بعد فترة وجيزة من عيد الميلاد، نظم المعارضون المحافظون للرئيس الإصلاحي الإيراني، حسن روحاني، مظاهرة صغيرة في مدينة مشهد. وسرعان ما خرجت الاحتجاجات عن نطاق السيطرة، وانتشرت في جميع أنحاء البلاد. وينبغي أن لا يتفاجأ أحد بهذا العرض من الاستياء الشديد والغضب، حيث هناك مزيج من الفقر والبطالة يختلط بشكل كبير مع القدرة على أن تكون متصلا بالعالم الخارجي بفضل الفضائيات وسائل الاعلام الاجتماعية.
وبالنسبة للعديد من النقاد الخارجيين للجمهورية الإسلامية، قدمت هذه الاحتجاجات لمحة عن إمكانية تغيير النظام في إيران، حيث تم استقبال تلك الاحتجاجات بكل سرور. وقام زعيم العالم الحر بتوجيه تغريداته عبر تويتر وتسابقت مجموعات المعارضة الغامضة لتسجيل رسائل من خلال يوتوب.
وفي شوارع إيران، تصاعدت الهتافات المناهضة للحكومة “الموت لارتفاع الأسعار” إلى شعارات مناهضة للنظام مثل “الموت للملالي”. وفي حين أن هذه الهتافات صنعت طريقهم إلى نشرات الأخبار العالمية، إلا أن المزيد من هتافات كراهية الأجانب مثل “نحن آريان، ولن نسجد للعرب” حصلت على وقت أقل للنشر. والإيرانيون مستخدمون نشطون لوسائل الإعلام الاجتماعية (هناك 20-30 مليون لديهم هواتف ذكية) لذلك ليس من المستغرب انتشار صور ولقطات فيديو من المظاهرات وحالة الشغب المرتبطة بها.
وبين المراقبين الأقل تحيزا وبعض الأشخاص غير العلميين، كانت وجهة النظر السائدة هي أن البلاد ليست على حافة الهاوية. ولا يعتقد أحد أن هذه الثورة، التي يقوم بها السكان المهمشون والفقراء الذين يوجد معظمهم في المدن الإقليمية، موجهة من الخارج، وهو شيء يدعيه كلا من المعارضة والنظام.
ومن المؤكد أنه قد حدث تفكك خطير في المشهد السياسي، حيث تم تخطي تاريخ الجمهورية البالغ 39 عاما. وفي إيران يعاني النضال السياسي دائما من الصراع حول السياسة الثقافية التي لا تزال أساسية للسيطرة الاجتماعية. وتقلق الدولة نفسها بمثل بنوعية الملابس حيث ضيق الجينز والتغطية المضبوطة التي توفرها أوشحة الرأس.
وورث روحاني (السياسي الإصلاحي المعتدل والنشط) عجز الاقتصاد من سلفه المحافظ الشعبي محمود أحمدي نجاد، حيث كان يقدر معدل التضخم بنسبة 40٪، وانخفاض قيمة العملة، وارتفاع معدل البطالة. ويهيمن على الاقتصاد الإيراني الفساد والمحسوبية والافتقار إلى الشفافية في التحقق من الأعمال الإجرامية.
وعلى حد قوله، قام روحاني، في نهاية فترة ولايته الأولى، بتخفيض التضخم إلى أقل من 10٪، وقد حقق السلام مع العالم بالتوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، المتمثلة في الاتفاق النووي. وقد حاول في ولايته الثانية معالجة المشاكل الهيكلية في الاقتصاد، وتحديد ميزان المدفوعات وتقليص القطاع العام الضخم، الذي يمثل أكثر من 30٪ من حجم الاقتصاد. وعلى الصعيد الثقافي، تمكن روحاني من الحد من تدخلات الدولة في حياة الناس الخاصة، والحد بشكل كبير من عدد عمليات الإعدام المخصصة لجرائم الإتجار بالمخدرات.
يذكر أن روحاني قد حاول تخفيض الإعانات أو إزالتها، وكان لديه خطط للناس للتسجيل لأخذ الاستحقاقات بدلا من الحصول عليها تلقائيا. وتؤثر هذه التدابير تأثيرا مباشرا على نحو 30 مليون نسمة، بمن فيهم أفقر الناس في المجتمع، في حين أن محاولته لتحقيق التوازن في الميزانية مع سياسة ضريبية أكثر صرامة جعلت له أعداءا واضحين، خاصة بين الشركات التي تملكها وتديرها المؤسسات الدينية.
