قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يوم الثلاثاء في مقابلة مع موقع “ينيت” إن “لا توجد قوة عسكرية إيرانية في سوريا”. وأضاف “إن ايران ليست على حدودنا. صحيح أن هناك بعض الخبراء والمستشارين ولكن لا وجود لقوة عسكرية هناك “.
وما يدعو للحيرة هو أن هذا ليس ليبرمان نفسه الذي حذر قبل أسبوعين فقط أثناء زيارته للقيادة الشمالية للجيش، من أن “إسرائيل لن تسمح بتدعيم القوات الشيعية والإيرانية في سوريا. وكل من لا يفهم ما أعنيه سيحاول أن يفهم”. ألم يقل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أغسطس الماضي، في ختام اجتماع لمجلس الوزراء، إنه” أينما تتواجد داعش تظهر إيران”، معلنا أن إسرائيل تعارض بشدة إيران وتوابعها التي تعزز قبضتها هناك؟
وبعد أسبوعين، وأثناء اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، زعم نتانياهو أن إيران تقوم ببناء منشآت لإنتاج صواريخ دقيقة الصنع في سوريا ولبنان. وقال رئيس الأركان غادي إيزنكوت، الذي عادة ما يكون حذرا جدا، في حديث لصحيفة “إلاف” السعودية عبر الإنترنت إن إسرائيل تطالب إيران وميليشياتها الشيعية الانسحاب من سوريا على الأقل باتجاه الشرق من الطريق السريع بين دمشق والسويداء، والذي يقع على بعد 37 ميلا من الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. وأضاف “لن نسمح بأي تواجد لإيران. لقد حذرناهم من عدم بناء وحدات تصنيع أو قواعد عسكرية [هناك]”.
يذكر أن سيل التصريحات التي تصدرها إسرائيل غير واضح. هل الإيرانيون موجودون بالفعل في جنوبي سوريا، وإذا كان الأمر كذلك، ما هي قدراتهم، هل كمستشارين ملحقين بالميليشيات الشيعية أو كوحدات أساسية من الحرس الثوري؟ هل تعتبر إسرائيل هذه الميليشيات قوة إيرانية فعلية؟ هل تنطبق المعارضة الإسرائيلية وخطوطها الحمراء الجديدة على وجودهم في جميع أنحاء سوريا أم في جنوبها فقط؟ وهل توجد مصانع للأسلحة الإيرانية في سوريا ولبنان أم لا؟
وقد أعطى مسؤولو المخابرات الإسرائيليون، الذين طلب منهم هذا الأسبوع أن يستخلصوا المعنى من وراء هذا الارتباك، التحليل التالي: إن التحركات الإيرانية في سوريا تعد جزء من جهودها لوضع تصور لما سيحدث التالي بعد انتصار نظام الأسد وانهيار داعش في القطاعات الشرقية للبلاد.
وهناك سباق مع الزمن يحدث هناك، فيما يتعلق بالغنائم التي خلفها الفارين من قوات داعش، وذلك بين تحالف القوى الديمقراطية السورية، التي تتألف من ميليشيا كردية ومتمردين سنة وبدعم من الولايات المتحدة، وإيران والميليشيات الشيعية التي تعمل بدعم مالي منها وتحت سيطرتها.
وتحاول إيران باستمرار إقامة ممر بري تحت سيطرتها، وذلك بداية من العراق مرورا بسوريا إلى لبنان. وهكذا، فالجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس التي تعد جزء من الحرس الثوري، يبذل جهودا كبيرة تهدف لأخذ بلدة البوكمال التي تقع في موقع استراتيجي على الممر المخطط له. وأصبح سليماني بطلا وطنيا في طهران هذا الأسبوع بسبب الانتصار على داعش.
ولا يزال الإيرانيون يبحثون عن إنجازات على الأرض لأنهم يدركون أن المرحلة المقبلة، والتي تتمثل في التسوية السياسية في سوريا، بقيادة روسيا، ستكون أكثر صعوبة. واختُتم اجتماع القمة الذى عقده الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الأسبوع الماضى فى سوتشى باختلاف في الآراء. ولا تزال هناك مسائل كثيرة دون حل مثل وضع الأكراد ومستقبل بشار الأسد.
