على مدار العقود الأربعة الماضية، شيطنت الولايات المتحدة وإيران بعضهما البعض دون نهاية. ووفقا لطهران، فأمريكا هي “الشيطان الأكبر” الذي زعزعت خططها الإمبريالية الشرق الأوسط ولم تجلب شيئا سوى البؤس لشعوب المنطقة. وفي الوقت نفسه، تصف واشنطن إيران بأنها “الدولة الراعية الرئيسية للارهاب” وعضو في “محور الشر” الذي تعتبر “يده الشيطانية” وراء كل صراع في المنطقة. ولكن في مكان ما على طول الطريق، تم القضاء على معرفة أمريكا وإيران عن بعضهم البعض من خلال الأساطير. “لا تعرف عدوك” أصبح شعارا. وهنا بعض الأساطير الأمريكية الشائعة حول إيران.
1- الاتفاق النووي لا يقوم سوى بتأخير قنبلة إيرانية حتمية
لقد كان هذا انتقادا مشتركا للاتفاق النووي الإيراني، أي خطة العمل الشاملة المشتركة. وقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون، “إن خطة العمل الشاملة لا تحقق هدف إيران غير النووية؛ إنها تؤخر فقط هدفهم فى أن يصبحوا دولة نووية”.
ويستند هذا الفهم الخاطئ إلى حقيقة أن بعض القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، أي القيود على عدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تمتلكها، والبحوث المتقدمة التي يمكن إجراءها وكمية اليورانيوم المخصب التي يمكن أن تختزنها، تنتهي صلاحيتها بعد من 10 إلى 15 سنة (كما هو الحال بالنسبة لمعظم معاهدات الحد من الأسلحة). ورغم ذلك، فأهم جوانب الاتفاق، وهي نظام التفتيش التدخلي وآليات الشفافية والتحقق، مستمرين. ومن المتوقع ان تلتزم ايران إلى أجل غير مسمى بالبروتوكول الإضافى لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1970، وأن هذه العمليات هى أقوى الضمانات الممكنة لجعل القنبلة النووية الإيرانية أمرا مستحيلا.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك فرصة واحدة. يجب على إيران أن تمتثل للاتفاق حتى النهاية ما دامت الولايات المتحدة تمتثل له حتى نهايته. واذا انتهكت واشنطن الاتفاق أو “أنهته”، كما تعهد ترامب بالقيام بذلك مرة اخرى يوم الجمعة، فستضيع القيود المفروضة على البرنامج النووى الايرانى.
2- القضاء على الاتفاق سيساعد على دعم المتظاهرين الإيرانيين.
وفقا لبعض الحسابات، سيكون التخلي عن الميثاق أفضل طريقة لدعم مطالب المتظاهرين الذين كانوا يحتجون في جميع أنحاء إيران هذا الشهر. وكتب فريد فليتز، مسؤول الأمني القومي في إدارة جورج دبليو بوش، “لقد شجع الاتفاق الملالي الحاكمين في إيران على مواصلة العزلة الدولية للبلاد، حيث تنفق طهران مليارات الدولارات على الأنشطة القتالية المكلفة، وهذه هي الأموال التي أتيحت لها من خلال تخفيف العقوبات، والتي كان يمكن أن تنفق على تعزيز الاقتصاد المدني”.
يذكر أنه صحيح أن الاحتجاجات كانت مدفوعة بالمظالم الاقتصادية، وأن الإيرانيين، وخاصة الفقراء العاملين، قد أحبطوا لأن تخفيف العقوبات لم يحسن من حالة الاقتصاد. ولكن التخلص من الاتفاق وإعادة فرض عقوبات اقتصادية واسعة لن يؤدي سوى إلى معاقبة الشعب الإيراني.
إن تعزيز اندماج إيران في الاقتصاد العالمي يعد طريقة أفضل لتمكين الطبقات العاملة والمتوسطة في إيران، وتوجيه ضربة قاصمة ضد القوى الرجعية داخل النظام الذي يعد مصدره الرئيسي للسلطة هو قبضته الخانقة على الاقتصاد. والحقيقة، تظهر العديد من الاستطلاعات أن الإيرانيين يؤيدون بشكل كبير الاتفاق النووي على وجه التحديد لأنهم مستميتون نحو التملص من عزلة إيران وإعادة التواصل مع العالم الخارجي.
إن أولئك الذين يرغبون في رؤية انهيار الاتفاق النووي في إيران هم العناصر المتشددة جدا التي يجب على الولايات المتحدة ألا تساعدها.
3- الحركة الخضراء الإيرانية كانت فشلا
بشكل عملي قد كان كل تعليق على المظاهرات الأخيرة يقارنها مع احتجاجات عام 2009، وكثيرا ما يشار إلى أن الحركة الخضراء، رغم بسالتها، إلا أنها فشلت. وكان مثالا لذلك هو مقال نائب الرئيس بينس في صحيفة واشنطن بوست، حيث قال “الثورة الخضراء تم اخمادها بلا رحمة، والصمت المميت في شوارع إيران يشبه الصمت المطبق من البيت الأبيض”.
