التطورات التي تحدث في الشرق الأوسط قد عملت على تسليط الضوء مرة أخرى على إيران وإغراءاتها المهيمنة. ويأتي هذا بالتوازي مع الدعوات التي وجهتها أطراف مثل فرنسا وألمانيا، والتي كانت إيران تعول عليها من قبل في مواجهة الضغوط الأمريكية، مطالبة إيران بكبح برنامجها للصواريخ الباليستية ودعم المجموعات التي تعمل بالوكالة في المنطقة.
وفي حين أن جميع هذه التدابير ضرورية وتستحق التصعيد، تتطلب انتهاكات حقوق الإنسان في طهران مزيدا من الاهتمام. وهذه هي القضية الوحيدة التي يرتجف النظام الحاكم خوفا منها وهي التي تقدم الدعم المباشر للشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية والديمقراطية وجميع القيم الأخرى التي يتبناها عالم القرن الحادي والعشرين.
وفي الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم الدولي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر، فالإيرانيون أيضا يمضون قدما في السنة الأولى من الولاية الثانية للرئيس الإيراني حسن روحاني.
وفي حين كان يطلق عليه لقب “معتدل” في السياسة الإيرانية، وبجانب الكثير من الخلافات بهذا الشأن، كان المشهد الذي شهدته إيران خلال فترة ولايته بعيدا عن ذلك. وكان تنفيذ أكثر من 3500 عملية إعدام بكل بساطة يمثل وصمة العار الأولى في تقرير شنيع حول انتهاكات حقوق الإنسان.
التقرير الجديد الذي أعدته إيران لمراقبة حقوق الإنسان والذي استعرض محنة حقوق الإنسان في إيران خلال عام 2017 يسلط الضوء على واقع يسعى النظام إلى إخفائه عن العالم.
وأشارت السيدة أسماء جاهانغير، مقرر الأمم المتحدة الخاص والمعنية بحالة حقوق الإنسان في إيران في تقرير نصف سنوي، إلى عدم وجود سلطة قضائية مستقلة في إيران. وأضافت أن تحسين وضع حقوق الانسان فى البلاد يتوقف على اصلاح الجهاز القضائى.
وأشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2016-2017 إلى أن إيران، باستثناء الصين، تستضيف 55 في المائة من جميع عمليات الإعدام في العالم.
وفي يونيو استخدم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مصطلح “حرية إطلاق النار” في خطاب، مما أدى إلى زيادة في التدابير القمعية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.
ووفقا لتقرير هيومن رايتس مونيتور إيران، تشمل تلك الانتهاكات زيادة بنسبة 22٪ في عدد الاعتقالات، وزيادة بنسبة 25٪ في عمليات إعدام النساء، وإعدام أربعة أحداث من الشباب، وارتفاع في معدل العقوبات اللاإنسانية والمهينة.
جدير بالذكر أن إيران كانت قد شهدت 520 عملية إعدام منذ بداية عام 2017 حتى نهاية نوفمبر، في حين أبلغت وكالات الأنباء الرسمية للنظام عن 91 حالة فقط. منها 28 حالة شنق علنية، وخمس قضايا تتعلق بسجناء سياسيين.
وأدى القتل الممنهج للحمالين من قبل قوات أمن الدولة في المناطق الحدودية الإيرانية، والذي بلغ 84 حالة من هذا القبيل حتى الآن في عام 2017، إلى إثارة ضجة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وحتى في وسائل الإعلام الدولية.
كما أن التقرير يلقي الضوء على الأوضاع الوحشية في سجون إيران. وأدت إجراءات القمع الصارمة إلى جعل السجون معبأة بالسجناء، مما أدى إلى سوء الظروف الصحية، وانخفاض نوعية الغذاء وغيرها من المعضلات الأخرى التي يعاني منها السجناء.
يذكر أن السجون الإيرانية تضم ايضا 640 سجينا سياسيا على الأقل، وهي مسألة ترفض طهران الاعتراف بها او تقديم أي معلومات عنها. وهؤلاء الأفراد يتعرضون للتعذيب باستمرار ويضعون تحت ضغوط لاإنسانية، ونتح عن ذلك أكثر من 56 ضحية للتعذيب العقلي والنفسي.
