تعد إيران واحدة من الخصوم الرائدين في مجال الفضاء السايبيري في الولايات المتحدة. وظهرت على أنها تشكل تهديدا في هذا المجال بعد سنوات قليلة من روسيا والصين، وقد أظهرت حتى الآن مهارة أقل. ورغم ذلك، فقد أجرت عدة هجمات إلكترونية بالغة الضرر وأصبحت تشكل تهديدا رئيسيا سيزداد سوءا.
ومثل روسيا والصين، فتاريخ عمليات الفضاء الإلكتروني في إيران يبدأ مع المخترقين بها. ولكن على عكس هذه الدول الأخرى، تشجع إيران علنا القراصنة التابعين لها على شن هجمات إلكترونية ضد أعدائها. والحكومة لا تقوم بتجند القراصنة في قواتها الإلكترونية فحسب، بل تدعم عملياتهم المستقلة أيضا.
وضع المخترقين الإيرانيين على الخريطة
كان من الواضح بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن إيران ستصبح مصدرا للهجمات الإلكترونية، فقد بدأ القراصنة التابعين لها في الاستيلاء على المواقع الإلكترونية في جميع أنحاء العالم ونشر رسائلهم الخاصة عليها، وهي ممارسة تسمى “تشويه”. وفي كثير من الأحيان كان ذلك للتسلية، ولكن بعض المخترقين أرادوا الدافاع عن بلادهم وعن المسلمين. وهناك مجموعة واحدة شهيرة، أطلقت في عام 2004 “بهدف التوضيح للعالم أن المخترقين الإيرانيين لديهم ما يقوله في الأمن العالمي.”
وأعلن موقع المجموعة على شبكة الإنترنت أنه يقدم اختبار نقاط الضعف وخدمات الاستضافة الآمنة، ولكنه كان معروفا أيضا بتشويهات الويب. وفي عام 2005، قامت المجموعة باستبدال الصفحة الرئيسية لمحطة غوانتانامو البحرية الأمريكية بأخرى تدافع عن المسلمين وتدين الإرهابيين. وأعلنت واحدة من عملياتهم التشويهية مقولة “الطاقة الذرية حقنا”. وبحلول أوائل عام 2008، أدرج أرشيف موقع زون إتش عدد 3,763 حالة تشويه على شبكة الإنترنت قامت بها المجموعة. ومنذ ذلك الحين تم حل المجموعة.
وهناك مجموعة أخرى شهيرة، وهي فريق آشيانه للأمن الرقمي، والتي تدير موقعا على الإنترنت يعرض أدوات القرصنة المجانية والبرامج التعليمية. وقد ادعى الموقع أن عدد أفراده وصل إلى 11،503 عضوا في مايو من عام 2006. ومثل المجموعة التي سبق ذكرها، قدمة أشيانه خدمات الأمن أثناء استخدام معرفة أعضائها ومهاراتهم لتشويه مواقع الويب.
وكثيرا ما شملت عمليات تشويههم خريطة إيران مع التذكير بأن “الاسم الصحيح هو الخليج الفارسي” بسبب قيام بعض الدول العربية بتسميته “الخليج العربي”.
جدير بالذكر أن مجموعة آشيانه قامت بتشويه 500 موقع في عام 2009 خلال التوغل الإسرائيلي في غزة و 1000 موقع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في عام 2010 لدعم ما قالت الجماعة أنه مجموعات إرهابية مناهضة لإيران.
وبحلول مايو 2011، سجل موقع إتش زون عدد 532 ،23 من التشويهات من جانب المجموع. وقال قائد المجموعة، بهروز كماليان، إن مجموعته تتعاون مع الجيش الإيراني، ولكنها تعمل بشكل مستقل وبطريقة عفوية.
وهناك مجموعة ثالثة، وهي اجيش إيران الشبكي، والتي بأت عملها بعد سنوات قليلة. وقد تورطت في العديد من الهجمات على شبكة الإنترنت، بما في ذلك هجمة ضد موقع تويتر في عام 2009 والتي أعلنت دعم للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. والأهداف الأخرى للهجوم كانت صوت أمريكا في عام 2011 بعد أن دعمت الولايات المتحدة الحركة الخضراء الإيرانية والمواقع المعارضة للنظام في عام 2013 قبل الانتخابات الرئاسية مباشرة.
جيش الفضاء الإلكتروني الإيراني
يقول بعض رجال الأمن السيبراني أن الجيش الفضاء الإلكتروني الإيراني يعمل نيابة عن الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهو فرع من جيش البلاد. ويدير الحرس الثوري برنامج الحرب السيبرانية، وهناك تقديرات حول أنهم في عام 2008 قاموا بتوظيف حوالي 2400 من المحترفين. وبالإضافة إلى ذلك، فاهم على تواصل مع مجموعات القراصنة المستقلة مثل آشيانه و جيش إيران السيبراني.
ويتولى الحرس الثوري أيضا قيادة الميليشيا التطوعية شبه العسكرية الإيرانية المعروفة باسم قوة مقاومة الباسيج. وفي عام 2010، أنشأ الباسيج مجلس الباسيج السيبراني،و لكنه يركز على وسائل الإعلام وتأثير العمليات أكثر من الهجمات الإلكترونية.
