سمح الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي الإيراني بالاستمرار حتى عام 2017، ولكن العام الجديد سيتيح له فرصة أخرى للقضاء عليه، ويعتقد النقاد والمؤيدون على حد سواء أنه قد يأخذ هذه الخطوة.
وبحلول منتصف يناير، سيواجه الرئيس مهلة قانونية جديدة لاختيار ما إذا كان سيتم فرض عقوبات أمريكية على طهران. ويحاول كبار المشرعين وبعض كبار مسئولى الأمن الوطنى في إدارة ترامب الحفاظ على الاتفاق. ولكن مؤيدي الاتفاق يخشون أن يكون ترامب أًصبح أكثر استعدادا لرفض مشورة فريقه المختص بشؤون السياسة الخارجية، كما فعل مع قراره الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل.
ويمثل القرار فرصة لترامب للوفاء بوعد حملته الرئاسية لإنهاء الاتفاق الإيراني، وهو ما ارجئه مرارا وتكرارا بناء على إلحاح من كبار المسؤولين.
يذكر أنه عندما علق ترامب علنا على وضع الاتفاق الإيراني في منتصف أكتوبر، أشار إلى أن صبره قد بات قليلا فيما يتعلق بما أسماه “أسوأ صفقة على الإطلاق”، وطالب الكونغرس والدول الأوروبية باتخاذ إجراءات لمعالجة ما يراه ضعف في الاتفاق.
وقال ترامب في خطاب القاه في أكتوبر “في حالة إذا لم نتمكن من التوصل إلى حل مناسب مع الكونغرس وحلفائنا، سيتم إنهاء الاتفاق”.
ولم تظهر الأشهر الثلاثة منذ ذلك الحين سوى قدرا ضئيلا من التقدم نحو هذا الحل.
وفي محاولة لإنقاذ الاتفاق، يناقش أعضاء الكونغرس التشريعات التي من شأنها أن تمنح ترامب غطاء سياسي لتمديد الاتفاق. ولكن غير واضح ما إذا كان الجمهوريون والديمقراطيون يمكن أن يتفقوا على إجراء رمزي حتى في الوقت المناسب.
وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وهو باحث متشدد في واشنطن على علاقات وثيقة بالبيت الأبيض في عهد ترامب، “من الممكن جدا أن يقول ترامب للكونغرس والأوروبيين،” أعطيتكم 90 يوما لتنظيم أموركم ولم تفعلوا، وأنا اكتفيت”.
وقد تم التفاوض على الاتفاق في عام 2015 من قبل إدارة أوباما، ومعها خمس دول أخرى. وقد رفع الاتفاق العقوبات الأمريكية والأوروبية على إيران مقابل فرض قيود صارمة على البرنامج النووى لطهران.
ويقول مؤيدو الاتفاق أن العمل العسكرى كان البديل الواقعى الوحيد لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. ويقول النقاد إن الاتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ بقدر كبير من القدرة النووية، وإنه كان ينبغي إعطاء العقوبات مزيدا من الوقت لكي تترك أثرا.
ويبدأ الموعد النهائي لترامب يوم 11 يناير عندما يتطلب الاتفاق منه، مثلما يحدث كل 90 يوما، التصديق على ما إذا كانت طهران تفي بالتزاماتها بموجب الاتفاق. وقد قال المفتشون الدوليون الذين يزورون المنشآت النووية فى البلاد مرارا إن إيران تقوم بذلك. ولكن ترامب رفض التصديق على امتثال إيران لشروط الاتفاق في منتصف أكتوبر، مستشهدا بالعدوان الإيراني في جميع أنحاء الشرق الاوسط.
يذكر أن رفض ترامب التصديق لم يكن له تأثير عملي فوري على الاتفاق، على الرغم من أنه بموجب القانون أثار نافذة لمدة 60 يوما يمكن للكونغرس خلالها استعادة العقوبات بأغلبية بسيطة، وذلك بدون عرقلة من قبل مجلس الشيوخ. وفي حين كانت التوقعات مرتفعة بالنسبة لبعض إجراءات الكونغرس التي يمكن أن يشير إليها ترامب كرد على شكواه، إلا أن الكونغرس أصبح منهمكا في عملية الإصلاح الضريبي ولم يقم باتخاذ أي إجراء. وأحد الإجراءات المتشددة التي جذبت الانتباه في خريف هذا العام، والذي وضعه السناتور توم كوتن، لم يسفر عن أية نتيجة بعد أن أوضح الديمقراطيون أنهم سيعارضونه بشدة.
والأهم من ذلك أن المواعيد الأخيرة القادمة لترامب لمواصلة الإعفاء المؤقت من العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، والتي يمليها الاتفاق لن يتم إبطالها بشكل دائم لعدة سنوات أخرى. ويتعين على الرئيس تجديد الإعفاءات كل 120 يوما. وقالت مصادر مطلعة على القانون أن هناك مواعيد أخيرة متعددة للإعفاء تصل بين 12 و 17 يناير، مما أجبر ترامب على إعادة تقييم الاتفاق.
