إن أكبر عرض عام للسخط في إيران منذ الحركة الخضراء في عام 2009 قد أدى إلى سلسلة من التغريدات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصد من الحكومة الإيرانية، ومشهد ربما كان لا يمكن تصوره قبل عقد من الزمان، حيث يتحدى المتظاهرون حكم المرشد الأعلى آية الله خامنئي.
وتحدثت شبكة سي إن إن مع عدد من الخبراء بشأن الاضطرابات المستمرة في جمهورية إيران الإسلامية.
لماذا تحدث هذه الاضطرابات؟
تعتبر الاحتجاجات التى بدأت ليلة الخميس رد فعل على الاقتصاد المتوقف والفساد المتفشى وارتفاع اسعار الوقود والغذاء. لكن هناك شيء يلعب دورا أكبر.
ويقول الخبراء إن الإيرانيين غاضبون لأنهم توقعوا أن تتحسن الحياة بعد رفع العقوبات الصارمة بعد التوصل إلى اتفاق في عام 2015 بين مجموعة 5 + 1 وإيران بشأن برنامجها النووي. ومجموعة 5 + 1 هم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا.
وفي حين تم إزالة القيود المفروضة على قطاعات المالية والطاقة والنقل، لم يتم إزالة مئات الكيانات الإيرانية من القوائم السوداء. واتجهت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة على الانتهاكات الأخرى، بما في ذلك إطلاق صاروخ في الصيف الماضي.
ويرى تريتا بارسي، رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، وغيره من الخبراء أن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد ترك المواطنين الإيرانيين في حالة من خيبة الظن.
وأضاف بارسي أن السياسات الحكومية قد أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم. وهناك نقص في الاستثمار الدولي القوي والثابت.
وقال بارسى “إن الاتفاق النووى يحظى بتأييد كبير من الرأي العام الإيرانى، ولكن كان هناك توقع بأن ينتج عنه الكثير من التنمية الاقتصادية”.
هل هذا الاضطرابات تتعلق فقط بأسعار الخبز والغاز؟
وقال رضا مراشي، مدير قسم الأبحاث في المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، “لقد دفع عدد سنوات المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المواطنين إلى الشوارع في أكبر احتجاجات تحدث منذ عام 2009”.
وأضاف أن “العقوبات الاقتصادية قد أدت إلى تفاقم كل هذه المشاكل الاقتصادية الإيرانية”.
وقال لشبكة سي إن إن “لا أعتقد أنه بإمكانكم فصل الاقتصاد عن السياسة”.
وأضاف “إن الحكومة لديها فرصة ومسؤولية لمعالجة المظالم المشروعة التى يتم التعبير عنها”.
ويقول علي رضا نادر، المحلل الدولي البارز وباحث في الشأن الإيراني بمؤسسة راند في واشنطن، إن الناس فقدوا الثقة أيضا في الرئيس الإيراني حسن روحاني.
وأضاف “إنه ينظر للحكومة باعتبارها فاسدة للغاية، وأن تزايد معدل اللامساواة يعتبره السكان مظهرا حقيقيا من مظاهر الظلم”، مضيفا “كان من المفترض أن يكون هذا نظاما يحقق العدالة للشعب بعد ثورة 1979 وقد فشل في ذلك.”
وقال كريم سادجادبور، وهو زميل بارز فى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولى، إن هناك أيضا حملة بين المواطنين لضمان الحصول على حقوق متساوية للمرأة.
وأضاف نادر إن النساء في إيران يقاتلن منذ عقود من أجل حقوق متساوية، ولكن بالأخص في السنوات القليلة الماضية، أصبح الضغط أقوى.
وقال “إن النساء في إيران يتعلمن تعليما عاليا. إنهن يشاركن في القوى العاملة، وذلك بنسبة أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط، ويتم قمعهن باستمرار، ويعد هذا جزء من نضالهن لكسب حريتهن وحقوقهن”.
وقال نائب الرئيس الإيرانى يوم السبت إن الحكومة ستعمل بجد لحل الأزمات الاقتصادية.
هل هذه الاحتجاجات مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2009؟
في حين أن الاحتجاجات الجديدة مكثفة، إلا أنها حتى الآن بعيدة عن أن تكون في نفس حجم تلك التي حدثت في عام 2009 من قبل الحركة الخضراء، التي شارك فيها الملايين.
وقال مراشي إن هذه قد تكون حركة من أجل الحقوق المدنية أكثر من كونها حركة ثورية.
وأضاف سادجادبور إن هناك اختلافات أخرى، ففي حين أن مظاهرات عام 2009 وقعت في طهران أولا، إلا أن مظاهرات هذا الأسبوع اندلعت في معاقل الحكومة، مثل مدينتي قم ومشهد، والمعروفين بأنهم مراكز دينية نشطة.
ويبدو أن هذه الموجة من الاحتجاجات تمثل تحديا مباشرا لحكم المرشد الأعلى.
