لنجعلها كرة قدم فقط ونفصل الرياضة عن السياسة.. بهذا الشعار يحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم fifa بشتى الطرق أن يجعل الرياضة الأكثر شعبية على مستوى العالم تجنب الخلافات السياسية التي تنتشر في كل بقاع الارض، لكن الشعارات أحيانا لا تكون الحل الأمثل.
وهو ما يحدث على أرض الواقع بين دولتي إيران والسعودية، فقد ظل خلافهما السياسي يلقي بكل تباعاته على منافساتهم سويا رياضيا بشكل عام وبالأخص في مباريات كرة القدم، الأمر الذي جعل أحد المواقع العالية المهتمة بأخبار الساحرة المستديرة يصنف مبارياتهما سويا في قائمة أشرس عشر مباريات مشحونة بالغضب والكراهية حول العالم أجمع.
من أين بدأت الأزمة؟
أزمة إيران والسعودية ليست وليدة اللحظة بل تكونت عبر الكثير من التراكمات والنزاعات السياسية على مر السنين، ويرجع البعض أن السبب الأول فيها هو اختلاف المذاهب بين الدولتين الإسلاميتين؛ فإيران تتبنى المذهب الشيعي والأقلية بها يؤمنون بالمهب السني، والسعودية العكس تمامًا الأغلبية سنية وتقريبا لا يوجد شيعة بها.
ووسط تعصب كل مواطني دولة لمذهبهم نتجت خلافات بين الدولتين لا وقت لذكرها الآن، يكفي أن تعرف أنه راح ضحيتها المئات، بين حالات تدافع الحجاج في السعودية والتي ينتج عنها دائما مقتل مئات الإيرانين، وبين هجوم الإيرانين على السفارة السعودية بين الحين والآخر وما ينتج عنه من قتل أحد الدبلوماسين السعوديين، وأمام كل هذا ذهبنا إلى نتيجة واحدة لم يكن هناك مفر منها وهي قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كوراث محتملة
وأمام كل هذة الأجواء المشحونة كان من الطبيعي أن تلتهب مباريات كرة القدم التي تجمع سواء المنتخبين أو الأندية السعودية الإيرانية في مسابقات الاتحاد الآسيوي المختلفة، وهو ما حدث في مبارة المنتخبين سويا في مارس من عام 2009، حينما استطاع أن يحقق المنتخب السعودي الفوز على المنتخب الإيراني، وفور انتهاء المباراة أدى اللاعبون السعوديون رقصة السيف المشهورة بالمملكة أمام 100 ألف مشجع غاضبين من الهزيمة وهو ما كاد أن يحدث كارثة لولا احتواء الأمن الإيراني لغضب جماهيرهم.
نفس الرقصة كادت أن تُحدث كارثة أيضا عام 2010 حينما أقدم لاعبو نادي ذوب آهن الإيراني على السخرية منها عقب إقصائهم لنادي الهلال السعودي في عقر دارهم من نصف نهائي دوري أبطال آسيا، لكن رجال الأمن كان لهم كلمتهم في ذلك الوقت أيضا ولولا تدخلهم كان من الممكن لا قدر الله أن نشاهد فاجعة كروية مثل التي حدثت في مصر قبل سنوات المعروفة إعلاميا بواقعة “استاد بورسعيد” التي راح ضحيتها المئات من جماهير الأهلي في مباراته مع نظيره المصري بالدوري ضمن منافسات الدوري المصري.
أرض محايدة
ومنعا من تكرار مثل هذه الأحداث، لم يكن أمام الاتحاد الآسيوي المنظم لمنافسات كرة القدم في آسيا سوى الاعتماد على الأرض المحايدة في مباريات المنتخبين والأندية بين الدولتين، بداية مارس من عام الماضي وحتى الآن.
القرار يجرى تنفيذه على المباريات التي جمعت المنتخيبن أو أي من أنديتها كافة، وسط ترحيب شديد من السعودية بهذا القرار ورفض تام من إيران له، وهو ما تؤكده تصريحات علي كاشفيان رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم السابق لموقع الاتحاد الرسمي حينما قال نصًا “سوء الحظ، تم إبلاغنا بقرار الاتحاد الآسيوي، وهو قرار سياسي، كما أن اتحادنا قدم اعتراضا عليه، لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)”، مضيفًا “نندهش من زج المواضيع والخلافات السياسية فى القضايا الرياضية، وهذا أمر مخالف لقوانين الفيفا”.
قرار جديد
ومؤخرا أعلن رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم مهدي تاج، أن لجنة بطولة الاتحاد الآسيوي صوتت نهاية نوفمبر الماضي على إلزام كل من الفرق السعودية والإماراتية باللعب على الأراضي الإيرانية، مؤكدًا أنه جاري اجتماع اللجنة بحضور ممثلي السعودية والإمارات وقطر، وأمام مزاعم ممثل السعودية بأن اللعب على أرض إيران ليس آمنا وأن عدم تواجد الأندية السعودية في إيران يرجع إلى انعدام الأمن بهذة البلد، نافيا كل ذلك ومستشهدًا بموقف الفيفا وموافقته على استضافة طهران العاصمة الإيرانية لمباريات المنتخب العراقي في تصفيات كأس العالم الأخيرة.
ورعم أن القرار حتى الآن لم يدخل في حيز التنفيذ، بالأخص أن منافسات دوري أبطال آسيا انتهت منذ أيام والنسخة المقبلة ستبدأ بعد شهور، إلا أن الجانب السعودي تشير الدلائل حتى الآن أنه سيبذل أقصى ما لديه حتى لا يتم تفعيل هذا القرار، وهو ما ينفي مقولة محبي كرة القدم بأن “ما تفسده السياسة تصلحة الرياضة”، ففي حالة إيران والسعودية «ما أفسدته السياسة الرياضة جعلته أكثر إفسادًا».