وقامت الحكومة الدينية الإيرانية بالفعل بقمع هذه الاحتجاجات، ووضعت قادة الحركة الخضراء تحت الإقامة الجبرية. ولم يتم الوفاء بالمطالب الفورية للحركة، حيث لم يتم التعامل مع الاتهامات بتزوير أصوات الناخبين بشكل صحيح، ولم يتم الإفراج عن السجناء السياسيين، وواصل محمود أحمدي نجاد في الخدمة كرئيس أربع سنوات أخرى.
ولكن حصل عناصر الحركة الخضراء على بعض الانتقام في عام 2013 من خلال انتخاب حسن روحاني. وبدون دعم الناخبين من أتباع الحركة، كان يمكن لروحاني، الذي يفتقر إلى قاعدة سياسية واضحة، أن لا يفوز بالرئاسة. وفي عام 2017، اجتاح الإصلاحيون جميع المقاعد تقريبا في انتخابات مجالس المدن في أكبر المدن الإيرانية. وفي مدينة مشهد المحافظة، عملت امرأة على برنامج معارض لسلطة الرجال. وكان شعارها “انتخابوا المزيد من النساء!” وفازت.
4- عداوة إيران مع إسرائيل عقائدية وغير قابلة للتغيير
يأكد المعلق السياسي الإسرائيلي ألوف بن أن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية عبارة عن “صراع إيديولوجي شامل”. ويضيف “أن التاريخ يعلم أن مثل هذه الصراعات لا تنتهي سوى عند ضرب أحد الطرفين ضربة قاضية”.
وكثيرا ما يصور القادة الإيرانيون الصدام على أنه أيديولوجي، مما يمكنهم من أن يظهروا أبطالا للفلسطينيين والمدافعين عن الإسلام ضد الغرب. وفي الواقع، برغم ذلك، فالصراع تحركه عوامل جيوسياسية.
وتاريخيا، تتمتع إيران وإسرائيل بعلاقات قوية نشأت بسبب التهديدات المشتركة التي واجهتهما، وذلك من الاتحاد السوفياتي ومن الدول العربية القوية مثل مصر والعراق. وعلى الرغم من أن القادة الإيرانيين انقلبوا ضد إسرائيل بشكل متكلف مع نشأة ثيوقراطية إيران في عام 1979، فالواقع الاستراتيجي لم يتغير، وواصلت الدولتان التعاون وراء الكواليس. وفي الحقيقة، كما وصف بالتفصيل في كتاب “التحالف الغادر”، قامت إسرائيل بالضغط على واشنطن للتحدث مع إيران، وبيع الأسلحة لإيران (تذكرون فضيحة إيران-كونترا؟)، وتجاهل خطاب إيران المناهض للغرب.
ولكن تصاعد التوتر في عام 1991 بسبب صدمتين جيوسياسيتين، وهما انهيار الاتحاد السوفيتي وهزيمة عراق الصدام حسين في حرب الخليج الفارسي. وتبخرت التهديدات المشتركة التي قد جلبت إسرائيل وإيران معا. وفي النضال من أجل تحديد توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط، لم تعد إيران وإسرائيل حلفاء بل متنافسين. ولم يحل بعد هذا الصراع.
5- الإيرانيون يكرهون الأميركيين
قال السناتور توم كوتن “عندما يردد شخص ما قائلا، “نعم، بالتأكيد، الموت لأمريكا”، فعلينا أن نصدقه”، مشيرا إلى آية الله علي خامنئي. ولكن في حين أن عداء الحكومة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة (والعكس صحيح) لا لبس فيه، فالجماهير الإيرانية تميل إلى إبداء آراء إيجابية حول الشعب الأمريكي والثقافة والقيم. لقد أصبحت فكرة مبتذلة تقريبا بالنسبة للمسافرين الأميركيين أن يعربوا عن دهشتهم تجاه الضيافة الرائعة للإيرانيين تجاه الغربيين عموما والأمريكيين على وجه الخصوص.
جدير بالذكر أنه على الرغم من ذلك، فالإعجاب والفضول والود لا يمتد عادة إلى سياسات الحكومة الأمريكية. وبداية من الدعم الأمريكي للمملكة العربية السعودية إلى حظر الرئيس ترامب دخول المسافرين من بعض الدول الإسلامية، لا تميل السياسات الأمريكية إلى الحصول على درجة قبول عالية من الموافقة من قبل الشعب الإيراني. ولكن كما يقوم الإيرانيون بعمل فرق بينهم وبين حكومتهم، فإنهم يقومون بالشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بأمريكا والأميركيين.