ما الذي هوجم بالضبط في سوريا؟ وفقا لما ذكرته وسائل الإعلام الإيرانية الرئيسية، لم تتعرض أي قواعد إيرانية لهجوم بالقرب من دمشق. وفي الغالب كان الهجوم على قاعدة “مستودع أسلحة للجيش السوري” بالقرب من دمشق.
ومع ذلك، ووفقا لتقرير أكثر تفصيلا من وكالة أنباء الأناضول التركية ، لم يكن الهجوم على قاعدة أسلحة فقط، لقد كانت قاعدة عسكرية حيث توجد وحدة للجيش السوري ومصنع للذخائر.
وأفادت تقارير إيرانية وسورية بأن الصواريخ السورية اعترضت صواريخ أرض أرض إسرائيلية أطلقت من منطقة تل فارس بهضبة الجولان. وفي الوقت نفسه، هاجمت الطائرات الإسرائيلية أهدافا في سوريا بصواريخ جو أرض من المجال الجوي اللبناني.
يذكر أن التقارير الإيرانية تبذل جهدا لتصوير الهجوم كحادث غير مبرر في العناوين الرئيسية خاصة إذا لم يكن له علاقة بإيران. وإذا كان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يصرح علنا أنه لا توجد قوات إيرانية في سوريا، فلماذا تنكر إيران ذلك؟
ووفقا لتقارير صادرة في سوريا، كان الهجوم بالقرب من مدينة الكسوة، جنوب دمشق. وإذا كان هذا صحيحا، فهذه هي القاعدة السورية التي يتمركز فيها نشطاء حزب الله وغيرهم من القوات المدعومة من قبل إيران. إن عدم وجود رد رسمي إيراني حتى الآن، حتى الرد الذي يوضح التزامها بحماية سوريا، يمكن أن يشهد على حقيقة أن طهران لا ترغب في أن يصبح الهجوم اختبارا استراتيجيا يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وعلى النقيض من تصريحات ليبرمان، قدمت المعارضة الإيرانية تقريرا مفصلا حول موقع القواعد الإيرانية في سوريا، وانتشار القوات الإيرانية ووكلائها في ذلك البلد. ووفقا للمعارضة، يبلغ عدد أفراد هذه القوات حوالي 70 ألفا، تشمل عناصر من الحرس الثوري، والأفغان المجندين الذين يعملون كمليشيات (الفاطميون)، ومقاتلي حزب الله وغيرهم من الناشطين الأجانب. إن الاستثمار العسكري الإيراني في سوريا، حتى قبل اندلاع الأزمة في عام 2011، يوضح أن طهران لا تنوي التخلي عن الفرصة الاستراتيجية التي قد ظهرت أمامهم ، وأنها تعتزم تعزيز موقفها بشكل مباشر في سوريا، وذلك ليس من خلال نظام الأسد فحسب.
جدير بالذكر أن لإيران أهداف قصيرة الأجل وطويلة الأجل في سوريا، فعلى المدى القصير، يعتمد بقائها على التوصل إلى حل سياسي في سوريا، حيث إنها تعتزم مواصلة حملتها العسكرية على البلاد بحجة أنها جزء من القوات التي تشرف على الأمن في المنطقة. وبهذا الشأن، تقول إيران إن وضعها لا يمكن أن يكون مختلفا عن وضع تركيا أو روسيا.
إيران على عكس تركيا أو الولايات المتحدة، متواجدة بشكل شرعي في سوريا، وذلك بعد أن “تم دعوتها” من قبل النظام للمساعدة في الدفاع عنه. وما دامت هذه الدعوة قائمة، سيتم اعتبار وجود إيران هناك مشروعا. وقد تم تعزيز هذا الموقف يوم السبت خلال مؤتمر عقد فى روما تحت عنوان “حوارات البحر الأبيض المتوسط”، حيث دعا وزير الخارجية الروسى سيرغى لافروف الدول التى لم تتم دعوتها الى سوريا لمغادرتها. وكانت تصريحاته موجهة إلى الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى فالإيرانيون والروس مدعوون للبقاء.
وعلى المدى البعيد، فتعد إيران شريك في العملية الدبلوماسية التي تقودها روسيا والاتفاقات المتعلقة بالمناطق الآمنة. وتجدر الإشارة إلى أن أي حل يتم عرضه على النظام وشخصيات المعارضة والمتمردين يجب أن توافق عليه إيران. وهذه هى المرة الأولى منذ الثورة الإسلامية التى تشارك فيها إيران فى التحركات الدبلوماسية الدولية التى تهدف الى حل النزاعات فى الشرق الاوسط، حيث فازت بهذا الوضع بعد التوقيع على الاتفاق النووى.
يذكر أنه يمكن لإيران أيضا أن تساهم إلى حد بعيد في حسم مسألة الحرب في اليمن والتأثير على السياسة الخارجية للعراق. وبالتالي يمكن افتراض أنها ستفضل وضعها الاستراتيجي الجديد ولا تعرضه للخطر عن طريق اشتباك مباشر مع إسرائيل، وذلك طالما أنه يمكنها إظهار أن الهجمات في سوريا لا تضر القوات أو المنشآت الإيرانية. وهذا الوضع يعززه أيضا المنافس المقابل لها، وهي المملكة العربية السعودية، التي لم تؤتي محاولاتها لحل الأزمة الإقليمية ثمارها. إن المملكة العربية السعودية ليست شريكا نشطا في الترتيبات في سوريا، ولا نهاية الحرب التي بدأتها في اليمن والتي لا تلوح في الأفق، ولا الأزمة التي تشعلها في لبنان والتي نجحت بشكل جيد بالنسبة للمملكة.
ولكن إيران ليست الدولة الوحيدة التي تفكر في قضايا الاستجابات. وقد أوضحت روسيا بالفعل لإسرائيل ما هي الخطوط الحمراء التي عند تجاوزها لن تتمتع بحرية الحركة العسكرية في سوريا. وإذا كانت التقارير صحيحة، فروسيا قد تنظر في الهجوم الأخير على أنه بمثابة تجاوز لتلك الخطوط، حيث أنه وقع على مقربة من دمشق وقصف موجه ضد قاعدة عسكرية سورية ويمكن أن يفسر على أنه توسع في جبهة الصراع الإسرائيلي. وإذا بدا ذات مرة أن روسيا تغض الطرف عن الاعتداءات على قوافل الأسلحة الموجهة لحزب الله أو على ردا إسرائيليا ضد أهداف سورية أطلقت في اتجاه إسرائيل، فقد تتحرك روسيا الآن إلى الحد الذي يصل إلى التهديد بعمل جوي للحد من حرية حركة إسرائيل. وقد تفعل ذلك بنفس الطريقة التي هددت بها بالعمل ضد الطائرات الأمريكية أو التركية العاملة في سوريا دون التنسيق مع روسيا. وفي هذه الأيام، تشعر روسيا بالقلق من استكمال العملية الدبلوماسية، بل ذكرت أن المرحلة العسكرية في سوريا قد انتهت. ومن المتوقع ان تجرى جولة اخرى من المحادثات فى استانا وكازاخستان حتى نهاية هذا الشهر، وسوف يتم بعد ذلك عقد قمة فى جنيف. وروسيا، التي تمكنت من وقف جزئي لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وتسعى إلى وقف عام لإطلاق النار، لا تحتاج إلى جبهة جديدة بين سوريا وإسرائيل.