الألعاب الفردية في بعض الدول تحظى باهتمام، الأنظار توجه إليها، لأنّ الأبطال يحققون إنجازات، يحرزون ميداليات، يرفعون علم الوطن عاليًا، إيران لديها في المصارعة ما يكفيها، أبطال رفع الأثقال، ظهر هذا واضحًا في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو دي جانيرو 2016م، والذي هو الآخر شهد أمر حدث لأول مرة حيث حصول أول امرأة إيرانية على ميدالية أولمبية وهي كيميا على زاده التي نالت البرونزية في التايكوندو.
إيران لديها حضارة، الحضارة مُشرفة، الحضارة تُلم بجميع النشاطات العقلية الفكرية وكذلك الجسدية، منها الرياضة، منها “زورخانه” في إيران.
“الزورخانه” أشهر الرياضات التقليدية في إيران والتي لا تزال تُمارس حتى الآن كنوع من التمسك بالإرث الحضاري والاعتزاز بالماضي، لدرجة أن هيئة اليونسكو قد أدرجت في عام 2010م هذه الرياضة التقليدية الإيرانية في قائمة تراثها المعنوي، كدليل آخر على مدى الأهمية عند أبناء البلد والعالم أجمع.
زورخانه تتكون من مقطعين زور وتعني قوة، خانه تعني مكان أو بيت وهي مجتمعة تعني بيت القوة، وهو المكان الذي يمارس فيه الأفراد الرياضة داخلها، مكان له تصميمه الخاص به، بحيث داخله يتلاحم الجانب الجسدي المتمثل في الرياضة نفسها ومدى صعوبتها،مع الجانب الروحي من خلال الحركات أو الأناشيد والتراتيل التي تُلقى أثناء اللعب.
الرياضة قديمة جدًا، يعود جِذرعها الأصلي إلى فترة ما قبل الخمسة آلاف سنة – وقيِل ثلاثة آلاف- المهم هو القدامة بل العتاقة، الأجداد استخدموها كغرض عسكري، الأحفاد وأحفاد الأحفاد أتوا ليضعوا صبغتهم بعدما كف استخدامها في العسكرية، الأحفاد يحافظون عليها، يصونها من الضياع، ولم تحظ اللعبة بإهتمام وإنتشار أكبر إلا بعدما انتشر الإسلام في بلاد فارس وخراسان، نظرًا لما تتمتع به هذه الرياضة من قيم روحانية وحيوية تجدد الجسد وتُنعشه، تُخرجه من سباته وخموله.
التدليل على أخلاقيات اللعبة يبدأ من تصميم الزورخانه حيث إنّ لها باب خارجي، الباب منخفض، إذا أردت الدخول مهما كان طولك، فلابد من أن تحني رأسك، وهذا أول المظاهر في اللعبة، اللعبة منذ البداية تقول لك تواضع، احترم نفسك، احترم خصمك، ابتعد عن الغرور، الكل متساوِ، لا فرق بين طويل أو قصير، احترم الرياضة التي أنت على وشك ممارستها، احترم اللاعبون جميعًا، ثم بعد ذلك في منتصف الزورخانه توجد الحفرة التي يتم فيها ممارسة اللعب، وهي عبارة عن حفرة مكونة من 8 أضلاع، يتراوح الطول ما بين 4 إلى 5 متر، والعرض 4 متر أما العمق فمتر واحد، وأرضية الحفرة مهيأة بشكل جيد، معدة بحيث تكون ملائمة للعب.
الفريق يتكون من 12 إلى 14 شخصًا، وفي بعض الأحيان يصل إلى ثلاثين شخصًا. في كرة القدم – حديثًا- يضرب لاعب ما الكرة، يرجع بها لفريقه، وهذا معناه بدء المبارة التي تستمر إلى قرابة الساعة ونصف، كذلك هذه الرياضة التقليدية الإيرانية لها طقوسها ومراسمها الخاصة بها.
فأول ما يكون أن الفريق له زي موحد، قميص عادي، سروال قصير، السروال عليه بعض النقوش، النقوش رمز ودليل على الحضارة، على الاعتزاز بها، فالنقوش تلك هي ذاتها المتواجدة على أقدم السجاجيد الإيرانية.
لابد أن يبدأ اللعب شخص ينتمي لسلالة النبي محمد عليه الصلاة والصلاة، فاللعبة تهدف كما قال – قبلاً – أمير حسيني رئيس اتحاد رياضة الزورخانه في إيران.
وتقوم رياضة الزورخانه على تمجيد قيم الفتوة وأخلاق الفروسية والرياضيون يتخذون من بطل الاسلام علي بن أبي طالب نموذجًا أعلى للفتوة والبطولة لهذا فهم يقدمون من ينتسب إلى الإمام علي تأكيدا لهذا الاقتداء.
ثم بعدها يبدأ شخص يُدعى بـ”المرشد” في إلقاء بعض الأناشيد والأغاني وفي بعض الأحيان ينثر الورود، وهذا إذن ببدء اللعب والذي من بعض أدواته:
1- أداة تسمى”ميل” أو الهراوة وهو عبارة عن مخروط من الخشب ضخم، ينتهى بمقبض يعمد اللاعب إلى تحركه فوق كتفه، وهذا الـ”ميل” للتذكير بالأعمدة الخشبية التي كانت تسختدم قديمًا في الحروب.
2- الكبادة وهو القوس وهو من أدوات الحرب قديمًا.
3- قطعة خشبية كبيرة ثقيلة الوزن يصل وزنها إلى خمسين كيلو جرام تسمى السنك أو الحجر وهي أشبه ما تكون بالدرع الذي كان يحمله المحارب.
اللعب إذا بدأ فهو بعد الأناشيد وسماع الأجراس بدق وضرب على الطبول كنوع من التحفيز وإطلاق فورة الحماس داخل الأجساد، وأحيانًا تمارس على إيقاع المقامات والأشعار القديمة.
يستمر اللعب لمدة ساعتين، وفيه تكون هناك حركات إيقاعية بالجسد، حركات دورانية تشبه إلى حد كبير دوران المتصوفة، ففي اللعبة اللاعبون يدورون حول أنفسهم، وكذلك يفعل الدراويش الذي يرقصون هذه الرقصة كوسيلة للتلاحم مع الكون، للتماس مع الدُنيا، ودائمًا ما تنتهي اللعبة بالدعاء والتضرع إلى الله .
تأسس الإتحاد الدولي للزورخانه عام 2004م، ويضم في عضويته الآن أكثر من 55 بلدًا، وفي إيران يوجد أكثر من 400 زورخانه، وتعد مدينة كاشان أكثر المدن شهرة بالزورخانات.
وكما هو مُلاحظ فهناك تلاحم وتداخل ما بين البعد التراثي المتمثل في الحضارة والأناشيد التاريخية حتى الملابس المستخدمة، وما بين القوة العضلية أثناء الممارسة، والبعد الروحي في الدوران كالمتصوفة، كل هذا قد أَجبر الجميع على إطلاق على هذه الرياضة “رياضة الأخلاق والقوة”