أعلن وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، محمد عيسى، في منشور له على صفحته الرسمية على الفيسبوك، أن السلطات السعودية، أجلت رسميًا رفع أعداد الحجاج الجزائريين لهذه السنة، والتي كان من المُقرر رفعها من 36 ألفًا إلى 41 ألف حاج من الجزائر، على الرغم من اللقاء الذي جمع محمد عيسى، مع وزير الحج والعمرة السعودي، الدكتور محمد صالح، في الرابع من كانون الثاني / يناير 2018.
وذلك لوضع الترتيبات اللازمة لحج الجزائريين والذي شهد مودةً، وعُمقًا لمشاعر المحبة بين البلدين. بالإضافة إلى التطمينات التي تلقتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، مع ختام موسم حچ 2017، من قبل نظيرتها السُعودية، برفع أعداد الحُجاج الجزائريين بداية من 2018.
وذلك استنادًا إلى قاعدة ألف حاچ لكل مليون مواطن، وقد كان عدد السكان في الجزائر في الإحصاء القديم 36 مليون، ولكن بعد إجراء الجزائر إحصائها الجديد فقد وصلت أعداد الجزائريين إلى 41 مليون، وبالتالي رفع أعداد الحچيچ إلى 41 ألف حاچ، ولكن السعودية لم تلتفت لطلب الجزائر.
فلماذا هذا الرفض الغريب؟
أشار موقع قناة الجزائرية 1، أن الرفض السُعودي تأتى من سُلُوك انتقامي ردا على حادثة الراية -والتي تُعرف بقيام الجماهير الجزائرية في إحدى مباريات الدوري المحلي، جمعت بين ناديي عين مليلة، وغالي معسكر، في مدينة عين مليلة الواقعة شرقي الجزائر، برفع “تيفـو / لافتة ضخمة” حملت صورة وجه واحد منشطر إلى نصفين.
النصف الأول يحمل نصف وجه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والنصف الآخر يحمل نصف وجه ملك المملكة العربية السعودية، سلمان بن عبد العزيز، وبجوار الوجه صورة المسجد الأقصى، ودُون أسفلها وجهان لعملة واحدة- اشتط غضب النظام السُعودي على إثر هذا، وقدم الوزير الأول، أحمد أويحيى، اعتذارًا باسم الشعب الجزائري لرئيس مجلس الشورى السعودي، في آخر زيارة له إلى الجزائر، ولكن بدا أن السُعودية لم ترض بهذا الاعتذار، وقررت انتهاج إحدى دبلوماسياتها الحديثة وهي سياسة الرد والانتقام في نفس آن فعل الطرف الآخر. حسبما أكد مصدرٌ دبلوماسي في حديثه للموقع.
إيران ودعوى التدويل
في تقرير للجزيرة، وصفت موسم الحج بأنه “بارومتر” العلاقات بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية، ظل الحج مسألةً تشتعل بين الرياض وطهران، بصورة شبه دورية، وأصبحت لا تحمل في طياتها أي جانب تعبُدي، ولكنها كانت فناءً خلفيًا للصراع بين الدولتين، وساحةً لتصفية الحسابات بينهما لاسيما للجانب السُعودي بالأخص.
إيران هي صاحبة صحيفة وسجل الحالات الأكبر، في قضية الحج، وكما يذكر تقرير الـــ BBC، أنه ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، فلا يكاد يمر موسم للحج إلا ويشهد مناكفات من هذا القبيل.
عام 1986، اتُهم حُجاج إيرانيون، قدموا إلى المملكة عبر جدة، على متن طائرة إيرانية كانت تقل 110 حاج لأداء مناسك الحج، بمحاولة تخريب وتفجير الحرمين الشريفين والمشاعر المُقدسة، عندما أحبط موظفو الأمن والجمارك السعوديون محاولتهم تهريب 51 كيلوجرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار خبئوها في حقائبهم لاستخدامها، وهذا ما أُثير آنذاك، وقد أثبتت التحقيقات هذا الأمر، وأذاع التليفزيون السعودي اعترافاتهم، وأقروا بانتمائهم للنظام الإيراني، وحملهم هذه هذه المواد بأمر منه.
