في أكتوبر من هذا العام، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باتخاذ خطوة هامة نحو التصدي لقائمة الأنشطة غير المشروعة والمتزايدة دائما لإيران وذلك برفضه التصديق للكونغرس على أن الاتفاق النووي المعيب الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما لا يزال في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. والآن يحتاج إلى منع الكونغرس من التخلي عن النفوذ الذي قام بتأسيسه.
وفي سياسة أمريكية جديدة تم الكشف عنها تجاه طهران، أصدر الرئيس الأمريكي ترامب، لائحة اتهام قوية لكل من إيران والاتفاق النووى. وبداية من استمرار إيران في تطوير القذائف الباليستية ذات القدرة النووية إلى رفضها السماح بإجراء عمليات تفتيش دولية في المواقع العسكرية الرئيسية والتوسع العسكري الإقليمي في اليمن وسوريا ولبنان، فأوجه القصور الأساسية في الاتفاق النووي جعلت إيران أقوى على حساب الأمن القومي الأمريكي. واختتم الرئيس عرضه بتحذير واضح للعالم قائلا إما اصلاح هذا الاتفاق السيئ أو أن الولايات المتحدة ستعيد العقوبات الصارمة التي فرضت على دولة اجنبية على مر التاريخ.
يذكر أن تهديد الرئيس وجه صدمات دبلوماسية واقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا. وتوقف تجار السوق السوداء داخل إيران عن مبيعات العملات الأجنبية بسبب التحطم المفاجئ في قيمة الريال الإيراني ليصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ ما قبل بدء تنفيذ الاتفاق النووي. وتقوم إيران حاليا بخفض حصتها من النفط بشكل كبير في السوق الفورية، في محاولة لتجاوز فترة عدم التأكد من العقوبات.
وقامت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال بتعليق الجهود المبذولة لتطوير حقول الغاز الطبيعي في جنوب بارس الإيرانية إلى حين معرفة نوع العقوبات الجديدة التي قد تأتي من الولايات المتحدة. ويقوم الدبلوماسيون الأوروبيون باقتحام الكابيتول هيل الذي مطالبين أعضاء الكونغرس بعدم إعادة فرض عقوبات، بينما يعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون علنا بوجود عيوب جوهرية في الاتفاق القائم فيما يتعلق بالشروط التقليدية والصواريخ الباليستية.
وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين السابقين في إدارة أوباما من أن حلفاء الولايات المتحدة سيتجاهلون التصريح الرئاسي ويتركون واشنطن معزولة، فالدليل واضح على أن التصريح كان له تأثير سلبي على إعادة الاستثمار الأوروبي وهز الاقتصاد الإيراني. ويجب أن تطمئن أحداث الشهر الماضي الرئيس إلى إنه اتخذ القرار الصائب، على الرغم من المخاوف التي أبداها بعض أعضاء اللجنة المشتركة بين الوكالات والذين يفتقرون إلى الرؤية الاستراتيجية أو الثقة الأخلاقية.
وبعد أن فشل أنصار الاتفاق النووى فى ثني الرئيس عن رأيه، أصبح لديهم هدفا جديدا، وهو الكونجرس الامريكى. وفي حين تتمتع السلطة التنفيذية بسلطة كاملة من أجل فرض تغييرات على الاتفاق النووى من جانب واحد وذلك من خلال تعزيز شروط التنازل عن العقوبات الامريكية، إلا أن ترامب قام بتوجيه إنذار للكونغرس مفاده، إما إصلاح الاتفاق بشكل قانوني أو مواجهة إنهاءه.
وفي بداية الأمر، يبدو أن الكونغرس قد يستجيب لدعوة الرئيس. وتم تعميم مشروع قانون على كابيتول هيل والذي قد يجبر على إعادة فرض فوري لجميع العقوبات الأمريكية على إيران ما لم يوقف النظام برنامجه للصواريخ الباليستية ويسمح للمفتشين بالدخول إلى المواقع العسكرية الرئيسية التي قد يتم فيها القيام بأعمال نووية سرية. وتم استخدام التهديد بفرض العقوبات الأمريكية لمحو العديد من الشروط التقليدية الوارد في الاتفاق النووي الأصلي، والتي مهدت طريقا نحو برنامج إيران نووي معترف به دوليا في غضون عقد من الزمان.
والآن، وبعد شهرين تقريبا من سحب الرئيس شهادته، أصبح من الواضح بشكل متزايد أننا نتوجه نحو حطام تشريعي. ويقوم مؤيدو الاتفاق النووي بغلق الطريق على الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مما يضمن عدم وجود أصوات كافية لكسر مجموعة القوانين المتعلقة بالتشريع والتي تثبت “الاتفاق” بالفعل.
إن إنهاء الاتفاق يعني عدم وجود متطلبات تدعو إيران لوقف تطويرها للقذائف الباليستية ذات القدرة النووية، على الرغم من أن قرار مجلس الأمن الدولى الذى يعمل على تنفيذ الاتفاق يدعو إيران الى القيام بذلك. وإنهاء الاتفاق سيعني أيضا أنه سرعان ما سيكون هناك تنفيذ صارم لعمليات التفتيش في المواقع العسكرية الإيرانية. وسيكون هناك آلية لفرض عقوبات تلقائية إذا كسر الإيرانيون التزاماتهم.
وسيعني ذلك أيضا تصديق الرئيس كل 90 يوما شرطا لإثبات الاتفاق. والشيء الوحيد المتبقي هو إضفاء الشرعية على هذه الصفقة التي ترتبط ببيانات سياسية لا معنى لها وغير ملزمة تهدف إلى إضفاء غطاء سياسي لأعضاء مجلس الشيوخ الذين لا يريدون أن يظهروا ضعفاء بشأن إيران.
ونظرا لصلاحيات السلطة التنفيذية التي لا جدال فيها في تغيير السياسة الأمريكية بشأن الاتفاق الإيراني وإعادة فرض العقوبات كلما رغب الرئيس، فعلى قيادة مجلس النواب ومجلس الشيوخ أن يتذكروا أن تشريع إيراني سيئ أسوأ من عدم وجود أي تشريع. ويجب على الكونغرس ألا يقوم بالتصرف إلا إذا كان يمكنه أن يمرر تشريعات تزيد من النفوذ الأمريكي لتغيير السلوك الإيراني من خلال تسليط العقوبات كالسيف على رقبة النظام وشركائه التجاريين المحتملين في أوروبا.
ويمكن لزعيم الاغلبية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، والمتشدد فيما يتعلق بإيران منذ أمد بعيد، أن يقوم بالاحتجاج دائما بالخيار النووى لمجلس الشيوخ لمنع الخيار النووى الايرانى. ولكن إذا كان هذ التحرك بعيدا عن الطاولة، ولا يمكن التغلب على النشاط المعاد للتشريع الهادف، فيجب على الكونجرس أن يعيد القضية إلى البيت الأبيض، ويجعل تقلب الرئيس أمرا أساسيا ضمن الجهد الواسع لخفض تحركات إيران.