في الأسبوع الماضي نشرت، مستشار الأمن القومي السابق بإدارة أوباما سوزان رايس،مقالة افتتاحية في صحيفة نيويورك تايمز تركز على اقتراح سياسة ترامب الخارجية “أمريكا أولا”، التي قد تخلت عن السلطة الأخلاق للأمة في هذه الأوقات العصيبة “. ووفقا لرايس، ابتعد ترامب عن انتهاز “فرص توسيع رقعة الازدهار والحرية والأمن “في جميع أنحاء العالم.
ولكن عند مواجهة الاحتجاجات في إيران، كان ترامب، وليس أوباما، هو من اتبع النهج المتشدد لدعم الحرية.
يذكر أنه في الأيام القليلة الماضية، خرج آلاف الإيرانيين في مسيرات ضد النظام الإرهابي في طهران. وحتى كتابة هذه السطور، قتل 12 من هؤلاء الإيرانيين على يد الحرس الثوري في البلاد. وقد غرد ترامب معبرا عن دعمه للمتظاهرين، وتحدث في صالحهم، وأوضح أنه كان يحب أن يراهم يسقطون النظام نفسه.
وكان سلوك ترامب على النقيض من سلوك إدارة أوباما، الذي تجاهل عمدا الاحتجاجات المناهضة للنظام في عام 2009، واختار بدلا من ذلك المحاباة للنظام وتعظيم قوة طهران الإقليمية. وذهبت الإدارة حتى إلى أبعد من ذلك بإعطاء طهران مسارا قانونيا لسلاح نووي. وقال أوباما إنه بينما كان “منزعجا” من أعمال العنف ضد المتظاهرين، كان الأمر ” عائد للإيرانيين بشأن اتخاذ قرارات حول من سيكون قادة إيران”، معربا عن أمله في “تجنب أن تكون الولايات المتحدة سبب مشكلة داخل إيران”.
وقد تتجه الإدارة لتسريب مزعوم لخطط إسرائيلية تتعلق بقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، إلى الإيرانيين، والكذب على الجمهور الأمريكي حول الاتصال بالنظام الإيراني “المعتدل” فيما يتعلق بالاتفاق النووي، ومن ثم شحن الأموال لأكبر دولة راعية للإرهاب على هذا الكوكب.
إذن فما الذي يتعين على أعضاء إدارة أوباما قوله عن أحدث الاحتجاجات الإيرانية؟ إنهم يقدمون مزيجا من الادعاء المتعمد والمراجعة التاريخية الصادمة. وغرد بن رودس، المعلم الروحي السابق للأمن القومي في إدارة أوباما قائلا، “إن الشعب الإيراني يطالب بحقه في الحصول على الكرامة ونسبة فساد أقل وفرصة أكبر وقدرة أكبر على التكم في حياتهم.
وفي نظرة على تويتر الأمريكي، يبدو أن هناك تخبط كثير جدا حول أن الأمر يتعلق بما يريده الإيرانيون لإيران وليس بنا”. ويبدو أنه تجنب الجزء التاريخي الذي قام فيه شخصيا بتعزيز النظام الذي يحتج عليه الشعب الإيراني. وظهرت رايس في صفحات صحيفة “نيويورك تايمز” مرة أخرى، وهذه المرة لتقول لترامب “كن هادئا”، لأن التحلي بالهدوء في المرة السابقة كان ناجحا جدا حيث أطلق النظام الإيراني النار علنا على المعارضين في الشوارع دون رد فعل خطير.
جدير بالذكر أن هذا هو مصدر السخرية من سياسة ترامب الخارجية المناقضة لسياسة أوباما، حيث كان أوباما يهاجم بشكل لا نهائي فيما يتعلق بالقيادة الأمريكية بينما في الوقت نفسه “يقود من الخلف”. وفي الواقع يتعقلب ترامب القيادة الأمريكية وفي الوقت نفسه يدعي عباءة “أمريكا أولا” الانعزالية.