وتجدر الإشارة إلى أن التحركات الأخرى معقدة أيضا. إن طهران ترغب في وجود قاعدة بحرية وجوية في سوريا وبالفعل بدأت في بناء قاعدة جنوب دمشق. وبالتوازي مع ذلك، تسعى طهران للحصول على موافقة لبدء استخراج المعادن في سوريا، بما في ذلك التنقيب عن اليورانيوم. وتضغط على الأسد لتوقيع عقود لمشاريع تجارية ضخمة كجزء من الجهود المخطط لها لإعادة بناء سوريا.
وهناك تحفظات لدى كلا من الأسد وروسيا بشأن تحركات إيران، بالإضافة إلى وجود خلفية من التهديدات الإسرائيلية.في هذه الأثناء لم يتم تسوية أي شيء. ويبدو كذلك أنه قد توقف بناء مصانع الأسلحة في لبنان، في حين تم القيام بقصف جوي لمصنع كبير للأسلحة على صلة بإيران في سوريا، وذلك في سبتمبر الماضي. وهناك مزاعم بأن المسؤول عن التفجير هو إسرائيل التى لم تقم بالرد رسميا على تلك الادعاءات.
وفيما يتعلق بالقوات على الأرض، تعتقد إسرائيل أن هناك حاليا عدة مئات من المقاتلين الإيرانيين في سوريا. وينتمي هؤلاء المقاتلين إلى الحرس الثوري، وبعضهم يعمل كمستشارين وغيرهم كقادة يقومون بتوجيه العمليات العسكرية للميليشيات السورية والشيعية. ويتقاضى مقاتلو المليشيات من العراق وأفغانستان وباكستان أجورهم من طهران.
وهناك الآن عدة آلاف من هؤلاء في سوريا، إلى جانب 7000 من مقاتلي حزب الله. ويتواجد مقاتلي حزب الله والميليشيات وعدد قليل من المستشارين الإيرانيين على خط المواجهة مع المتمردين في جنوب سوريا. وحتى الآن لم يظهروا بالقرب من الحدود مع إسرائيل في الجولان.
ووفقا لتحليلات إسرائيل، فطهران ترغب في إنشاء مركز عسكري متقدم لها في سوريا، كما فعلت سابقا مع حزب الله في لبنان. وقد تكون هذه العملية بطيئة وتدريجية، لكن ليس لدى الإيرانيين نية للتخلي عن هذا الهدف. وتستهدف التحركات الإسرائيلية على الأقل إنكار إمكانية التواجد الإيراني في جنوبي سوريا وتقليل فرص إقامة قواعد وميناء في شمالي سوريا.
وهذه هي خلفية التهديدات التي تدعمها حاليا “حملات” الدبلوماسيين ومسؤولي المخابرات الذين يتم إرسالهم إلى الولايات المتحدة والعواصم والاوروبية لتوضيح وجهة نظر إسرائيل، سواء في جنوبي سوريا أوالتطورات التي تحدث في لبنان، وذلك عقب استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري التي تم رفضها.
إن هذه التحركات تجتذب آذانا مصغية، ولكن يبدو أنه قد فات الأوان بالفعل في سوريا. وفيما يتعلق بالإيرانيين،فقد جاءوا إلى سوريا من أجل البقاء. وإذا حاولت إسرائيل إرغامهم على تركها، فقد يؤدي ذلك إلى احتكاك عسكري يمكن أن يتطور إلى صراع أوسع نطاقا.
تقبل القوة الإسرائيلية
كان من المقرر أن تصل حاملة الطائرات (إتش إس إم أوشن)، وهى هليكوبتر تابعة للمملكة المتحدة وجزء من أسطول حلف شمال الأطلسي (الناتو) فى البحر المتوسط، إلى مرسى بمدينة حيفا يوم الأربعاء. وتعد مثل هذه الزيارات استثنائية. وبصرف النظر عن الأسطول السادس الأمريكى والسفينة الفرنسية الفريدة، قام أعضاء الناتو بتقليص ظهور العلاقات العسكرية المفتوحة مع إسرائيل. وقبل عشرين عاما، عندما بدأت إسرائيل بمناورات بحرية مشتركة مع الولايات المتحدة (في ذلك الوقت جنبا إلى جنب مع صديقتها القوية تركيا) كانت تتألف عادة من مهام البحث والإنقاذ. وكان ذلك بمثابة الكثير من الاحتفالات والقليل من المضمون.
