قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي عقد في أنقرة في 11 ديسمبر “إن روسيا وتركيا تعتقدان أن قرار الولايات المتحدة المتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل لا يساعد الوضع في الشرق الاوسط”.
وكان هذا هو اللقاء الثامن للرئيسين خلال عام 2017، ويعد هذا مؤشر على وجود علاقات وثيقة متزايدة بعد حالة الأسى الشديدة التي عمت في نوفمبر من عام 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية. وفي الوقت نفسه، أصبحت تركيا أقرب إلى إيران خلال الأشهر القليلة الماضية.
وبالإضافة إلى المحادثات التي أجريت أستانا بهدف إنهاء الصراع السوري، قامت إيران وروسيا وتركيا يتدعيم العلاقات للقيام بالتخطيط للشرق الأوسط بعد القضاء على داعش. وإذا استمر هذا التوجه، فسيكون له تداعيات كبيرة على السياسة الأمريكية والغرب وحلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
وتعترف روسيا بالفعل بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل ولكنها تريد ان تظهر لتركيا أنها متعاطفة مع موقف انقرة. وفي الوقت نفسه كان المسؤولون الأتراك والروس يضعون اللمسات الأخيرة على صفقة لبيع نظام الصواريخ إس- 400لتركيا. إن شراء المعدات العسكرية الروسية يرمز بشكل حقيقي إلى أن تركيا وروسيا، الذين دعموا مختلف جوانب الصراع السوري، يرون أنه يمكن اكتساب الكثير من خلال العمل معا.
وقد استطاعت تركيا اقناع روسيا القيام بتأجيل مؤتمر السلام الذي كان من المقرر عقده فى سوتشى فى نوفمبر. وبحسب المتحدث باسم أردوغان إبراهيم قالين فالنقطة الرئيسية الشائكة تتمثل في دعوة روسيا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على وحدات حماية الشعب أو وحدات الدفاع الشعبي في شرق سوريا.
وترى تركيا أن وحدات حماية الشعب كجزء من حزب العمال الكردستاني وكمنظمة إرهابية. ولكن روسيا كانت لها علاقات ودية مع حزب الاتحاد الديمقراطي على مدار سنوات الصراع السوري. وهذا قد يتغير الآن مع نظرة موسكو إلى أنقرة. وتتعاون الولايات المتحدة بشكل وثيق مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب فيها عنصرا رئيسيا في شرق سوريا.
وعندما بدأت محادثات أستانا ودُعيت روسيا وإيران وتركيا، بدوا وكأنهم بعيدين للحد من الصراع في سوريا، وكانوا متحيزين بشدة لصالح نظام بشار الأسد. ويعرف أن روسيا وإيران هما الداعمان الرئيسيان للأسد. وقد نجحت المحادثات في إنشاء مناطق لتخفيف حدة التصعيد في إدلب وجنوب سوريا بالقرب من الأردن وإسرائيل.
وعندما اجتمع روحاني وبوتين وأردوغان في سوتشي في 22 نوفمبر، اتفقا على “بذل كل جهد ممكن لحل المهمة الاساسية المتمثلة في إقامة السلام والاستقرار في ذلك البلد والحفاظ على سيادته ووحدته وسلامتة أراضيه”.
وسعت روسيا إلى خفض قواتها في سوريا. وقبل أن يلتقي بوتين مع أردوغان في 11 ديسمبر توجه إلى قاعدة خميميم الجوية في سوريا وأعلن أن الجنود الروس سيعودون ألى بلادهم. وقال بوتين “خلال أكثر من عامين بقليل، قامت القوات المسلحة الروسية إلى جانب الجيش السورى بدحر أكثر الجماعات الإرهابية الدولية قتالا”.
وقد دعم أردوغان انسحاب القوات الروسية من سوريا. وفي نوفمبر، نقل عنه في صحيفة حريت قوله إنه إذا كانت روسيا تعتقد أنه لا يوجد حل عسكري للحرب السورية “إذا فأولئك الذين يقولون هذا ينبغي أن يقوموا بسحب قواتهم “. ويبدو أن أنقرة أخذت الآن ما تريد، وهو انسحاب معظم القوات الروسية وإلغاء الدعوة الموجهة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي.
