إذا كان هناك قاسم مشترك يفسر الكثير من الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، مثل تحركات المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وسوريا وإسرائيل واليمن، فيمكن التعبير عن هذا القاسم بكلمة واحدة: إيران.
إن الجميع يضع القوة والنفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة في الاعتبار، بما في ذلك إيران. وهذا الهاجس يجعل الكثيرين في حالة من الجنون.
وعلى سبيل المثال، ففي الواقع تريد إدارة ترامب، ومثلها إدارة باراك أوباما، الابتعاد عن الشرق الأوسط، وذلك قدر الإمكان، ولكن مع ترك القليل من التأثير الإيراني ورائهم قد المستطاع.
يذكر أن المملكة العربية السعودية، تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تريد المضي قدما في الشرق الأوسط وإصلاح اقتصاد البلاد في القرن 21، مع الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة قد الإمكان.
ويريد الإيرانيون السعي نحو توسيع نفوذهم من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط ، وذلك ليس عن طريق خلق نموذج إنمائي ناجح وجذاب في الداخل حيث يريد العرب وغيرهم من المسلمين أن يحذو حذوه، بل بالأحرى من خلال اقتحام لبنان وسوريا والعراق عن طريق الميليشيات الشيعية المحلية التي أنشأت دولا داخل هذه الدول.
وهذا يولد الكثير من القلق في العالم العربي والولايات المتحدة وإسرائيل دون أن ما يكفي من الأشخاص للتراجع والتفكير. ولذلك تسيطر الميليشيات الموالية لإيران على مجموعة من الأحياء السيئة في بيروت وصنعاء ودمشق وبغداد. إذا، ما هي الجائزة الثانية؟ ما الذي “سيفوزون” به حقا؟
جدير بالذكر أن إيران غنية بالسكان الموهوبين غني، وكذلك غنية بالثقافة الفارسية. ولكن بدلا من إطلاق العنان لكلاهما وتمكين شباب إيران من تحقيق إمكاناتهم الكاملة، وجعل البلاد مؤثرة على هذا النحو، يقوم آيات الله بقمع تلك المواهب في الداخل وإطلاق قوة من المرتزقة الشيعة على لبنان وسوريا والعراق واليمن، وفرض نفوذهم بهذه الطريقة البديلة.
وفي الواقع يعد ذلك مثير للشفقة. إن أكبر شيء يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة والسعودية هو التوقف عن إجهاد بعضهم البعض بشأن هذا “التهديد” الإيراني والتركيز على جداول أعمال الإصلاح الداخلية. وسيكون ذلك أفضل انتقام من طهران.
وبالنسبة للمبتدئين، يجب على جميع القادة الأمريكيين والأوروبيين والعرب أن يشجعوا محمد بن سلمان على المضي قدما إلى حيث لم يتجرأ أن يذهب أي زعيم سعودي قبله، وملاحقة هدفه المعلن المتمثل في تغيير مسار الحق الديني الذي اتخذته المملكة في عام 1979، بعد أن استولى متشددون مسلمون على المسجد الحرام في مكة المكرمة. الأمر الذي دفع الحكام السعوديين في ذلك الوقت إلى حظر المرح، وتشديد سيطرة الشرطة الدينية على المجتمع، وتصدير أكثر من ذلك بكثير بشكل أكثر عدوانية.
وإذا وفى محمد بن سلمان بوعده بإعادة الإسلام السعودي إلى “الاعتدال”، فمن المؤكد أن ذلك سيحسن وضع المرأة المسلمة، ونوعية التعليم في المجتمعات الإسلامية، والعلاقة بين المسلمين والأديان الأخرى في جميع أنحاء العالم. وفي الغرب قد تم إنفاق مبالغ هائلة “في مواجهة التطرف الإسلامي”. وقد يكون هناك أخيرا زعيم سعودي مستعد للقيام بذلك العمل، وسوف يستفيد على مر الزمن من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
ولكن من أجل أن يقوم ولي العهد السعودي بالمضي قدما فتلك الأجندة تتطلب من المملكة العربية السعودية أن تكون قوية وصحية اقتصاديا. وللأسف، المملكة العربية السعودية الآن بعيدا عن ذلك، حيث كان مسارها في السنوات الأخيرة يتجه نحو الانخفاض بشكل حاد. ومعظم السعوديين اليوم يركزون على الحصول على الوظائف والتعليم، وليس على إيران، وإذا كان يمكن لولي العهد إصلاح تلك الاحتياجات من خلال خطة الإصلاح الخاصة به فسيساعد ذلك فقط على الدفع نحو الإسلام السعودي المعتدل.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فأصدقاء محمد بن سلمان الحقيقيين قد يخبرونه أيضا أنه في حين تقوم إيران بتوسيع نفوذها عبر العالم العربي، لا يملك السعوديين القوة الكافية لاقتلاع رأسها الآن. لقد أمضى الإيرانيون قرابة 40 عاما في تطوير نفوذهم من خلال شبكات سرية ووكلاء شيعة.