وكل ذلك يثير تساؤلا، وهو ما الذي تعنيه ممارسة القيادة الأمريكية؟ هل تعني السعي إلى بناء التحالف قبل كل شيء، أم تعني الذهاب بمفردها؟ وهل يعني ذلك اتخاذ مواقف متشدد يقدم مصالح أمريكا أو يدمج تلك المصالح في المصلحة العالمية الكبرى؟
يذكر أنه ربما لا توجد قيادة أمريكية على الإطلاق. هل من الممكن أن تكون الدول لا تتبع أمريكا من باب الولاء لأولوياتها، ولكن من باب حساباتهم السياسية الخاصة؟ هل من الممكن أن تكون أمريكا أكبر كلب في الغرفة، وأن تكون الدول تقوم بحساب ما إذا كانت ستتبع أمريكا في المخاطر الخاصة بهم أم لا؟ هل من الممكن أن تكون إحدى الطرق للسيطرة على السياسة الخارجية لأمريكا هي إعادة تعريف “المبادئ العالمية” مثل الحرية حتى لا يمكن التعرف عليها، ثم إقناع القادة الأمريكيين بقبول مثل هذه الانحرافات كأهداف محددة للسياسة الأمريكية؟
وكان ذلك هو الإغواء الذي سقطت فيه إدارة أوباما فريسة. إن أوباما ومساعديه يعتبروا دعاة نسبية افتراضية من الصميم، لكنهم ينصحون بالأخلاق العالمية في السياسة الخارجية. فكيف قاموا إذا بتعريف تلك المسلمات؟ وبالإشارة إلى توافق الآراء الأوروبية. كان على الأمريكيين أن يكونوا أدوات لأخلاق أوروبية محددة. ولكي يأخذوا هذه الأخلاق في الاعتبار، فهم يؤيدون الإجماع الدولي الجديد.
وكانت النتيجة قابلة للتنبؤ تماما، حيث تراكمت الجثث في شوارع طهران والموصل والرقة وبيروت والقدس، حتى مع وعظ إدارة أوباما بتفوقها الأخلاقي.
وحذر جورج واشنطن من هذه الظاهرة فقط. وتوقع الوقت الذي ستقود فيه أمريكا العالم في المستقبل. وقال إن الخطر قد يكمن في لعبة “القيادة الدولية” وفكرة أن “المبادئ العالمية” التى تحددها أوربا يجب أن تحكم سياسة الأمريكان الخارجية وليس مصالحهم الخاصة. إن هذه المصالح الخاصة، كما تعتقد واشنطن، غالبا ما تخدم تلك المبادئ العالمية في الخارج، ولكن ليس دائما. والسماح للدول الأخرى بإعادة تعريف الحرية نفسها قبل جعلها ركيزة أساسية من ركائز سياستهم الخارجية سيكون كارثيا. ولهذا السبب حذر واشنطن في خطابه الوداعي من أن الولايات المتحدة لا يجب أن تصعب عملية السلام والفوز بشبكة الطموح والتنافس والمصلحة والفكاهة والنزوة الأوروبية “.
إن القيادة الأميركية لا تعني بناء تحالف أو التفرد، بصفتها. وهذا يعني السعي إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، التي ستكون أخلاقية أكثر من غيرها من الدول وذلك لأنها قائمة على أساس العقيدة الأخلاقية.
ويبدو أن إدارة ترامب قد توصلت إلى هذا الاستنتاج الصحيح من الاتجاه الخاطئ. وقام ترامب بحملته على أساس خطط انعزالية دائما، وذلك تقليد لأسوأ تجاوزات رون بول. ولكن نظرا لأنه يعتبر نفسه فاعلا أخلاقيا في العالم، فقد اتبعت سياسته الخارجية نظام المدين الأساسي الذي وضعته واشنطن، حيث إقامة التحالفات كلما أمكن، ولكن باتباع مصالح أمريكا قبل كل شيء. وهذا هو السبب في أن المتظاهرين الإيرانيين لديهم الآن حليف بدلا من عدو في البيت الأبيض. وهذا هو السبب في أن السياسة الخارجية الأمريكية تعد أخلاقية أكثر تحت إدارة ترامب مما كانت عليه في عهد أوباما.