يفسر القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح بمد يده للمملكة العربية السعودية إلى حد بعيد على أنه مؤشر على تحول كبير في الصراع اليمني.
وجاءت وفاة صالح في أعقاب اشتباكات كثيفة في العاصمة صنعاء بين حركة أنصار الله (المعروفة شعبيا باسم “الحوثيين”) والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق. وقد ساعد القتال بشراسة في صنعاء، بالإضافة إلى تكثيف الحملة الجوية السعودية ضد أهداف الحوثيين الظاهرة في المدينة، على التعجيل بالانهيار التام لتحالف الحوثي وصالح.
اتصالات صالح
إن وفاة صالح المعلن عنها، والتي يزعم أنها نتيجة للقتال مع الميليشيات الحوثية، ستضع نهاية حتمية للتحالف ككل. وفي حين أن هذا التطور لا يترجم بالضرورة إلى انتصار سعودي، إلا أنه على الأقل يوجه ضربة قوية لجهود إيران الموجهة لهزيمة الأهداف السعودية في اليمن.
والواقع، إن العزلة المتزايدة للحوثيين، بالإضافة إلى حسابات وسائل الإعلام الاجتماعية التي تظهر الغضب الشعبي ضد حكمهم، يلقي باستراتيجية إيران المتعلقة باليمن بالكامل في مشكلة. ومع غياب بديل سياسي قابل للتطبيق عن الذي اقترحه التحالف الذي تقوده السعودية، فإيران لا تملك استراتيجية يمنية مستدامة.
وفي ضوء تحالف صالح قليل الحظ مع الحوثيين، فعلاقته المعقدة مع إيران قد تم نسيانها. جدير بالذكر أن الزعيم اليمني القتيل كان بمثابة الوحش الأسود للجمهورية الإسلامية على مدار أكثر من عقدين.
يذكر أن صالح كان حليفا قويا للبعثيين في العراق وقدم لصدام حسين دعما بلاغيا وعمليا كبيرا خلال الحرب الإيرانية العراقية. والواقع أن اليمنيين الذين يعملون بكفاءات أيديولوجية ومرتزقة على حد سواء، قاموا بقتال القوات الإيرانية طوال الحرب.
وبعد انتهاء الحرب، كان دعم صالح المستمر لطموحات العراق الاستراتيجية ، لا سيما قراره المثير للجدل بدعم الغزو العراقي للكويت في عام 1990، مصدر قلق لطهران.
وفي الآونة الأخيرة، وتم التعامل مع قرار صالح بالقضاء على الحوثيين في عام 2004، والذي نتج عنه سلسلة من حركات التمرد بقيادة الحوثيين في محافظة صعدة الشمالية، على إنه تحد من إيران طالما أنها أضعفت حليف محتمل.
الدعم العسكري والسياسي لصالح
وفي حين أن أصول شراكة إيران مع الحوثيين ليست واضحة تماما، فمن المحتمل أن تكون الاتصالات أجريت في أوائل التسعينات، وذلك عندما ظهر الحوثيون لأول مرة كقوة اجتماعية وثقافية في أقصى شمال اليمن. ومن وجهة نظر إيران، قد أدى القرب الجغرافي للحوثيين من المملكة العربية السعودية إلى صعوبة تجاهلهم.
وما يدعو للسخرية، أن صالح سعى لمحاكمة الحروب المتعاقبة ضد الحوثيين جزئيا على نفس الفرضية التي اعتمدها التحالف الذي تقوده السعودية، أي أن حركة أنصار الله تمثل “حزب الله”، وبالتالي امتدادا لإيران.
وفي ظل هذه الخلفية، دعمت إيران الانتفاضة اليمنية في عام 2011، بالإضافة إلى تصور قوي ساد في طهران ويتمثل في أن المملكة العربية السعودية ساندت صالح كجزء من استراتيجية أوسع لاحتواء تأثير ما يسمى بالربيع العربي على شبه الجزيرة العربية .