التحول إلى التخريب المتعمد
بحلول عام 2012، تجاوزت الهجمات الإلكترونية الإيرانية عمليات التشويه البسيطة على شبكة الإنترنت وانتقلت بشكل خاطف إلى تلك الهدمات التي استهدفت تدمير البيانات وإغلاق الوصول إلى المواقع الحيوية. ويخفي المهاجمون علاقاتهم الحكومية من خلال الاختباء وراء أسماء مستعارة تشبه تلك التي يستخدمها المخترقون المستقلون من أجل العدالة وحقوق الإنسان.
وواحدة من هذه المجموعة تسمى نفسها سيف العدالة القطع. وفي عام 2012، شنت ھجمات إلکترونیة ضد شرکة النفط أرامکو السعودیة، مدعیة احتجاجھا علی الاضطھاد السعودي والفساد الممول من خلال النفط. واستخدمت الهجمات كود “مسح” يقوم باستبدال البيانات على محركات الأقراص الصلبة وينتشر من خلال شبكة الشركة عن طريق فيروس يطلق عليه اسم شمعون.
كما أن أكثر من 30.000 جهاز كمبيوتر قد أصبح غير قابل للتشغيل في شركة أرامكو السعودية وراس غاز القطرية، والتي تم استهدافها أيضا. وقد اتهم مسؤولو المخابرات الأمريكية ايران بالقيام بتلك الهجمات.
جدير بالذكر أن إيران كانت قد نشرت برامج مسح ضارة من خلال أعمال تخريبية أخرى، أبرزها هجوم عام 2014 على شركة رمال لاس فيغاس. ويعتقد أن الهجوم كان ردا على تصريحات من قبل شيلدون أديلسون، وهو أكبر مساهم للشركة. واقترح أديلسون وضع قنبلة فى صحراء إيرانية لاقناع البلاد بالتخلى عن الاسلحة النووية.
وفي عام 2016، عاد فيروس شمعون إلى الظهور، وقام بمحو البيانات من آلاف من أجهزة الكمبيوتر في وكالة الطيران المدني السعودية وغيرها من المنظمات.
وقام القراصنة الإيرانيون الذين يعملون لحساب الحكومة بعمليات مكثفة موزعة من أجل منع الخدمة، مما أدى إلى إغراق المواقع بالكثير من عمليات الدخول مما أدى إلى تعذر الوصول إليها. ومن عام 2012 إلى عام 2013، أطلقت مجموعة تطلق على نفسها مقاتلي عز الدين القسام للفضاء الإلكتروني سلسلة من الهجمات التي لا حصر لها والموزعة لقطع الخدمة ضد البنوك الأمريكية الكبرى. وأعلن المهاجمون أن البنوك “ممتلكات اميركية صهيونية”.
وفي عام 2016 اتهمت الولايات المتحدة سبعة قراصنة إيرانيين غيابيا بالعمل نيابة عن الحرس الثوري للقيام بهذه الهجمات على البنوك، والتي قيل أنها تسببت في خسائر بلغت عشرات الملايين من الدولارات. وقد يكون الدافع انتقاما للعقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران أو هجوم ستوكسنت على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.
المساعدة الخارجية
قد تعزز إيران قدراتها في مجال الحرب السيبرانية بمساعدة الأجانب.
ووفقا لما قاله عضو الكونغرس السابق بيتر هوكسترا، الذي ترأس لجنة الاستخبارات الدائمة في مجلس النواب، فظهور إيران السريع كتهديد سيبراني كبير ينبع على الأرجح من علاقاتها الوثيقة بروسيا. ويعتقد ماثيو ماكنيس، وهو زميل مقيم في معهد المشروع الأمريكي، أن إيران تحولت إلى روسيا لتخوض ساحة المعركة السيبرانية مع الولايات المتحدة والغرب.
وقد تناشد إيران المكسيك أيضا لدعم الحرب السيبرانية. ووفقا لأحد الأفلام الوثائقية التي بثتها شبكة تلفزيون يونيفزيون في عام 2011، قام سفير إيراني سابق في المكسيك بقبول خطة من الطلاب المكسيكيين السريين لشن هجمات إلكترونية تعطيلية ضد الولايات المتحدة.
وشملت الأهداف البيت الأبيض، ووكالة المخابرات المركزية، وومكتب التحقيقات الفدرالي والمنشآت النووية. ويعرض الفيلم الوثائقي أيضا مسؤولين فنزويليين وكوبيين في المكسيك وهم يعربون عن اهتمامهم بالمؤامرة.
تعزيز برنامجهم لحرب الإنترنت
قد تنظر إيران إلى حرب الإنترنت كوسيلة للتغلب على مساوئها العسكرية مقارنة بالولايات المتحدة. ولهذا الغرض، من المرجح أن تستمر في تحسين قدراتها على الإنترنت.
يذكر أن احتواء برنامج الحرب الإلكترونية في إيران من المرجح أن يكون أكثر صعوبة من احتواء برنامجها النووي. رمز الكمبيوتر من السهل إخفاءه، ونسخه وتوزيعه، مما يجعل من الصعب للغاية تطبيق ضوابط الرقابة على أسلحة الحرب الإلكترونية. الأمر الذي يترك الأمن السيبراني والتسلسل الإلكتروني كأفضل خيارات أمريكا للدفاع ضد التهديد السيبراني الإيراني.