وقال نيك روبرتسون، المحرر الدبلوماسي الدولي لدى شبكة “سي إن إن”، “إن هذا أمر لم يحدث في عام 2009. وهذا أمر ضخم على أن يحدث في إيران”. وأضاف، “إن الناس لا يقولون ذلك علنا في الشوارع”.
وقال أحد السكان لشبكة سي إن إن أنه شاهد متظاهر يقوم بتمزيق ملصق لخامنئي بالقرب من جامعة طهران.
هل تغريدات ترامب تساعد أم تضر؟
لقد أجمع الخبراء على أن تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الوضع غير مجدية.
وبدلا من ذلك يقولون إن العالم يجب أن يظهر التضامن مع الشعب الإيراني بدعم حرية التعبير.
وقد غرد ترامب قائلا “إن العالم يراقب!” وأن “الأنظمة القمعية لا تدوم للأبد”. وقال الرئيس أن القيادة الإيرانية تبدد الثروة بغية تمويل الإرهاب فى أماكن أخرى.
وقال مراشي إن حركة الاحتجاج “من أصل إيراني ستكون نهايتها إيرانية”.
وأضاف بارسي أن الاحتجاجات ليست قضية أميركية. “إن هذا الأمر لا يتعلق بترامب، وتدخل ترامب في هذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون مفيدا، لأنه لا يحمل أية مصداقية تجاه إيران”.
وقال سادجبور إن التصريحات ضد النظام الايراني قد لا تكون غير مفيدة فحسب، بل قد تؤدي الى ذريعة للقيام بعمليات قمع.
وقال بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن الشعب الإيراني لن يصدق تصريحات “انتهازية” من قبل ترامب أو إدارته.
إذا فما الذي يجب قوله أو فعله؟
قال المحلل الإيراني الأمريكي هولي داغريس إن أفضل شيء بالنسبة لباقي دول العالم هو الانتظار ورؤية ما سيحدث بعد ذلك في إيران، حيث تم سمعاع المتظاهرين عبر أشرطة الفيديو موزعة على وسائل الإعلام الاجتماعية وهم يرددون “الموت لروحاني” في إشارة إلى الرئيس روحاني
وأضاف “الحقيقة إننا في الواقع نلقي بتصريحات نعتقد أنها لصالح الشعب الايرانى، إلا أنها تضرهم أكثر من أى شئ آخر”.
كيف يتم إخراج القصة؟
كما كان الحال في عام 2009، فالصور والرسائل من المواطنين الصحفيين تصدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. والحكومة تسيطر على وسائل الإعلام ولا تسمح بحرية التعبير.
وقال مصدر في شبكة “سي إن إن” إن عددا من الإيرانيين قتلوا خلال الاحتجاجات في وقت متأخر يوم السبت، بعد أن حذرت الحكومة الإيرانية المواطنين من عقد تجمعات عامة “غير قانونية”.
وبدون منفذ الصحافة، يرى العالم ما قد يكون نسخة محرفة لما يحدث في إيران. وقال روبرتسون في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” إن “التحقق المستقل من الوقائع (يصعب الحصول عليه)”.
ولكن الصور غالبا ما تكون قوية.
وقال روبرتسون، في عام 2009، إن شريط فيديو يظهر اللحظات الأخيرة للمتظاهرة ندى آغا سلطان، حولها إلى رمز لحركة الإصلاح المزدهرة في إيران. وأضاف، “إن ذلك كان له تأثير بارز على الاحتجاجات فى ايران وكان له تأثير قوي فى جميع انحاء العالم”.
ما الذي سيأتي بعد ذلك؟
لقد استمرت الحركة الخضراء في عام 2009 لعدة شهور، وهذه الجولة من الاحتجاجات عمرها أيام فقط. وغير واضح مدى المعارضة التي ستسمح بها الحكومة.
وقال سادجبور، “في عام 1979، شهد الإيرانيون ثورة دون ديموقراطية، واليوم يطمحون في الحصول على ديمقراطية دون ثورة”.
وسرعان ما توسع في ذلك قائلا ل سي إن إن أنه يعتقد أن مجتمع الشباب الإيراني يسعى إلى دولة أكثر تحررا وتقدمية، ولكن غير مرجح أن يحملوا السلاح، حتى وإن كان متاح. إنهم ضد حكومة يعرفون أنها مستعدة لاستخدام القوة للحفاظ على السلطة.
وأضاف “على الرغم من حقيقة أن العديد من الإيرانيين سيكون لهم أغراض ثورية، لا أعتقد أنهم على استعداد لاتباع الوسائل الثورية بشكل جماعي بنفس الطريقة التي اجتازها، على سبيل المثال، السوريون أو المصريون أو غيرهم على مدار السنوات الخمس الماضية في الشرق الأوسط”.
ولكن غرد سادجبور يوم الجمعة قائلا، حتى وإن تم قمع الاحتجاجات، كما يتوقع، فهذه ليست النهاية.
وأضاف “إن الاستياء تجاه النظام سيبقى وسيعود مرة أخرى في المستقبل”.