واذا رفض ترامب الإعفاءات وقام باستعادة عقوبات قاسية، فمن المؤكد أن طهران ستشكو من أن الولايات المتحدة قد خرقت الاتفاق، والمؤيدين للاتفاق يقولون أن ذلك قد يؤدي لاستئناف طهران برنامجها النووى. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وكحد أدنى، ستجد الولايات المتحدة نفسها معزولة في الخارج نظرا لأن كل طرف آخر في الاتفاق، وهم فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والصين وروسيا، سيعارضون بشدة الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.
ويأمل كبار المسؤولين في إدارة ترامب، بمن فيهم مستشار الأمن القومي هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الدفاع جيم ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، في تجنب هذه النتيجة، وأخبروا الآخرين أنه في حين أنهم قد يكونوا لا يحبون الاتفاق النووي، إلا أن التداعيات المحتملة من انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد قد تكون كبيرة جدا ليخاطروا بها.
وقد اجتمع ماكماستر مع رئيس مجلس الشيوخ للعلاقات الخارجية بوب كوركر وأكبر عضو ديمقراطي في اللجنة، بن كاردين، لمناقشة التشريعات المحتملة التي قد تسترضي ترامب. ومع اقتراب العام من نهايته، واصل كاردين وكوركر المناقشات حول الشكل الذي يمكن أن يبدو عليه مثل هذا التشريع.
وقالت مصادر في الكونغرس إن الهدف هو ايجاد صيغة من شأنها اتخاذ موقف متشدد حيال إيران ولكن في القضايا غير النووية حتى لا تنتهك شروط الاتفاق التي تحظر فرض شروط جديدة على البرنامج النووي الإيراني بعد إبرام الاتفاق.
وقد ينهي القيام بإصلاح تشريعي أيضا شرط أن يصدق ترامب على الاتفاق كل 90 يوما، ويزيل الشوكة السياسية المتكررة من جانب الرئيس.
وقال داريل كيمبل، المدير التنفيذى لجمعية مراقبة التسلح، وهى مجموعة غير ربحية فى واشنطن تؤيد بقوة الاتفاق النووي، إن إجراء الكونغرس “قد يقنع ترامب ليقول بطريقة ما أنه غير الحديث، وأنه قد لا يتخذ أى إجراء متسرع على المدى القريب”.
وقبل وقت قصير من تأجيل الكونغرس للقرار بسبب عطلات، أعرب كوركر عن تفاؤله بشأن الموضوع، وقال “أشعر فعلا بأننا قد نحقق شيء ما”.
ولكن كوركر وكاردين لن يكون لديهما سوى القليل من الوقت بعد أن يستأنف الكونغرس الصياغة قبل وصول المواعيد النهائية للتصديق والإعفاء. وقال دوبويتز “هناك فرصة يمكنهم على الاقل الموافقة عليها ولكن لا استطيع رؤية قانون نهائي يصل إلى مكتب الرئيس للتوقيع”.
وناشد مسئولو ترامب أيضا الفرنسيين والبريطانيين والألمان لتقديم مقترحات يمكن أن تشكل إضافة للاتفاق النووى، إلا إن الأوروبيين أبدوا اهتماما ضئيلا.
يذكر أن ذلك ترك مؤيدو الاتفاق في حالة قلق من احتمالية أن يتغاضى ترامب في النهاية عن مناشدات كبار المسؤولين، وتمزيق الاتفاق كما هدد منذ وقت بعيد. ولم يرد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي على طلب التعليق.
يذكر أن القرار بشأن إيران يأتي في الوقت الذي تستعرض فيه إدارة ترامب استراتيجيتها في المنطقة. ويعتزم مستشار الأمن القومى ماكماستر نشر نتائج مراجعة السياسة الأمريكية فى يناير، وذلك وفقا لما ذكره مصدران ممن قاموا بالتشاور مع البيت الأبيض حول قضايا الشرق الاوسط. ومن المتوقع أن تركز الاستراتيجية الجديدة على البحث في النفوذ الإيرانى فى البلاد حيث تقترب الحرب الاهلية فى سوريا المستمرة منذ سبع سنوات تقريبا من نهايتها تدريجيا.
وقال كيمبل أن قرار ترامب بشأن القدس، ضد مشورة كبار مسئولى الأمن القومى، أشار إلى أن الرئيس قد يكون مستعدا للامتثال إلى اصوات المستشارين الاخرين فيما يتعلق بقرارات السياسة الخارجية الرئيسية.
وأضاف كيمبل “أن دونالد ترامب أوضح مع قرار القدس وقرارات أخرى أنه لا يمتلك الحكمة للاستماع إلى اقرب مستشاريه”.
وقال “إن المنطق المعتاد الذى يعمل على توجيه سياسة الأمن القومى الأمريكى قد يتم رميه من النافذة لأن الرئيس يحاول الوفاء بوعد حملته الانتخابية الطائش”.