جدير بالذكر أن الميزانية، التي تم إقرارها في 16 ديسمبر، وحدت أعدائه المحافظين. إن المؤسسات والمنشآت التجارية الأخرى، التي تعود جذورها إلى السنوات الأولى من الثورة، هي اليوم إقطاعات للشخصيات الدينية والعسكرية القوية. إنها تكلف الدولة الملايين، حيث أنهم لا يدفعون أية ضرائب ولا توجد محاسبة سلمية. وكان روحاني لديه الجرأة لنشر التكلفة بالضبط.
وفي عام 1978، لم تكن الشرارة التي أدت إلى سقوط نظام بهلوي ذو أهمية أيضا، حيث كانت عبارة عن مقالا واحدا يهاجم آية الله الخميني المقيم في المنفى، ثم شخصية غامضة. غير أن هناك اختلافات رئيسية بين السياق السياسي لعام 1978 وعصرنا.
وكان الشاه طاغية من طراز قديم مع الكثير من القواسم المشتركة مع العائلة المالكة السعودية اليوم. إنه لم يكن زعيم دولة الحزب الواحد فحسب، بعد أن أمر بإلغاء جميع الأحزاب السياسية، انه كان بمثابة الرئيس إيديولوجي والحاكم اليومي. إنه كان الدولة، وجسد السلطة. والمشهد السياسي الإيراني الصاخب والفوضوي اليوم لا يشبه صمت القطب الشمالي الذي سبق ثورة 1979.
إن الفصائل التي تمثل مجموعات المصالح التي تصنف على نطاق واسع بأنها إصلاحية ومحافظة، تضم في الواقع فصائل داخل فصائل، ومع وجود عدد كبير من الجماعات المتداخلة والمتنافسة دائما. قد تبدو الجمهورية الإسلامية هشة ومقسمة من الخارج لكنها نجحت في الانتقال من الثورة إلى المؤسسة وقاتلت صدام حسين وقاومت الضغوط الأمريكية المكثفة لعقود من الزمن.
لقد صدمت فكرة احتجاجات الشوارع نظام بهلوي الذي كان يتعامل بوحشية. وقد اعتادت الجمهورية الاسلامية على مظاهرات الشوارع اليومية منذ عقود. وفي الآونة الأخيرة، وخاصة بعد قمع الحركة الخضراء في عام 2009، قد اكتسبت الدولة أحدث أساليب السيطرة على الحشود.
إن الصراع الذي نشر عنه بشكل ضعيف، رغم أنه ربما أكثر أهمية في إيران، هو الصراع الذي فرضه الرئيس ضد المحافظين، وتم تدعمه على الأقل من قبل بعض عناصر الحرس الثوري الإسلامي. إن أولئك الذين بدأوا المظاهرات الأصلية المناهضة للحكومة يحاولون استيعاب الكثير من الطاقة التي أطلقتها، ويتحلون بالشجاعة التي بالكاد تسيطر عليهم. ونشر الذراع الإعلامية للحرس الثوري يوم الخميس مجموعة من المظالم الحقيقية على أبارات، وهو النسخة الإيرانية من يوتيب ، في حين ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن حسابات الإصلاحيين من أعضاء الحكومة الإصلاحية الرائدين على وسائل التواصل الاجتماعية تم اختراقاها أيضا من قبل الجماعات التي على صلة بالحراس.
وأيا كانت مشاحناتهم، فكلا الفصيلين السياسيين يعترفان بتظلمات رغم الهجوم وحدة أساليبهما. وكلاهما يحاول معرفة كيفية الاستفادة من المظاهرات لتعزيز قضيتهم. وتعتمد قدرة الحكومة الإصلاحية على تنفيذ خطتها الاقتصادية على قدرتها على توفير المزيد من الحرية الاجتماعية في نطاق الطبقة الوسطى التي تتوق لهذه الحرية، بينما مطالبة المحافظين إنقاذ أنصارهم، من داعمي التحرر الأقل حظا، من الجوع لا يخلو من الوجاهة. إن إيران بلد مباركة بضعف الثروات، ويجب أن تكون قادرة على تقديم كل من الخبز والسيرك. إن بقاء الجمهورية يعتمد عليها.