ركزت روسيا مرة أخرى على ارتباط أذربيجان بتركيا وعلى “تتريك” الأقليات القومية داخل حدودها، وهو ما يقوله أحد مستشاري الكرملين إنه تهديد للاستقرار في المنطقة ولمصالح روسيا وإيران، وتأتى تلك التحذيرات وسط مخاوف روسية بشأن فتح خط سكة حديد باكو – تبليسى – كارس، والذى سيسمح لسلع الصين ووسط آسيا بالوصول إلى أوروبا بينما ستتجاوز روسيا، فضلا عن الغضب من أن أذربيجان قد أصبحت أول حكومة في عهد ما بعد الاتحاد السوفياتي ترفض سفير موسكو الذي تم تعيينه في عاصمتها.
وكان بناء خط سكة حديد باكو – تبليسى – كارس قد طال انتظاره، وقد عارضته موسكو منذ البداية، واعتبرته تهديدا للنفوذ الروسي ليس فقط في القوقاز ولكن في آسيا الوسطى والصين أيضا. وفي الوقت نفسه، لا يزال التصعيد الدبلوماسي الأذربيجاني الروسي بشأن تعيين سفير جديد في باكو على أشده.
ويوضح المسؤولون الأذربيجانيون أن غضبهم كان بدافع عدم الاقتراب من الاتفاق مسبقا، وكذلك التحفظات على مرشح موسكو الذي يقولون إنه مؤيد للأرمن. وفي الوقت نفسه، يشير المعلقون الروس إلى أن آخرين، بما فيهم تركيا والولايات المتحدة، والذين لديهم أجندة مناهضة للروس، هم من وراء الصراع بين باكو وموسكو.
والآن، هناك مؤشرات على أن روسيا تخطط لمواجهة أذربيجان بشأن هاتين النقطتين، خط سكة حديد حديد باكو – تبليسى – كارس والنزاع على السفير. وقد تسعى إلى القيام بذلك عن طريق مهاجمة باكو بسبب علاقاتها مع أنقرة، فضلا عن برامجها المتعلقة بتأهيل الأقليات العرقية في أذربيجان.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن روسيا تحاول إشراك الحكومة الإيرانية في هذا العمل، وهو احتمال يزيد بشكل كبير من التحديدات التي تواجهها أذربيجان ومؤيديها في تركيا والغرب. ويمكن العثور على أوضح دليل على هذه الاستراتيجية في مقابلة جديدة لإسماعيل شابانوف مع صحيفة ريال تريبون، وهو تابع لمجموعة الطاليشيون العرقية ويعمل في المجلس الرئاسي الروسي للعلاقات الدولية.
وفي هذه المقابلة، قال شابانوف بشكل عنيف أن “تتريك أذربيجان”، وعلاقات أذربيجان بالفعل مع تركيا والجهود المبذولة لإشراك أنقرة في القوقاز تعد “تطور خطير جدا بالنسبة لروسيا وإيران” وشيء يجب أن تعمل الدولتان معا لمعارضته قبل أن تصبح الأمور هناك أكثر انفجارا. وبالفعل، قال إن “استعادة حقوق الشعوب الأصلية [في أذربيجان] تتطابق مع المصالح الاستراتيجية” لهاتين الدولتين.
ووفقا لما ذكره المستشار الرئاسي الروسي، فالسلطات الأذربيجانية لا ترغب في أن تصبح تركيا قوة عليا في جنوب القوقاز فحسب، بل إنها تروج للقمع على الطراز التركي ضد الأقليات العرقية هناك، وإنكار الحقوق الأساسية لهذه الشعوب، وحتى إمكانية تأكيد هوياتهم. وترى باكو تركيا على أنها حاميها الأساسي، وتسعى بالتالي استرضائها من خلال اتباع سياسة في ظل عقيدة علييف (وإلهام علييف ووالده الراحل والرئيس السابق حيدر)، وتلك العقيدة قائمة على مقولة “شعب واحد ودولتين” فيما يتعلق بالأقليات التي هي تركية حتى أكثر من تركيا الآن.
وقال شابانوف إن الحكومة الاذربيجانية “ترغب فى إقامة وجود تركى فى أذربيجان من خلال إعلان أن تركيا من المفترض أن لها الحق فى المشاركة فى شؤون القوقاز”. لكنهم مخطئون بشدة. أولا، إن القوقاز [اسم روسي شائع لمنطقة جنوب القوقاز] ليس تركيا فقط”. إنها توجد عند نقطة تقاطع القوى الأخرى أيضا، لا سيما روسيا وإيران. وتنسى باكو أن طهران، في معاهدة كلستان للسلام لعام 1813، نقلت إلى روسيا المركز المهيمن في المنطقة. وأضاف “من هذا المنطلق”، قال المستشار “إن روسيا وبلاد فارس هم من يملكون حقوق في المنطقة”.
وأضاف شابانوف “إذا كان الاذربيجانيون يريدون حقا ان يلعبوا مع الاتراك”، فعليهم أن يتوقعوا أن يلعب الآخرون ايضا. فالأقلية الإثنية في طاليش، على سبيل المثال، لها الحق الكامل في اللجوء إلى روسيا وإيران للحصول على المساعدة. “لماذا إذن الأذربيجانيين يعتقدون أنهم يمكن أن يفعلوا ما يريدون ولكن الآخرين لا يستطيعون؟”.
ووفقا لما قاله، الأتراك ليسوا “أغبياء جدا” إنهم سيلعبون هذه اللعبة، ولكن يبدو أن الأذربيجانيين لا يدركون كيف يمكن أن تصبح مدى خطورة المسار الذي بدأوه في الداخل والخارج.
يذكر أن أيديولوجية الدولة الأذربيجانية تقوم الآن على اعتقاد “تشوفيني” مخزي، والذي يلقي باللوم على الأرمن فيما يتعلق بكل إخفاقات باكو، ويسعى إلى قمع جميع الأقليات. إن أذربيجان ليست ديمقراطية، وغير متسامحة رغم ادعائها العكس. ويقول إن المخاطر التى تحدث هنا اكبر من ذلك.
وأضاف “إذا أصبحت اذربيجان في النهاية مكانا للقومية التركية والإسلام الراديكالي فان ذلك سيؤثر على القوقاز بأسرها”. مضيفا إنه لا روسيا ولا ايران ستسمح بذلك.
وقال المستشار إن إحدى المهام الأولى لموسكو وطهران هى منع أنقرة من تجاوز حدودها، وهو ما فعلته الدولتان بالفعل بنجاح. ولكن بنفس القدر من الأهمية، يجب أن “تساعد على استعادة حقوق الطاليش والليزجين حتى لا تختفي هذه الشعوب”.
جدير بالذكر أن المنافذ الاذربيجانية لم تستجب بعد لتصريحات شابانوف، ولكن هناك شبه تأكيد من أنهم سيقرأونها كدليل على أن موسكو تعتزم التدخل فى الشؤون الداخلية لأذربيجان بشكل مباشر أكثر مما كانت عليه فى الماضى. وهذا التدخل قد يأتي إما عن طريق سفارتها، أو على الأرجح عن طريق الإجراءات الأرمنية.
وبقدر ما ستقرأ الحكومة الأذربيجانية من تصريحات المستشار الروسي بهذه الطريقة، فالتوترات بين موسكو وباكو ستزادا فقط، مما سيجعل الوضع المتوتر بالفعل أسوأ من ذلك.