وقال التقرير إن إحدى هذه الممارسات البشعة كانت تكبيل السجناء في عمود والتي شوهدت فى سجن أردبيل بشمال غربى ايران.
وإيران معروفة أيضا بأنها تلجأ إلى تدابير لاإنسانية شبيهة بما كان يحدث في العصور الوسطى. وقد تم تسجيل خمسة حالات تم بتر أطرافهم، و 32 حالة جلد، وأكثر من 105 مسيرة استعراض مهينة للسجناء في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2017.
إيران التي يحكمها نظام قائم على أساس القمع، تعرضت لانتقادات منذ فترة طويلة بسبب افتقارها لحريات الصحافة، حيث يوجد حاليا أكثر من 30 صحفيا و 18 مدونا وراء القضبان في جميع أنحاء البلاد. وتم حظر خمسة صحفيين على الأقل من أي نشاط من هذا القبيل، وعشرات آخرين يقضون عقوبات مشددة.
وفي تقريرها الصادر في أبريل، صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” إيران في المرتبة الخامسة والستين بعد المائة بين 180 دولة في مؤشرها لحريات الصحافة، مضيفا أن البلاد التي يحكمها نظام طهران يعتبر أحد أكبر السجون في العالم للصحفيين.
وبعد فرض الرقابة لعقود من الزمن وإبعاد الشعب الإيراني عن العالم الخارجي، يتفهم النظام الذي يحكم إيران قوة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية بصفة خاصة.
وفي حين أن إيران لا تستطيع أن تقوم بقطع الإنترنت تماما، فمجرد تواجد قرابة 40 مليون إيراني يوميا على الإنترنت يعد قنبلة موقوتة بالنسبة لطهران. وقد اتجه النظام إلى حظر وتصفية العديد من المواقع والمنصات، وخاصة تليجرام، الذي يعتبر له شعبية كبيرة جدا في إيران بسبب الخصوصية والأمن الذي يوفره البرنامج لمستخدميها.
وأعلن المسؤولون الإيرانيون علنا تصفية حوالي 16،000 إلى 20،000 من قنوات تليجرام، ومنع أي بث فيديو مباشر على إينستاجرام وتصفية موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
وتشهد الأقليات الدينية والعرقية في إيران، وعلى وجه التحديد المسيحيين والبهائيين، قيودا مماثلة، وذلك بجانب عدم الاعتراف بها من جانب المتطرفين الحاكمين في إيران ووضعهم بشكل ممنهج تحت ضغط من المسؤولين والسلطات الحكومية. وأشارت المقرر الخاص للأمم المتحدة في تقريرها إلى مضايقات الأقليات الدينية والعرقية، وخاصة تولي الحرس الثوري الإيراني مسؤولية اعتقال أفراد الأقليات.
ولأول مرة يشير تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة إلى مذبحة أكثر من 30 ألف سجين سياسي، والتي تتألف في معظمها من أعضاء ومؤيدي حركة أو منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في عام 1988.
وشاركت لجنة من كبار السياسيين الأمريكيين في مناقشة دارت مؤخرا في واشنطن العاصمة، حيث كشفت النقاب عن صدور كتاب جديد نشره الممثل الأمريكي في مكتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو الائتلاف الرئيسي الذي يضم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجموعات الإيرانية المنشقة الأخرى.
وقد أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرتين عن تضامن الشعب الأمريكي مع إخوتهم الإيرانيين، مما يشير إلى تناقض صارخ مع سياسة سلفه الذي فشل في الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني خلال انتفاضة عام 2009.
ومن الضروري جدا فرض عقوبات ومجموعة متنوعة من التدابير المقيدة التي تستهدف نشاط طهران النووي، وبرنامج القذائف الباليستية، ودعم الإرهاب والمجموعات التي تعمل بالوكالة. وبالتوازي مع تلك الإجراءات، يجب أن يضع المجتمع الدولي تدابير تستهدف كبار المسؤولين الإيرانيين والكيانات التي تقف وراء انتهاكات حقوق الإنسان.