حجم منظومة الدعم الإيراني للحوثيين
استعرضنا في الجزء الأول من سلسلة “قراءةٌ في الدعم الإيراني للحوثيين”، قضية نفي النفي الإيراني عن دعم جماعة الحوثي، واستعرضنا فيها أدلةً، واستنباطاتٍ، وقراءاتٍ، وتحليلاتٍ، ورُؤىً لإثبات حقيقة الدعم الإيراني المُستديِم لجماعة الحوثي، وبدَّدنا النفي الإيراني بالجرم المشهود، من أقوال وآراء رؤوس النظام الإيراني أنفسهم وقلبنا طاولة النفي لأرض الإثبات لبناء تقريرينا الآخرين على أرضٍ صلبة، وتقديم الحقيقة حول هذا الدعم الذي أدخل إيران في حربٍ بالوكالة للمُعترك اليمني مع دول التحالف العربي.
يمكنكم الاطلاع على التقرير الأول من هُنا.
نستعرض في هذا التقرير أشكال الدعم التي يتلقاها الحوثيون من النظام الإيراني، وكيف أن الحوثيين يتلقون صُنُوفًا من الدعم الإيراني جعلت منهم جماعةً عصيةً حتى هذه اللحظة على الانهزام أمام سيل القنابل والقصف الذي تُمطِر مناطق نُفُوذها، وأصبحوا يكتسبون رأيًا عامًا وأرضًا رحبة من الاعتقاد الجازم بعدالة قضيتهم وفشل وجهة التحالف المعتدي عليها. هذا الدعم صنع من الحوثيين قُوةً جديدة باتت تفرض نفسها، وتفرض وتُشكِّل من ورائها مدى حجم النُفُوذ الإقليمي الذي أضحت عليه إيران في العقد الأخير.
- الدعم المالي:
في 25 أكتوبر الماضي، نشرت منصة صدى عدن، تقريرًا عن حجم الدعم المالي الإيراني للحوثيين، فتعمقت في تفصيلاتٍ بصدد هذا الأمر، إذ ذكر مصدر اعتمد عليه التقرير، أن هُناك شخصًا يُدعَى “أبو مصطفى” من حزب الله اللبناني، مُكلَّف بالملف اليمني، أحد المَنوطين من قِبل السُلطة الإيرانية بتقديم الدعم المادي للهيئات والأحزاب والمنظمات المحسوبة على إيران في اليمن، فكان منها حزب “الأُمة” الموالي للحوثيين والذي يتقاضى 10 آلاف دولار شهريًا. بالإضافة إلى خُصوصية الاجتماعات واللقاءات المنعقدة بين أبي مصطفى هذا ومسؤولين إيرانيين من جهة، والحوثيين من جهةٍ أُخرى.
بالرجوع إلى الوراء، في يوليو 2015، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط”، وثيقةً تحمل صفة “السرية” مُدعَّمةً بتقريرٍ عن الدعم المالي الإيراني للحوثيين، كانت الوثيقة عبارة عن رسالةٍ صادرةٍ عن “مؤسسة الشهداء وشؤون الضحايا”، كاشفةً عن استعداد طهران لتلبية كل مطالب الحوثيين بخصوص إرسال كل أنواع الدعم لأسر الشهداء والضحايا اليمنيين الذين سقطوا خلال المواجهات. آخذين أن هذه المؤسسة يرأسها، نائب الرئيس الإيراني وممثِّل الولي الفقيه، محمد علي شهيدي، وكانت موجَّهة إلى “مؤسسة الشهداء والضحايا في اليمن” الإيرانية. ويُعتبر نشاط “مؤسسة الشهيد” الإيرانية في اليمن، من الأمور السرية المحصورة في قياداتٍ محدودة في حركة “أنصار الله” الحوثية.
