لا شك أن الاحتجاجات الإيرانية لها محفزات سياسية داخلية تتمثل في تيارات معارضة للنظام الإيراني، والمتمثلة في الأقليات العرقية وأصحاب الأفكار الليبرالية والعلمانية و الأحواز والبلوش والأكراد.
ودخلت المظاهرات الإيرانية يومها السابع، الأربعاء، ومع تواصل الاحتجاجات التي عمت مختلف المدن الإيرانية، ارتفع سقف المطالب، وتزايدت حصيلة القتلى الذين بلغ عددهم 22 قتيلاً بحسب أرقام رسمية.
نستعرض في هذا التقرير خريطة المعارضة الإيرانية
الأقليات العرقية
في إيران عدد من الأقليات العرقية التي تشكل نصف سكانها فيما يمثل العنصر الفارسي النصف الآخر، غير أن الأخير يسيطر على القرار السياسي والثروات الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي يخلق لدى أغلب هذه القوميات حالة من الحنق والاستياء تدفع بعضها إلى التمرد وتشكيل تنظيمات وجماعات مسلحة ترفع بعض المطالب.
ولا توجد إحصاءات دقيقة حول العرقيات في إيران، غير أن جميع العرقيات باستثناء الفرس الموجودين في قلب إيران، تمثل قوميات لها امتداد خارجي وتنتشر في المناطق الحدودية.
وينتشر الأكراد ومعظمهم سنّة في الشمال الغربي من إيران ولهم امتداد في تركيا والعراق وسوريا وما زال يراودهم حلم الاستقلال، وهم يشكون من إجبارهم على تعليم الفارسية والتخلي عن لغتهم القومية وعدم تعيينهم في المناصب الحكومية.
وينتشر البلوش في المناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان وهم سنّة ونسب التعليم في أوساطهم متدنية للغاية ويشعرون بالاضطهاد، بسبب ما يرون أنه محاولة لتذويب هويتهم وحرمانهم من ثقافتهم واستخدام لغتهم الخاصة.
ولجأ العديد منهم إلى تبني المقاومة المسلحة التي يقودها حالياً جيش العدل، ومطالبهم تتلخص في إقامة فيدرالية، ودخلوا في صراع شديد مع النظام الإيراني، وتعرض كثيرون من قادتهم للإعدام والاعتقال.
الأحواز
وتواجه السلطة الإيرانية اعتراضاً في منطقة الأحواز (الأهواز) العربية. ورغم أن أغلبية عرب الأحواز من الشيعة فإنهم يشكون من الاضطهاد. وتتضارب الإحصاءات حول أعداد عرب الأحواز، فبعضها يشير إلى أنهم بين 9 و12 مليوناً فيما تقول إحصاءات إيرانية أن نسبتهم لا تتجاوز 2 أو 3% من حاملي الجنسية الإيرانية.
وتكمن أهمية إقليم الأحواز، أنه يضم معظم ثروات إيران، فـ87% من إنتاج النفط الإيراني، و90% من الغاز الإيراني موجود في الأحواز، كما أن نصف المخزون المائي لإيران في تلك المنطقة التي تمر فيها 5 أنهار، واستقلالها عن إيران يجعل الأخيرة دولة بلا مقدرات مالية تقريباً.
ووجه رموز المعارضة الأحوازية مناشدات كثيرة للقادة العرب وطالبوا بطرح قضيتهم على الجامعة العربية التي لم تستجب لهم حتى الآن.
الأذريون
من جهتهم، قام الأذريون بعدة انتفاضات ضد النظام، آخرها انتفاضة كبيرة في عام 2015، بسبب استخدامهم كمادة للتنكيت والسخرية. ورغم أن معظم الاذريين شيعة وأعدادهم في إيران تفوق أعدادهم في أذربيجان نفسها، فإن النظام الإيراني قابل انتفاضتهم بقمع شديد، وهم لا يطلبون الانفصال بل بضمان حقوقهم وحماية هويتهم ومنع التمييز ضدهم.
الإصلاحيون
هم مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية الإيرانية التي تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم الإيرانية، وتتبنى التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان وفق الرؤية الغربية، مع اختلاف في الكثير من التفاصيل.
تعود جذور التيار الإصلاحي إلى بدايات الثورة الإيرانية عام 1979؛ فالعديد من مكوناته كانت تمثِّل اليسار الإيراني في بدايات الثورة، وكانت تتبع في معظمها التوجهات اليسارية والاشتراكية طبقا للجوِّ العام الذي كان سائدا بين الثوريين في العالم في ذلك الحين.
