پیمان هوشمندزاده هو كاتب إيراني، ومصور تخرج الكاتب في جامعة آزاد الإسلامية، ثم بدأ عمله كمصور مع منشورات ووكالات، إلى جانب مشاركته في العديد من المعارض الفنية على مستوى العالم لعرض صوره، كما حاز أيضًا على عدة جوائز في الكتابة، وصدرت له عدة مجموعت قصصية مثل “على الجفن، نقطتان، وقت زهور القصب، القرن”.
ترجمة: نسمة طارق
تأليف: پیمان هوشمندزاده
النص من مجموعته القصصية: نقطتين ( دو تا نقطه )
إيليا طفل جميل، ولد لطيف وبسيط . يحب الاستلقاء على ملابس أمه ولا يعلم لماذا؟ هو يعشق رائحتها فحسب لكنه لا يدرك السبب. لا يلعب أي طفل معه؛ لأنه مازال صغيرًا جدًا، صغير لدرجة أنه حينما يريد أن يلعب كرة القدم مع جيرانه لا يقبلونه حتى كحارس مرمى.
يود أن يذهب إلى الإستاد مع والده يومًا ما ، وقد وعده والده بذلك، رغم أنه لا يدرك ماهية الإستاد أو ما حجمه، لكنه رآه في التلفاز، وقد قال شخصًا لم يره على الشاشة إن الإستاد يضم مئة ألف شخص، لم يدرك ما مقدار المئة ألف شخص! لكنه يعلم أنه لابد أن يكون عددًا كبيرًا جدًا .
يقول عمه “الأطفال السيئيين يبللون سريرهم”، ولكنه طفل جيد حتى وإن كان يبلل نفسه ليلًا، وسريره أيضًا. كما أنه لا يعلم لماذا لا يجب أن يتناول البطيخ ليلًا لكنه يعلم أن لا بأس من تناوله نهارًا.
و لا يعلم أيضًا ماذا تعني كلمة “فاميلي” ولكنه يعلم أن لقبه ” يكَانه “، و كذلك والده، رغم أنه لا يعلم ماذا تعني كلمة ” يكَانه ” لكن منذ عدة أيام، كان مع أمه حينما سمعها تقول “يكَانه ” عدة مرات في كل مكان ذهبوا إليه، فعندما وقف مع أمه أمام المنضدة التي يجلس خلفها رجل لم يستطع أن يراه… قائلا :
ــ قلتي یگانه ؟
ــ نعم .. یگانه، أيوب یگانه.
حتى أن السائق عندما دق جرس المنزل، سأل أمه : بيت السيد يكَانه؟ محتاجه تاكسي ؟
انخفض زجاجة نافذة السيارة، يرتطم الهواء بوجه أمه، تبكي، ولكن إيليا صغير لدرجة أن الهواء لم يرتطم بوجهه، ولم يبكِ أيضًا، ويدرك أنه لا يجب أن يخرج رأسه من نافذة السيارة.
يحمل عدد من الناس أعلام حمراء، يحركونها بقوة، ويهتفون بحماس .
سأل أمه : ماما .. هما رايحين فين ؟
تحاول أمه أن تجعل صوتها طبيعي : رايحين بيوتهم.
ــ وجايين منين؟
ــ من الإستاد
إيليا يفضل اللون الوردي أكثر، ولكن الآن أحب اللون الأحمر. أخبره عمه أنه ولد، وأن اللون الوردي لون الفتيات،هو يعلم أنه ولد ، لكنه لا يفهم ماذا يعني لون الفتيات ؟
يرتفع صوت الآذان من راديو السيارة، وتنهمر دموع والدته أكثر، وكذلك يرتطم الهواء بوجهها. لم ينظر إليها، عيناه صوب الشارع والسيارات فقط. بجانب الشارع تقف عدة عربات نقل لبيع البطيخ، يحب البطيخ كثيرًا، لكن الليل قد حان.
ــ ماما أنا عارف أن مينفعش أكل بطيخ بليل.
تحتضن الأم طفلها وتضع رأسها على رأسه، وتزداد دموعها، وتقول باكية : بارك الله فيك يا ابني، أنت ولد طيب.
رغب أن يعودوا للمنزل بسيارتهم كي يقول لوالده أنه لا يريد أن يتزوج إبنة عمه فالآن قد ظهرت في حياته فتاة أخرى، فقد أحب تلك الفتاة التي كانت صورتها معلقة على جدار المشفى، وتضع إصبعها أمام أنفها، وأنه يريد أن يتزوجها، فاتخذ قراره. رفع رأسه من على صدر أمه، نظر إلى عينيها وقال: ماما أنا مش عاوز پرستو تاني، أنا عاوز اتجوز البنت اللي شاورتلك على صورتها .