جدير بالذكر أن إيران أيضا تزداد قربا من أنقرة. وفي فبراير 2017، استدعت إيران السفير التركي بخصوص تصريحات أدلى بها وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو والذي انتقد فيها دور إيران في سوريا.
ورغم ذلك، ساعدت المعارضة لاستفتاء استقلال حكومة إقليم كردستان في شمال العراق في سبتمبر على تقريب إيران وتركيا من بعضهم البعض. وابتسم روحاني وأردوغان وضحكا خلال اجتماع في طهران في أكتوبر.
وبعد اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي في 13 ديسمبر، التقى أردوغان وروحاني في قصر يلدز لمدة خمسة وأربعين دقيقة. وقد تبادلوا المعارضة المشتركة لخطوة ترامب المتعلقة بالقدس. وفيما يتعلق بالقدس وإقليم كردستان، فإيران وتركيا لديهما وجهات نظر متشابهة.
وقد روجت جميع وسائل الإعلام الروسية والتركية والإيرانية كل لهذه الحقبة الجديدة من التعاون. وأوضحت قناة برس تي في أن روسيا وإيران وتركيا اتفقوا على حماية “سلامة سوريا”، وأبرزت كلمة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لمجلس الاتحاد الروسي والتي قال فيها إن مصالح الدول لا تتوافق دائما، ولكنها توافق على بعض الأهداف المعينة في سوريا.
وقامت سبوتنيك أيضا، وهي منظمة إخبارية روسية، بتسليط الضوء في نوفمبر على ما قاله السياسيون الأتراك الذين يشيدون بالتعاون الروسي التركي الإيراني. وحذر مستشار أردوغان، كالين، في صحيفة “دايلي صباح” يوم 2 ديسمبر من أنه في سوريا ما بعد داعش “هناك لعبة قوة جديدة في مرحلة التخمير”.
وقال إن الولايات المتحدة في شرق سوريا تحاول أن تكون بمثابة ثقل موازنا لروسيا وإيران. وفي هذه الحالة، تعاون تركيا مع إيران وروسيا أمرا ضروريا.
يذكر أن أنباء الوفاق بين تركيا وايران وروسيا غير مرحب بيها في واشنطن. وقد استبعد ذلك الولايات المتحدة من المحادثات في أستانا وسوتشي وأماكن أخرى. وتظهر الاجتماعات المتكررة لهؤلاء القادة، والتي وصل عددها إلى ثمانية اجتماعات بين أردوغان وبوتين في عام 2017، كيف تُركت الولايات المتحدة بمفردها.
وفي مركز وودرو ولسون الدولي للعلماء ادعى ريكس تيلرسون أن إيران وروسيا لا يمكنهما أن يقدما لتركيا الفوائد الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن توفرها “العضوية في مجموعة الدول الغربية”. وهذا يبدو غير كافيا ومتأخرا جدا، وليس واضحا ما إذا كان استجداء أنقرة مؤثرا.
وبالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فالتعاون الاستراتيجي بين أنقرة وموسكو وطهران يتناقض بشكل صارخ مع الافتقار لوجود لقاءات بين القادة الأمريكيين والقادة في القدس والقاهرة والرياض.
إن تهديد الأسد ضد حلفاء الأكراد الأميركيين في سوريا، واصفا إياهم بـ “الخونة” خلال اجتماع مع نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين في 18 ديسمبر، ويشير بوضوح إلى أن نظام الأسد يشعر بأنه مفوض بهذه السلسلة من الأحداث. وتتطلع بلدان أخرى في المنطقة إلى هذا الثلاثي أيضا.
يذكر ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قريب من طهران، بينما ارسلت تركيا قوات للدفاع عن قطر. وطلب العاهل الاردني الملك عبد الله دعم تركيا لقضية القدس.
وأعلنت روسيا والعراق تحقيق انتصارا على داعش في حين قالت الولايات المتحدة أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به في شرق سوريا. ولكن مع اقتراب العمليات القتالية من نهايتها، فقد تجد الولايات المتحدة في 2018 المناقشات المتكررة رفيعة المستوى لإيران وتركيا وروسيا يصعب تجاهلها.