعم الزعماء الإسلاميون المتطرفون والحرس الثوري الإسلامي نفس المرشح.
ورغم ذلك، فالرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، والذي يعتبر أيضا زعيم مسلم كبير ويعتبر براغماتيا، هو أيضا لديه فرصة ليتم اختياره كقائد أعلى. وهذا الاحتمال سيكون أكبر من ذلك إذا ترك خامنئي منصبه أو توفي، في الوقت الذي لا يزال فيه روحاني رئيسا (تنتهي ولايته في عام 2020).
جدير بالذكر أن الرئيس روحاني، بصفته عضوا في مجلس الخبراء، يتمتع بسلطة أكبر للضغط والتأثير على عملية الاختيار. وكما أظهر مقطع فيديو تم تسريبه مؤخرا للدورة التي اختار فيها مجلس الخبراء خامنئي في عام 1989، فيمكن لمجموعة صغيرة من الأعضاء أن تمارس الكثير من السلطة في اختيار الزعيم. وروحاني هو الرجل الأقوى بين أعضاء المجلس الحاليين. وبصفته رئيسا للجمهورية، يمكنه أن يضم ويجبر الآخرين على ذلك، كما أن خلفيته البيروقراطية والأمنية والدينية يمكن أن تساعده على إقامة تحالفات مع مختلف مجموعات وكتل السلطة.
إنه الزعيم الإسلامي الأكثر خبرة واحتراما على الساحة الدولية، وهو الأقل أيديولوجية مقارنة بأعضاء المجلس الآخرين. وباعتباره براغماتيا، فإنه يحظى بدعم التكنوقراط والبيروقراطية الإيرانية. كما أنه يحظى بدعم القادة المسلمين التقليديين الذين يدعمون الفصل بين الدين والسياسة في معاهد التعليم.
وعلى الرغم من أن قادة الحرس الثوري الإيراني ينتمون أساسا إلى معسكر المتشددين، إلا أن الحرس الثوري الإيراني نفسه لا يعد كيانا متجانسا. وهناك عدد من البراغماتيين في المناصب العليا داخل الفيلق، بما في ذلك الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني. ويمتلك روحاني نفسه خبرة واسعة في الأجهزة العسكرية والأمنية الإيرانية. وكان نائبا لقائد هيئة الأركان المشتركة الايرانية وعضو مجلس الدفاع الأعلى ونائبا لقائد الحرب فى الثمانينيات. كما كان مستشارا للأمن القومى تحت قيادة الرئيس أكبر هاشمى رفسنجانى ومحمد خاتمى.
وعلى الرغم من أن الإيرانيين الذين يريدون أن يروا تجولا من الثيوقراطية إلى دولة ديمقراطية يعرفون أن روحاني لن يقوم بالدفع نحو مثل هذا التغيير الجذري، إلا أنهم يفضلون أن يرونه المرشد الأعلى على أن يروا شخص آخر متشدد في هذا المنصب.
وإذا كان يريد حقا منصب المرشد الأعلى، فسيتم تهميش المتشددين وسيتم تمكين التكنوقراط والقادة المسلمين غير السياسيين. وقد اعتمد روحاني نموذج معلمه رفسنجاني للتنمية في إيران، حيث يريد أن يرى هذا البلد يصبح “النسخة الإسلامية” للصين ذات قوة عسكرية واقتصادية قوية. ويريد إيران أن تكون دولة تعمل بشكل مستقل عن الغرب ولكن يكون لها علاقة جيدة معه.
يذكر أنه إذا تولى روحاني منصب المرشد الأعلى، فإنه لن يحقق تحررا سياسيا جذريا. ولكنه سيحسن من اقتصاد إيران ويوسع الحريات المدنية لعامة الشعب. كما أن روحاني كمرشد أعلى سيكون له أيضا سلطة التحكم في جهاز الأمن والحد من وحشيته. وهذه السياسات، التي من شأنها أن تحرك إيران نحو التطبيع والتحرر الاجتماعي والاقتصادي، ستكون موضع ترحيب من قبل الإيرانيين الذين لا يرغبون في رؤية تدخل أجنبي أو ثورة أخرى.
إن محاولة روحاني الوصول لمنصب المرشد الأعلى تواجه تحديات. وخلافا لخامنئي، الذي لم يكن لديه أي منافسين أقوياء في عام 1989، فلدى روحاني العديد من المنافسين ومن المرجح أن يواجه معارضة شرسة. ولكن إذا فاز، فمن الممكن أن تشهد إيران تحولا كبيرا.