وافقت أمه، لطالما وافقت ليسعد، حتى تلك الليلة التي طلب فيها أن يتزوج زوجة جارهم التي تبلغ ثلاثين عامًا، وافقت، ووافق جارهم قائلًا أنه من أجل إيليا مستعد أن يطلقها.
مرت ستة أيام، تجولت فيها كل أنحاء المدينة، وها هي قد وصلت إلى المشفى الأخيرة التي قد اتخذ فيها إيليا قراره أنه لا يريد الزواج من برستو.
إيليا طفل طيب، لكنه وحيد بلا أخوة، كان يعلم ما هي نباتات العيد، لكنه لم يعرف ما هو نبات العدس أو معنى قول جدته ” لا تحضر لنا العدس ” لكنه أدرك أن نبات العيد طيب، ونبات العدس سيء. وقد فهم هذا فقط من حديث جدته، واعتاد أن لا يسأل عن الأشياء التي يفهمها، والتي لا يفهمها يسأل عنها فيما بعد.
فمثلًا لم يكن يعرف ما هي الأزمة القلبية ولكنه أدرك أنها شيء سيء ثم توصل بعد ذلك إلى هذه النتيجة، أن العدس والأزمة القلبية أشياء سيئة، كما لم يفهم معنى كلمة تشريح، لكنه قرر ألا يسأل الآن. فهناك أشياء كثيرة لا يفهمها، و عندما يسأل يستمر عدم فهمه لها. مثلًا يعد حتى الرقم عشرين وعندما سأل والدته ما آخر الأعداد، لم يفهم ما مقدار المالانهاية ؟
الهواء يرتطم بوجه أمه، ومازال لا يعلم ما معنى بلا نهاية أو أين، لكنه أدرك أن كل مكان يجب أن يكون مثل المالانهاية ولم يكتشف لماذا تبكي أمه، و لماذا يأتون إلى المشفى يوميَا.
لم ير وجه ذلك الرجل، لكن فهم أن السيد يبحث مرة أخرى.
ــ قلتي یگانه؟
ــ نعم .. یگانه، أيوب یگانه.
ــ مش موجود، لكن في شخصين من غير اسم وبطاقة، زوجك كام سنة ؟
ــ 37 سنة.
ــ واحد منهم في نفس السن تقريبا، لو قررتي تتعرفي علي الجثة، لازم تصريح من مدير المستشفى، وتروحي التلاجة .
أدرك إيليا أن تصريح الذهاب للثلاجة ليس بحوزتهم، ويجب أن يأخذوا التصريح من مدير المشفى، لكنه لا يعرف أين الثلاجة، ولماذا يجب أن يذهبوا إليها .
انتظرا في ساحة المشفى، ليصدر المدير التصريح ، حيث المكان الذي رأى فيه صورة الفتاة التي تجبر الجميع على الصمت، وأشار لوالدته .
عندما ذهبت أمه إلى الثلاجة، تجول داخل ساحة المشفى، و ضحك للشخص الذي كان يجلس على الكرسي، ثم تقدم وسأله، أين الثلاجة ؟
وهنا فهم ما هي الثلاجة، حيث أنها مكان بارد، ولهذا عندما جاءت والدته كانت يداها باردتان، ولابد أن المكان مظلم لذا كانت تبكي، فهم إيليا هذه الأشياء، والأشياء التي يفهمها لا يسأل عنها، لكنه لم يفهم ماذا تعني كلمات جثة و تشريح وهل هي أشياء جيدة أم لا ؟
ــ يقدروا يشرحوا كل شخص يدخل هنا بدون تصريح؟
ــ كان أمر من مدير المستشفى، لإن مكانش معاه أي اثبات لشخصيته، واطمني .. لوحضرتك كتبتي شكوى، هيسلمولك أي فلوس كانت مع الجثة.
مرة أخرى، انخفض زجاج نافذة السيارة، يرتطم الهواء بوجهها، وتبكي، لكنه صغير لدرجة أن الهواء لايرتطم بوجهه ولايبكي أيضًا. وقف إيليا بين الكرسيين، وضع يديه على كلا منهما، حتى يرى ما أمامه، السيارات من الخلف تسلط الضوء، يأتي صوت الآذان من الراديو، العدس سيء حد المالانهاية، وقد خرجتا عينا سائق التاكسي من المرآة من كثرة التحديق في وجه أم إيليا.