وفي عام 1987، شهدت مسيرة سُميت باسم “إعلان البراءة” -وإعلان البراءة هذا، عبارة عن مراسم دشنتها الثورة الإسلامية، في عهد الخميني، عبر تنظيم مسيرات ضخمة خلال تأدية المناسك، هدفها اقتفاء خُطى الرسول، وإعلان مواقف إسلامية ضد المشركين، حتى أن الخميني ذكر أن البُعد السياسي لشعيرة الحج، من أكثر الأبعاد المهجورة.
وكان الحُجاج الإيرانيون بدءً من عام 1981 يقومون بتنظيم مسيرات البراءة أثناء مراسم الحج، يهتفون بالموت فيها ضد إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية-، شهدت هذه المسيرة صدامات دامية ومميتة بين الحُجاج الإيرانيين، وقُوى الأمن السعودية، أسفرت عن سقوط المئات من القتلى والجرحى، قُدرت بأكثر من 400 قتيل غالبيتهم من الإيرانيين.
أعقب ذلك مقاطعة طهران مواسم الحج الثلاثة 1988، و1989، و1990، قبل أن يعود حجاجها إلى السعودية مرةً أخرى عام 1991، مع تقليل أعدادهم من 150 ألف حاج إلى 45 ألف فقط.
ورغم انقطاع الحج الإيراني عام 1989، إلا أنه في العاشر من تموز / يوليو، قد وقع انفجار مزدوج بجوار الحرم المكي، نتج عن الانفجارين وفاة شخص، وإصابة 16 آخرين، وألقت السلطات الأُمنية القبض على 20 حاجًا كويتيًا، اتضح خلال سير التحقيقات معهم تلقيهم تعليمات من محمد باقر المهري، عالم الدين ووكيل المرجعيات الشيعية في دولة الكويت، وتسلُمهم المواد المتفجرة عن طريق دبلوماسيين إيرانيين، في سفارة طهران في الكويت،أبرزهم، محمد رضا غلوم، وقد تمت محاكمتهم، وتنفيذ حكم الإعدام فيهم، في 21 أيلول / سبتمبر من نفس العام.
أيضًا حادثة التدافُع التي وقعت في مدينة منى، خلال موسم حج 2015، وقُتل على إثرها ما يزيد عن 2000 شخص حسبما أفاد تعداد وكالة أسوشيتيدبرس، بخلاف الرقم المُعلن من قبل المملكة العربية السعودية، كان لإيران نصيب الأسد في أعداد القتلى، فقُتل على إثر هذه الحادثة 464 حاج إيراني، ومن ثم قُطعت العلاقات بين البلدين تمامًا مطلع عام 2016.
موسم حج 2016، انقطع الحج الإيراني، وتغيب الحجاج الإيرانيون منذ أكثر من 30 عامًا، بعدما أصدرت منظمة الحج الإيرانية، مايو 2016، قُبيل دخول الموسم، بيانًا قالت فيه إن على السعودية إعلان آرائها بصراحة حول كيفية إصدار التأشيرات، وأسطول النقل الجوي للحجاج الإيرانيين، ومستوى الحماية الأمنية، حتى لا تتكرر مآسي العام الماضي.
ولكن تعذر الوُصول إلى اتفاق بين الطرفين، وكانت قد رمت إيران السُعودية بسوء تنظيمها لهذا المحفل، وفشلها في إدارة جموع الحجيج. وانتهى الأمر بقطع العلاقات بين البلدين. وذلك عقب إعدام المملكة السعودية، لرجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر، في مطلع يناير لعام 2016، فردت الجماهير الإيرانية باقتحام سفارة المملكة في العاصمة طهران، فاحتدت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين وقُطعت العلاقات.