و يعود وجود هذه المجموعات في أجهزة الحكم الإيرانية إلى بدايات الثورة؛ حيث تولى أحد المحسوبين عليها وهو أبو الحسن بني صدر صاحب التوجه الاشتراكي الديمقراطي السلطة بعد الثورة، وكان أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد اندلاع ثورة 1979، واصطدمت توجهاته الليبرالية مع التوجهات الدينية لآيات الله الذين قادوا الثورة، وحاول التعايش معهم على مدى 17 شهرا تولى فيها منصب رئيس الجمهورية، لكن محاولاته باءت بالفشل.
وكانت الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت عام 1980 بداية النهاية لفترة حكمه القصيرة، حيث اتهم فيها بالخيانة وتعطيل المجهود الحربي، وأصدر مرشد الثورة الإسلامية آية الله الخميني قرارا بعزله، وأصبحت حياته مهددة في الأيام القليلة التي تلت ذلك، فاختفى عن الأنظار، إلى أن استطاع الهرب إلى منفاه الاختياري في فرنسا.
وتنقسم المجموعات الإصلاحية إلى أطياف ومجموعات عديدة، وتتفاوت في نظرتها للكثير من التفاصيل المتعلقة بالمنظومة الإيرانية الحاكمة دينيا وسياسيا، وسبل تحقيق أهدافها ومبادئها.
وتنقسم هذه المجموعات إلى عدة أقسام ومجموعات، حسب ما تذكره الباحثة في الشؤون الإيرانية فاطمة الصمادي في كتابها التيارات السياسية في إيران، ومن أهمها:
الإصلاحيون المعتدلون: شكلت هذه المجموعة في ثمانينيات القرن العشرين ظلا للفصائل السياسية اليمينية واليسارية، وكانت تدعي أنها مجموعة نشطة محورها رفسنجاني، وقام هذا الطيف في سنة 1995 بتأسيس حزب “كاركزاران” (الكوادر) في عهد حكومة رفسنجاني.
ويرى هذا الفصيل في فكره السياسي ضرورة الحكم الدستوري، ودور النخبة في صنع القرار، أما من حيث القاعدة الاجتماعية فإنه ينتمي للطبقة الوسطى، ويدافع عن الرأسمالية والخصخصة، وتقوم إستراتيجيته على السلام في الداخل ورفض التوتر مع الخارج، وهذا الطيف في حقيقته هو خليط من الفكر الليبرالي والبراغماتي، ويتبع نهجا يزاوج بين الليبرالية والعلمانية، ويدافع عن نموذج الاقتصاد العالمي الحر، وفي القضايا الاجتماعية والثقافية ويدعو إلى التسامح، ويحمل فكرا سياسيا خارجيا يقوم على رؤية معتدلة وواقعية وتغليب المصلحة.
الإصلاحيون الراديكاليون: تعود جذور هذا الطيف إلى ثمانينيات القرن العشرين، وكان طيفا يساريا تقليديا تحول في التسعينيات إلى تجمع للمثقفين السياسيين، وفكره السياسي لا يخرج عن المطالبة بالجمهورية.
أما في ما يتعلق بالنقاش حول الولاية، فإن أعضاءه لا يرون أنها نوع من الرقابة، ويدعون إلى نوع من العلمانية التي تعني شكلا من استقلال المؤسسات، وهم قريبون إلى الفكر الحداثي، في حين تتكون قاعدتهم من المثقفين والأكاديميين، وتقوم إستراتيجيتهم السياسية على المناداة بالديمقراطية في الداخل ونزع فتيل التوتر مع الخارج، وظهرت تلك الإستراتيجية بشكل واضح في الملف النووي.
الإصلاحيون المعارضون: يضم هذا الطيف فئات إصلاحية واسعة مارست سلوكا واتخذت مواقف معارضة، ويمتد ليشمل القوميين المتدينين من اليمينيين واليساريين، كما يضم أيضا دعاة الدستورية الليبرالية، ويتبع أنصار هذا الطيف اجتماعيا الطبقة الوسطى، ويميلون في نمط حياتهم إلى الحضارة الغربية، ولهم حضور كبير في المراكز الصناعية والاقتصادية والقطاع الخاص.
وتقوم إستراتيجيتهم السياسية على مساعدة المجتمع الدولي لدفع النظام السياسي إلى إجراء تغيير سياسي عميق، ويؤمنون بأن النظام العالمي الجديد قادر على قبول الديمقراطية من قبل إيران، ويسعون لمجموعة من الإصلاحات الهيكلية وإن كانت شعارات هذا الطيف تركز أساسا على التنمية السياسية، ويعتقد بأن دستور إيران وصل طريقا مسدودا، ولم يعد مفيدا، ولا بد من تغييره.