لقد تغير الزمن، ففى الشهر الماضى قامت القوات الجوية بمناورات مشتركة كبيرة فى صحراء النقب تسمى (العلم الأزرق)، والتى استضافت قوات جوية من الولايات المتحدة وست دول أوروبية. وقال العميد جنرال امنون عين دار، رئيس سلاح الطيران بالقوات الجوية الإسرائيلية لصحيفة “هآرتس”، إن هذه العملية كانت تتويجا لخطة التدريب السنوية للقوات الجوية مع القوات الأجنبية التي جرت في إطارها مناورات عسكرية آخرى في الخارج.
وفي ضوء الاضطرابات الإقليمية، أضاف، “من المهم أن تكون إسرائيل جزءا من تحالف القوى الإيجابية. وهنا ترى تعبيرا عما يمكن أن توفره القوة الجوية لبلد ما من حيث علاقاتها الاستراتيجية والدبلوماسية”. وقال دار إن التدريبات المشتركة توفر أساسا جيدا للتعاون التنفيذي إذا كان ذلك مطلوبا في أي وقت.
وبصفة عامة، تستفيد إسرائيل حاليا من صورتها في العالم العربي كصاحبة قوة هائلة، وفي الدول الغربية هناك أيضا تقدير متزايد لقدراتها العسكرية والتكنولوجية. إن الأضرار الناجمة عن ضعف أداء جيش الدفاع الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية قد تم نسيانه منذ زمن بعيد. والموقف الجديد تجاه إسرائيل مرتبط بكونها في مقدمة الحرب على الإرهاب، وبتقدير أغلب عملياتها السرية التي يتم تنفيذها ضد المنظمات المتنافسة، وذلك في إطار ما يسمى بالحملة بين الحروب.
إن المؤسسات العسكرية في الغرب والدول العربية الصديقة على دراية تامة بقدرات إسرائيل. وقد أدى ذلك إلى رغبة متزايدة في التعاون مع جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى جانب المخابرات العسكرية وغيرها من أجهزة المخابرات، كجزء من الحرب على الإرهاب.
ويبدو أن الساحة الدولية الآن أكثر استعدادا للتحالفات المشتركة ضد الإرهاب، وذلك خاصة بعد نجاح الحملة ضد داعش في العراق وسوريا. وعلى ما يبدو أنه قد يكون هناك شيء آخر يجري على قدم وساق، حيث أنه على خلفية الفظائع التي تحدث في الحروب في العالم العربي، فجيران إسرائيل يتخذون نظرة أقل حدة للأنشطة اليومية المتعلقة باحتلال إسرائيل، بما في ذلك مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين في سلاسل الحرب على غزة (لأن الدول الغربية، لا سيما روسيا، لم تبد مزيدا من الحذر في حروبها في الشرق الأوسط).
ويتطابق ذلك بشكل غير مباشر مع مقابلة إيزنكوت مع صحيفة إلاف. وفي الواقع، كانت هذه إيماءات متبادلة، سواء من جانب رئيس الأركان الذي وافق على إجراء مقابلات على موقع سعودي عبر شبكة الإنترنت أومن جانب المملكة في الموافقة على بثها. وقال إيزنكوت في المقابلة إنه اتفق مع ما قاله رئيس الأركان السعودي في اجتماع لرؤساء الجيوش استضافه الأميركيون في واشنطن في نهاية اكتوبر حيث تحدث الجنرال السعودي عن ضرورة منع التوسع الإيراني في المنطقة .
وبعبارة أخرى، ليس لدى الطرفين مشكلة في الجلوس معا كزملاء في مؤتمر (على النقيض من رئيس الأركان اللبناني، الذي غادر في اللحظة الأخيرة بسبب وجود إيزنكوت). وهذا لا ينتج عنه تقارب مع الكتلة السنية، ولكن العلاقات تتشكل تدريجيا، وهذا ما لم يكن متاح تصوره قبل خمس سنوات.