هذه الأحداث دفعت إيران في سبتمبر 2015، لمواصلة دعواتها إلى “تدويل” الحرمين المقدسين في مكة والمدينة، وذلك عبر تصريح لنائب رئيس مجلس خبراء القيادة الإيرانية، محمود هاشمي شاهرودي، نقلته عنه وكالة “تسنيم” الإيرانية، والذي وجه بدوره انتقادات قاسية للسعودية.
وأكد على سوء الإدارة لأمور الحج، وفشل القائمين عليها، وضعفهم وعدم قدرتهم على تنظيم مناسك فريضة الحج، معتبرًا أن هذا الأمر ليس مستغربًا، لأن السعودية تنشر الفكر الوهابي، والتكفيري المقيت. على حد قوله، ومن يقُم بذلك لا يستطيع إدارة الحرمين، وطالب بـتولي إدارة إسلامية لائقة للحرمين الشريفين وشؤون الحج و العمرة بعيدًا عن يد السُلطات المحلية السعودية.
تجدد الأمر في حزيران / يونيو 2016، فقد كان هناك بيان مُطول لخامئني، نُشرت نسخته الأولى على موقعه الإلكتروني، وأطلقت عليه وكالة تسنيم الإيرانية “نداء إلى حجاج بيت الله الحرام”، شن عبره خامنئي هجومًا شديدًا على المملكة داعيًا العالم الإسلامي إلى التفكير في حل لإدارتها الحرمين الشريفين وقضية الحج.
مجموع هذه الأحداث، شكل لدى المملكة رؤيةً عامة حول ضجرها من الممارسات الإيرانية، واستغلالها موسم الحج في أغراض غير التي يجتمع عليها المسلمون، ووضع لدى المملكة اعتقادٌ جازم أن إيران تسعى لتصدير ثورتها التي أقامتها منذ عام 1979، وأنها تحاول إلباسها لدول الجوار، بما فيهم المملكة، موطن أهل السُنة والحديث.
فاستمرت العلاقة بينهما في هذا الإطار الخاص بالحج، وفي الوقت ذاته استغلت إيران العدد الهائل من الحجيج الذين سقطوا في حادثة تدافُع منى، لتشن منها غاراتها على المملكة في عدم قُدرتها على إدارة الحج، وأن المملكة تحذو سياسةً خاطئة في إدارة الحرمين، لتخرج منها برغبة لم تكُن لتنتاول مسبقًا قط، وهي قضية التدويل وإخراج السُلطات السُعودية من الإدارة.
ولكن في موسم الحج الماضي، عام 2017، بدا هُناك اتفاقًا بين البلدين، ولأول مرة، على تنحية السياسة عن موسم الحج، وإقامة الفصل بين النزاع السياسي المُحتد وبين شعيرة الحج، والعمل على وضع سياسة التفاهمات الجديدة كقاعدة يُبنى عليها احترام قُدسية الشعائر الدينية دون أي تجاذبات سياسية.
فقد عاد الحُجاج الإيرانيون مجددًا بعد انقطاع موسم 2016، وتم تسهيل منح تأشيرات الحج عبر شبكة الإنترنت، وذلك لعدم وجود قُنصلية سعودية لدى طهران تقوم بمنح التأشيرات، ووافقت الرياض على السماح للطيران الإيراني “إيران إير” بنقل الحجيج إلى السعودية، وسمحت الرياض كذلك لممثلين قُنصليين إيرانيين بالتواجد مؤقتا على أراضي المملكة لإدارة شؤون الحجاج الإيرانيين، وسُمح لأكثر من 86 ألف حاج إيراني لأداء الفريضة.
كما وافقت طهران على ارتداء الحجاج الإيرانيين لأساور إلكترونية، مصنعة محليًا، تحمل اسم ومعلومات عن الحاج لتسهيل التعرُف عليه في حال تعرضه لأي طارئ. ودعا المسؤولون الإيرانيون الحجاج إلى تجنب أي مجادلة مع رجال الأمن السعودي. واتفق الطرفان على تنظيم تظاهرات البراءة، داخل أماكن إقامة الحجيج الإيرانيين فقط، وليس في الأماكن العامة.