مؤسسة شهيد الثورة الإيرانية أو كما تُسمَّى “شهيد يمن”، قد طلبت من “فيلق القُدس” بقيادة قاسم سُليماني، بزيادة حجم الدعم المادي نتيجةً لسقوط مئات القتلى في صفوف الحوثيين، وهو ما وُوفِق عليه من قِبل النظام الإيراني، لترتفع المُقدرّات المالية إلى 3.7 مليون دولار. كما تحصل عوائل الحوثي على كل الامتيازات التي تحظى بها عوائل القتلى الإيرانيين، والمقدمة من قِبل هذه المؤسسة من ملبس وتعليم ورعاية صحية. جديرٌ بالذكر أن مؤسسة “شهيد يمن” كانت قد أُنشِئت عام 2009 -أثناء الحرب السادسة بين السلطات في صنعاء والحوثيين- بُناءً على تعليمات من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، لتوفير المساعدة المالية والرعاية الصحية لعائلات قتلى الحوثيين أُسوةً بالامتيازات التي تحظى بها أسر قتلى إيران، واعتمد، آنذاك، مبلغا يوازي مليون دولار ميزانية لهذه المؤسسة.
وأما في مارس 2015، زار وفدٌ حوثيّ طهران للتباحث حول فتح خط تجاري بين طهران وصنعاء، يتم عبره رفد السوق اليمنية بمختلف المنتجات والسلع الإيرانية، كخيارٍ اقتصادي بديل للحوثيين لتخفيف عبء إيقاف الدعم الخليجي لليمن، وفتح المجال في اليمن أمام الصادرات القادمة من طهران، لضمان موارد مالية للحوثيين، حسبما أكد تقرير عربي 21.
- الدعم العسكري:
وأما عن الدعم العسكري فحدث ولا حرج، ففتحت إيران جبهات تعاون عسكرية طويلة ممتدة مع الحوثيين، أول ما أقامته إيران، هو الجانب الخبراتي البشري، إيران لم تجعل من اليمن كما جعلت من الحلبة السُورية، إذ إنها في سُورية دفعت بآلاف المقاتلين إلى الداخل السُوري لمناوئة التنظيمات الجهادية السلفية بالإضافة إلى الجيش السُوري الحُرّ وغيرهم ليس إلا في محاولةٍ لتعديل ميزان القُوى بعد أن نفذت القوة البشرية لجيش النظام الأسدي على يد هذه التنظيمات، ولكن في اليمن كان الوضع مختلفًا قليلًا، فالحوثيون لديهم مددًا بشريًا هائلًا ولكن يعتريهم نُقصان الخبرات العسكرية، فعوضت إيران هذا الاعتراء عبر إمدادهم بمستشارين عسكريين متفوقين من حزب الله اللبناني، ومن زهرة رجالهم من فيلق الحرس الثوري الإيراني، بل وخبراء أعاجم مثل الأفغان، وذلك لزيادة حجم التدريب والتأهيل والقدرات العسكرية الخاصة للمُقاتلين، في محاولاتٍ حثيثة لرفع الكفاءة القتالية لهم ليس لتعويض نُقصان الخبرات فقـط بل أيضًا لمحاولة ملئ جانب انخفاض القدرات التسليحية للحوثيين أمام التفوق العسكري للتحالف العربي لاسيما القُوة الجوية.
ففي تقرير صدى عدن سالف الذكر، عثر الجيش اليمني في مواقع لميليشيات الحوثي على تسجيلاتٍ مطوّلة،صُوِّرت في الفترة بين يونيو ويوليو 2015، كشفت وجود مدرب لبناني من “حزب الله” يُخضِع أفراد الحوثي لدوراتٍ تدريبية. ويُسمّى “أبو صالح”، وانتشر نحو عشرة من عناصر الحوثي في حضرة هذا المدرب في خيمةٍ صغيرة. وقد وُجِدت شاشة كمبيوتر ضخمة تُظهِر صورة المرشد الإيراني، علي خامنئي. وفي مقاطع أُخرى من التسجيل، حضرت شخصية قيادية من ميليشيات الحوثي.
