في بيان مشترك صدر الأسبوع الماضي وافقت موسكو وواشنطن على أنه لا يمكن التوصل إلى حل عسكري في سوريا وأن المتاح هو خيارات دبلوماسية فقط.
وجاء في البيان الذي يبدو من خلاله أن هناك تحول جديد في العلاقات بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، أن إسرائيل تخشى من أن يؤدي الحل الدبلوماسي إلى ترك القوات المدعومة من إيران في سوريا. وفي وقت محدد، يمكن أن يشكل ذلك تهديدا لإسرائيل.
وينص الاتفاق الأمريكي الروسي على أن جميع المقاتلين الأجانب يجب أن يغادروا سوريا. وستضغط روسيا على بشار الأسد لكي يأمر إيران وحزب الله بمغادرة البلاد، وأن الولايات المتحدة ستطلب من الأردن طرد القوات الجهادية مثل جبهة النصرة والمليشيات السنية الأخرى. وهذه الافتراضات بعيدة كل البعد عن الإقناع.
وفى مؤتمر صحفي عقب البيان المشترك قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى إن الأمريكيين لا يعتزمون التفاوض مع الأسد أو القوات الإيرانية ولكن مع روسيا. وشدد على الرعايتين الأمريكية والروسية لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في الأردن والمتعلق بإقامة منطقة آمنة في جنوب سوريا، وهي خطوة انتقدتها إسرائيل بشدة.
يذكر أن إيران وروسيا وتركيا، جنبا إلى جنب مع الميليشيات السورية والأجنبية التي تعمل باسمهم في سوريا، لا ينوون المغادرة، وهناك شكوك حول قيامهم بذلك حتى بعد التوصل إلى اتفاق نهائي.
إن هذه هي الحقيقة التي سيتعين على إسرائيل التعايش معها، وذلك إذا لم تكن ترغب في المحاربة ضد الشراكة الروسية الإيرانية التي ترعاها أمريكا. وقد تلقت هذه الشراكة دعما غير عادي من قبل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وذلك من خلال رسالة بعث بها إلى مؤتمر في موسكو هذا الأسبوع تحت عنوان “إيران وروسيا وخمسة قرون من التعاون”.
وكتب ظريف في رسالته أن هذا التعاون “سيعزز الأمن والاستقرار والنمو في مناطق آسيا الوسطى والشرق الاوسط”.
وأعرب لافروف في رسالة بعث بها للمؤتمر عن أمله في أن يتوسع التعاون في مختلف المجالات بين البلدين ليصل إلى الأمور الاستراتيجية. كما أن لهذا التعاون جوانب اقتصادية مهمة، مثل وضع خط أنابيب الغاز من إيران إلى الهند عبر باكستان والقيام باستثمارات البنية التحتية.
جدير بالذكر أن علاقات روسيا مع إيران ساعدت في إقناع الإيرانيين بنقل قواتهم في المنطقة الآمنة الجنوبية إلى الشمال والشرق، والتوضيح لإيران أنه من الأفضل عدم إعطاء إسرائيل سببا للهجوم في سوريا. ولكن حجم الوجود العسكري الإيراني في سوريا لم يتغير. ووفقا لتقارير المعارضة الإيرانية ومصادرها في الميليشيات المتمردة، يقدر عدد القوات الإيرانية والموالية لإيران بنحو 70 ألف.
وبرئاسة الجنرال جعفر الأسدي، تعمل هذه القوات تحت قيادة مشتركة تقع بالقرب من مطار دمشق، وتتعاون مع جيش النظام السوري. أما مخيم الشيباني، شمال غرب دمشق، والذي خدم قوات الحرس الجمهوري السوري قبل تمريره إلى القوات الإيرانية، فيستوعب حوالي 3 آلاف جندي، فضلا عن قوات حزب الله والمليشيات الأفغانية.
ويقع مقر المنطقة الجنوبية على بعد 60 كيلومترا جنوب دمشق على الطريق المؤدي إلى درعا، حيث يسيطر على منطقة درعا والسويداء والقنيطرة، وغير بعيد عن مخيم اليرموك الذي يخدم حزب الله. وتقع وحدة الصواريخ في قاعدة أزروا، بالقرب من بلدة الشيخ ماسكين.
وعلى الجبهة الشرقية الشمالية، يتم نشر القوات الإيرانية في منطقة الحسكة والرقة والقامشلي وتشغيل مطار للرحلات العسكرية. ويقيم حوالى الف جندي في مطار آخر يقع على بعد 50 كيلومترا من مدينة تدمر. وبحسب مصادر المعارضة الايرانية، يقيم حوالى الف جندي من الحرس الثوري الإسلامي في منطقة اللاذقية وطرطوس التي يسيطر عليها جيش النظام السوري. ونشرت بي بي سي مؤخرا صورا لمعسكر عسكري كبير يجري بناؤه سرا على مشارف دمشق، والذي من المتوقع أن يستوعب بضعة آلاف من الجنود.
وقال رئيس أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوت، في مقابلة مع موقع “إيلاف” السعودي، إن عدد القوات الإيرانية وانتشارها يلقي بظلال من الشك حول قدرة إسرائيل على منع أي تواجد إيراني في سوريا. ولكن الانتشار يشهد بشكل رئيسي على نقاط الضعف في جيش النظام السوري، والتي تتطلب المساعدة الإيرانية. وحتى الآن، تم تقديم مثل هذه المساعدة في معارك محلية، مثل الاستيلاء على حلب، ولكن هذا لا يشير إلى نية الاستيلاء على الأراضي السورية وتحويلها إلى مقاطعات إيرانية.
إن مخاوف إسرائيل من أن القوات الإيرانية وحمايتها ستقيم معاقل في الجزء السوري من هضبة الجولان لا أساس لها من الصحة. ولكن ليست هناك تأكيدات حول أن إيران وسوريا وروسيا لهم مصلحة في فتح جبهة ضد اسرائيل في سوريا. وتهتم كلا من إيران وسوريا باستكمال الخطوة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في نظام الأسد وإنهاء حرب الميليشيات. ومن الواضح أن إيران وروسيا إذا قاموا بمهاجمة إسرائيل، كما هدد وزير الدفاع أفيغادور ليبرمان، فإن الهجمات قد لا تقتصر على الأهداف الإيرانية بل ستتسع نحو قصر الأسد وغيره من الأهداف الاستراتيجية السورية، بما في ذلك أهداف لحزب الله في لبنان.
ولذلك، يتم إنشاء جيش ردع مشترك بين إسرائيل وسوريا وإيران، حيث يمكن أن يكون التهديد الإسرائيلي لإيران أكثر وضوحا في مرتفعات الجولان من التهديد الإيراني لإسرائيل.
يذكر أن هذا التوازن يمكن أن يختل إذا نشر الإيرانيون صواريخ متوسطة وطويلة المدى في مرتفعات الجولان الجنوبية. ولكن هذا الخيار ليس مطروحا بعد، أو أن هناك اعتراض من قبل روسيا على تحرك استراتيجي إيراني قد يضر بالمصالح الروسية. وفي الوقت نفسه، ترى إسرائيل أن الصواريخ بعيدة المدى الموضوعة في الأراضي الإيرانية تشكل تهديدا استراتيجيا أكبر من الصواريخ التي يمكن أن توضع في سوريا. وبشكل عام، في حالة ما إذا كان هناك حرب صواريخ، فالمسافة الجغرافية ليست كبيرة جدا طالما يمكن أن تهاجم إسرائيل وإيران بعضها البعض من بعيد.