إن قرار صالح بدعم استيلاء الحوثيين على صنعاء بهدوء في سبتمبر 2014 (من خلال التأثير المزعوم للجيش اليمني على عدم مقاومة عملية الحوثيين) يتفق مع الخطط الإيرانية لخلق غطاء سياسي أوسع للتقدم الحوثي.
وتم التأكيد على فائدة الرئيس السابق مرة أخرى عندما شن التحالف العسكري بقيادة السعودية حملة تفجيرات في مارس 2015. وبغض النظر عن دعم صالح العسكري والسياسي، فمن غير المرجح أن تكون حركة أنصار الله قادرة على الصمود بنجاح أمام الاعتداء الذي تقوده السعودية منذ فترة طويلة. والمسألة التي تبدر إلى الذهن في هذه المرحلة هو ما إذا كان زوال صالح سيعجل بانهيارا للحوثيين.
استراتيجية غير مكتملة
جدير بالذكر أنه على الرغم من التشكيك العميق في صالح، إلا أن الإيرانيون قاموا باستثمار رؤوس أموال دبلوماسية وسياسية كبيرة في التحالف بين حركة أنصار الله وعناصر من الجيش اليمني وقوات الأمن اليمنية.
وقد تم أكيد هذا الاستثمار من خلال رد فعل إيراني رسمي على اندلاع القتال بين الحوثيين وأنصار صالح، بالإضافة إلى قيام المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بالحث على إقامة “جبهة وطنية موحدة” ضد العدوان الخارجي.
وفي حين أن وزارة الخارجية، والمجتمع الأوسع نطاقا المختص بصنع السياسة الدبلوماسية في طهران، حريصين على تضمين الدعم الإيراني للحوثيين في تحالف يمني أوسع، فربما يتم سحب الحرس الثوري الإسلامي القوي في اتجاه مختلف من خلال المزيد من العزلة وتطرف الحوثيين.
وبعيدا عن الدعايا، فدرجة مشاركة الحرس الثوري الإيراني في الصراع اليمني ليست واضحة. وحتى الآن، لم يكن هناك أي مؤشر قوي على نشر فيلق القدس (الجناح الخاص بحملة الحرس الثوري الإيراني) في اليمن.
وفي حين أن قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، اعترف مؤخرا بالقيام بدور “استشاري” في اليمن، إلا أنه لم يحدد ما إذا كان ذلك قد قدم على الأرض أو عن بعد.
الحروب الإقليمية بالوكالة
يذكر أن هذا الافتقار إلى الوضوح يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة التنافر السياسي في طهران، خاصة إذا قرر الحرس الثوري الإيراني تصعيد دعمه للحوثيين من خلال تزويدهم بأنظمة أسلحة أكثر تقدما. وهناك أدلة على أن هذا قد يكون حدث بالفعل، حيث أفادت هيئة تابعة للأمم المتحدة بأن بقايا أربعة صواريخ باليستية أطلقت على السعودية على ما يبدو أنها إيرانية المصدر.
ومن جهته، نفى المتحدثون الرئيسيون باسم المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، بما فيهم رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية التابعة للمجلس (البرلمان) محمد جواد جمالي نوبندكاني، بشدة الادعاءات التي تركز على إمداد الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ البالستية.
وبعيدا عن التنافر في مجال السياسات، هناك مشاكل أوسع لدى الاستراتيجية الإيرانية في اليمن. وعادة، في الحروب بالوكالة الإقليمية تحاول إيران الوصول إلى جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في الصراع، حتى لخصومها الأكثر التزاما. وقد أدى هذا النهج إلى تخفيف حاد في النزاع السوري، حيث تفاوضت إيران مع ألد أعدائها من أجل الحصول على فائدة تكتيكية.
جدير بالذكر أن المشكلة في اليمن تتمثل في أن إيران ليس لها أي اتصال يذكر بالقوى التي اصطفت ضد الحوثيين، بما في ذلك حكومة عبد ربه منصور هادي الوليدة والقبائل الرئيسية ومختلف عناصر فرع الإخوان المسلمين اليمني.
إن رحيل صالح سيؤدي إلى تفاقم هذا العجز الاستراتيجي ويهدد بمزيد من التطرف في الصراع. وهذه أخبار سيئة للجميع.