يأتي بعد ذلك، الدعم التسليحي، وهذا قد ظهر فيما طرأ على الترسانة التسليحية الحوثية من تجديداتٍ وتحديثات تكاد تكون غيرت شكلها بالكُلية وكأنها لم تكن هي التي كانت ذا قبل، سنجد أن الحوثيين أصبحوا يمتلكون،صواريخ غراد وكاتيوشا M122، وصواريخ تاو المضادة للدروع، وصاروخ “طوفان” المضادة للدبابات، وصواريخ سطح جو، وقذائف صاروخية محمولة على الكتف متعددة التصانيف والفئات، وأنظمةٌ مدفعية تتعقب أهدافًا برية وبحرية على بعد 40 كيلومتر، ونظارات رؤية ليلية إيرانية الصُنع، وطائرات “الدرونز” المُسيَّرة بدون طيار قادرةً على تنفيذ مهامٍ قتالية، واستطلاعية وأعمال مسح وتقييم وإنذار مبكر من طرازاتٍ متعددة مثل “هدهد، وهدهد1، ورقيب، وقاصف1، وراصد”، منظومة صواريخ باليستية كلها ذات نُظُم إيرانية وأبرزها صاروخي “كيام، وبركان” وهي تحمل مديات تصل إلى أكثر من 1000 كيلو متر -وهذا السلاح بالأخص هو موضع توجس دول التحالف العربي لاسيما السعودية التي أصبحت في مرماه بصًورةٍ أصبحت مؤخرًا متزايدة-، ووصل الأمر إلى أن تم مدهم بكواتم للصوت خاصة بالمسدسات، وأطنان من المتفجرات والذخيرة والأعيرة النارية. وامتلكوا أيضًا صواريخ “الكورنيت” المضادة للدروع فائقة الجودة والتدمير، حسبما أكد أحمد العسيري، المتحدث السابق باسم قوات التحالف العربي لوكالة رويترز.
وقد صرّح مسؤول عسكري أمريكي، إن تهريب الإيرانيين أسلحة إلى الحوثيين استمر دون انقطاع منذ مارس من العام الماضي، مضيفًا أنه لا يوجد تفسيرٌ منطقي لظهور تلك الأسلحة سوى المساعدة الخارجية من إيران.
أيضًا يأتي توظيف الخبرات القتالية ورفع كفاءتها الأمر الذي ظهر في المعارك البحرية، التي لم يتمرسوها قط وليسوا لهم بها دُربة، عندما هاجموا في مارس الماضي زورقًا لخفر السواحل قُرب المكلا عبر ألغامٍ نشروها، بالإضافة إلى الهجوم على فرقاطةٍ سعودية في يناير الماضي قُرب ميناء الحديدة عبر قاربٍ مُسيَّر مُحمَّل بالمتفجرات في عمليةٍ هي الأُولى من نوعها، وأكدت البحرية الأمريكية أن الحوثيين استخدموا تكنولوچيا إيرانية في الهجومين.
- الدعم اللوچستي:
تُوفِر إيران دعمًا إمداديًا ودعائميًا استناديًا لوچستيًا، قامت إيران بإنشاء خلال سنواتٍ طويلة، ما يشبه القُوة المالية في اليمن، عبر دعم تجار صغار من أبناء صنعاء، وصعدة، وعمران، وذمار، تحديدًا، للتوسع في أعمالهم التجارية، بحيث تعتبر أعمالهم التجارية واجهةً مشروعةً، استخدمتها طهران لرفد الحوثيين بها، كما تناولت جريدة الشرق الأوسط.
ظهر هذا في الجانب الطبي الهائل الذي تُسخِرهُ طهران لإغاثة مُقاتلي الحوثي وعوائلهم والقبائل المُعضِّدة لهم، فظهر أنه في مارس 2015 أرسل الحوثيون جرحى تفجيرات مسجدي بدر والحشوش، التي وقعت في 20 من الشهر نفسه، إلى إيران لتلقي العلاج. كما يذكر أن عوض بن عشيم العولقي، قائد المقاومة الشعبية في محافظة شبوة الجنوبية في اليمن، أفاد أن أدوية مستوردة من إيران ضُبِطت بحوزة جُنُود الحوثيين أثناء المعارك الدائرة معهم ظهر أنها تُستخدَم لإزالة القلق والتوتر والضغط العصبي أثناء القتال.