وفي الوقت نفسه، كتب السعوديون شيكات للميليشيات السنية. أو قاموا بشراء منظومات أسلحة كبيرة لم تعد مجدية في عصر الحرب غير النظامية، وأدى ذلك فقط إلى نوع عمليات القصف الجوي السعودي في اليمن الذي أسفر عن الكثير من الوفيات بين المدنيين والأمراض والمجاعات، ووضع الرياض في مأزق مكلف. وتحتاج المملكة العربية السعودية إلى إنهاء هذه الحرب، الآن، والخروج من اليمن، حتى لو كان ذلك يعني ترك بعض النفوذ الإيراني ورائها.
جدير بالذكر أن آخر ما تحتاج السعودية أو أي من الحلفاء العرب حاليا من الرئيس ترامب هو ما قال البيت الأبيض أنه سيقوم به يوم الأربعاء، والذي يتمثل في الإعلان عن خطط لنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. ولا يوجد ما هو سبب لزعزعة الاستقرار أكثر من ذلك. إنها هدية مغلفة ومقدمة مع إنحناء لإيران وحزب الله. ويمكن الرهان على أنها ستستخدمها لتقديم السعوديين والأردنيين والأمم المتحدة والسلطة الفلسطينية ومصر كجهات ميسرة للـ “الأجندة الصهيونية” الأمريكية.
وفي الوقت الذي توسع فيه إيران نفوذها، وحلفائنا العرب مشغولون بالإصلاحات الداخلية، التي تتطلب الكثير من المعاناة لعامة الجمهور مما يضر بشرعية قادتهم، فهذا هو آخر ما يحتاجونه من صديقهم الأمريكي. إنها طريقة مثيرة للشفقة بالنسبة لترامب لصرف الانتباه عن فشله المطلق في إحراز أي تقدم بشأن الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية.
يذكر أن هذه طريقة مثيرة للشفقة أيضا لإخفاء حقيقة أن أمريكا غير موجودة بشكل حقيقي في الشرق الأوسط هذه الأيام. والقدرة على تشكيل الأحداث هناك أقل من أي وقت منذ الحرب العالمية الثانية.
ويقول إيفو دالدر، رئيس مجلس شيكاغو للشؤون الدولية، “للمرة الأولى منذ عام 1945، لم تعد أمريكا رائدة”. وأضاف على الرغم من أننا أقل قوة “فبإمكاننا أن نظل مؤثرين”. وقال “لكن هذا التأثير يجب ان يأتي من خلال بناء ائتلافات قوية”.
وللأسف، ليس لدى ترامب الصبر على بناء مثل هذا الائتلاف ولا الرغبة في تقديم التنازلات مع الحلفاء، ناهيك عن المنافسين الكريهين مثل روسيا أو إيران، والذين سيكون تواجدهم ضروري لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط عندما لا تملك أمريكا القوة ولا الرغبة في القيام بذلك وحدها.
ولذلك سيتحرك ترامب ضد إيران ويزعم أنه هو ثور، ويقوم برمي الصواعق، مثل الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل. لكنه في الحقيقة مجرد سائح تائه، ويبحث عن الحافلة الخاصة به. وهو أمر مؤسف حقا في الوقت الذي تحتاج فيه المملكة العربية السعودية الحليف الحكيم الذي تقوم بدوره الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى، تحتاج إيران إلى مواجهة الدبلوماسية الذكية أكثر من أي وقت مضى، كما يتطلب أمن إسرائيل نوعا من الدبلوماسية الإبداعية في سوريا أكثر من أي وقت مضى.