كما أن هُناك دعمًا بحريًا إيرانيًا بصفةٍ شبه مستمرة للحوثيين، آخذين في الاعتبار أن إيران استغلت أن الحصار البحري غير مُحكَم مع انسداد أُفق الدعم البري، فاستطاعت أن تعتمد على هذا المنفَذ الذي توفر لها، ظهر هذا العديد من عمليات التهريب، أبرزها مثل، عملتي ضبط شحنتي أسلحة تبيّن أن مصدرهما إيران. وقد تمت العملية الأولى على يد البحرية الفرنسية شمالي المحيط الهندي في آذار/مارس 2016، فيما نفذت البحرية الأسترالية العملية الثانية قرابة ساحل عُمان في شباط/فبراير 2017.
بالإضافة بالطبع إلى سفينة چيهان 1، التي كُشِف أمرها في خليج عدن في آذار / مارس 2013، يُؤخَذ في الاعتبار أن شُحنات من الأسلحة ضُبِطت على سفن داو “شراعية” صُنِّعت من قِبل شركة إيرانية تُدعَى “المنصور”. وتوصل محققون أمريكيون قالوا إن تحليلهم يشير إلى وجود خط لإرسال الأسلحة من إيران إلى اليمن عن طريق الصومال.
بالإضافة إلى الدعم الإعلامي النافذ، إذ تبث قناة المسيرة التليفزيونية التابعة للحوثيين من بيروت بمساعدة حزب الله مدعومة من إيران، القناة حسب ورقة مارايكه ترانسفلد لمعهد كارنيجي، بثّت خطاب مضمونه أن الحوثيين هم مجموعات مقموعة تقاوم حكومة غير شرعية، وأصبحت الرواية في أمر تقدُم الحوثيين باتجاه صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، يشبه إلى درجة كبيرة ولافتة سرديات حزب الله. في محاولةٍ لجمع القواسم المشتركة بين سيطرة حزب الله على ضاحية بيروت الغربية في العام 2008، واستيلاء الحوثيين على السلطة في العام 2014، والتي تؤشّر إلى وجود تبادل بين الطرفَين على مستوى الاستراتيجية العسكرية.
بالإضافة أيضًا إلى انتهاز إيران فرصة سيطرة الحوثيين على صنعاء لتوسيع علاقاتها معهم الذين رحبوا بالعروض التي قدّمتها لهم إيران للتعاون في مشاريع للبنى التحتية، وإعادة إطلاق رحلات منتظمة بين طهران وصنعاء، وإرسال مساعدات إنسانية إلى اليمن، كما تطمح إيران في إنشاء قاعدة بحرية في اليمن.
عقب استعراضنا هذا، نصل إلى أن ما دوّناه ليس عرضًا كاملًا، بل حاولنا قدر الإمكان أن نُؤرِخ ونُدوِّن أكبر قدر من أحداث صُنُوف الدعم المتعددة التي تُبيِّن حجمه ومدى قوته وتأثيره وانعكاسه على الحوثيين في الشأو اليمني القائم حاليًا، هذا الاستعراض يجعلنا على مسافةٍ بعيدة من تقرير مارايكه ترانسفلد، الذي دوّنته تحت اسم “الدعم الإيراني المحدود في اليمن“، في شباط / فبراير الماضي، ونُشِرت الورقة على معهد كارنيجي، والذي تناولت فيه أن الدعم الإيراني للحوثيين هامشي، ولا يؤثّر في آليتهم لصنع القرارات بقدر ما تفعل التحالفات المحلية وديناميات النزاع، وهذا يجعلنا واثقين أن النظاق الزمني الهائل بين توقيت نشر التقرير، ووضع الحوثيين الآني في اليمن، سيجعل الباحثة على معرفةٍ بالتغيُر الهائل الذي يقلب مضمون ورقتها أو تقريرها رأسًا على عقب؛ إذ أن الوضع الإيراني في اليمن لم يُصبِح هامشيًا البتة. وسنتناول هذه الورقة بشيءٍ من التحليل في تقريرنا القادم.
#نستعرض في الجزء الثالث والأخير، ما هي الأسباب الدافعة لنظام الملاليّ الإيراني في تدعيم الحوثيين، وماذا أصبح وضع إيران الحالي في اليمن بالنسبة للحوثيين، وما الذي يتبدى في الأُفق جرّاء هذا الدعم الإيراني للحوثيين على الأراضي اليمنية.