وُلد الكاتب الإيراني الكبير “إيرج پزشك زاد” عام 1928م في طهران، لعائلة ترجع أصولها إلى بهبهان، لأب طبيب وأم معلمة. أنهى تعليمه في طهران، ثم درس الحقوق في فرنسا، ثم عاد إلى إيران وعمل قاضياً. فيما بعد التحق بوزارة الخارجية للعمل في الدبلوماسية، وبعد قيام الثورة فُصل من عمله، وسافر إلى فرنسا، لينضم إلى “جبهة المقاومة القومية” بزعامة شاهپور بختيار.
يُعد إيرج پزشك زاد أبرز الكُتَّاب الساخرين في إيران. بدأ نشاطه الأدبي في الخمسينيات بترجمة بعض الأعمال لفولتير وموليير عن الفرنسية، وكتابة القصص القصيرة في المجلات. لكن أشهر أعماله رواية “دايي جان نابلئون” الصادرة عام 1973م، والتي تحولت إلى مسلسل نال شهرة واسعة، ونجاحاً باهراً. كما أن بعض الأجزاء من مسلسل “قهوه تلخ” مستلهمة من روايته الأخرى “ما شاء الله خان در بارگاه هارون الرشيد”.
ومن أشهر أعماله الساخرة الأخرى: “حاج مم جعفر در پاريس”، و”خانواده نيك اختر”، و”بوبول”، و”آسمون ريسمون”، و”رستم صولتان”، و”گلگشت خاطرات”، و”شهر فرنگ از همه رنگ”. بالإضافة إلى بعض المسرحيات مثل: “ادب مرد به ز دولت اوست تحرير شد”، و”پسر حاجي باباخان”، و”صندوق لعنت”، و”بليط خان عمو”. علاوة على المقالات السياسية، والترجمات عن الفرنسية. تُرجمت له في العربية رواية “خالي العزيز نابليون”.
ترجمة: محمود أحمد
“اسم رومانسي”
قبل عدة أيام اتصلتُ هاتفيًا بمنزل السيد أبي طالب خان. رفعت امرأة السماعة. فقلت:
– آلو، هل السيد أبو طالب خان موجود؟
– لا، ليس لدينا شخص بهذا الاسم أصلًا.
– عجبًا! أليس هنا منزل السيد استقرار زاده؟
– بلى. ولكن لا يوجد مثل هكذا شخص هنا.
– إذن من هنا؟
– فرهاد.
– من فضلك تسمحين بأن يتحدثوا مع ذلك السيد فرهاد خان.
وبعد عدة لحظات جاء فرهاد خان عند الهاتف. وقلت فور سمعت صوته:
– أأنت السيد أبو طالب خان؟
– نعم. أنا هو.
– وأنت فرهاد خان أيضًا؟
– نعم. سأشرح لك فيما بعد.
تكلمنا ذلك اليوم، وفي اليوم التالي رأيت السيد أبا طالب خان. وقال موضحًا:
– لأن زوجتي تحب أن تناديني بـ “ففر”، فقد اختارت لي فرهاد اسمًا جديدًا، ولكي تجبرني على أن أنشر الاسم الجديد بين أصدقائي، عندما يطلبني أحد في الهاتف باسمي القديم، تقول إنه ليس لدينا شخص بهذا الاسم. إن عديمة الإنصاف هذه لا تفكر في أن عمري لا يسمح بعد بمثل اسم فرهاد…
وتملكني الضحك من منظر السيد أبي طالب خان الذي برأسه الأصلع وأنفه المعقوفة وشاربه المربع المستطيل وسنواته الأربعين قد تغير اسمه إلى “ففر”. هز السيد أبو طالب خان رأسه، وأضاف:
– والآن عندما يصبح اسمي “ففر”، فخمن ماذا أصبحت أسماء الأطفال. ففي النهاية اسمي الجديد فارسي. ابنتي آفاق بعد سنوات من الدراسة وثلاث سنوات من البقاء في الصف الثالث الإعدادي تغير اسمها مؤخرًا إلى “ماريانا”.
كان الرجل المسكين منزعجًا من هذا الموضوع. وإن واقعة التسمية وتغيير الأسماء هذه في مدينتنا جديرة بالمشاهدة والاستماع. وتدريجيًا تصبح الأسماء الإيرانية مثل العادات والتقاليد الإيرانية، والموسيقى الإيرانية، واللغة الفارسية، مكروهة من قِبل المتفرنجين، وشيئًا فشيئًا تحل “فلورا” و”كلورا” و”كارمن” محل “پروين” و”آذر”. في السابق كانت حجتهم أن الأسماء العربية المعتادة، ثقيلة، لا تستقر في القلب ولا تستسيغها الأذن. لكن الآن لماذا ينبذون الأسماء الفارسية؟ ألا يستطيعون أن يعثروا في تاريخنا، أو في شاهنامة شاعرنا العظيم، على اسم أجمل وأظرف من “فلورا”؟…
إنهم مثلما جددوا عمارتهم أو أثاث حجراتهم، يريدون أن يلقوا كل ما لدينا من العادات والتقاليد بعيدًا، وتتجدد كلها.
ربما لا يعلم هؤلاء المتغربون أن مراجع تقليدهم أعني الأوروبيين، مهتمون بحفظ لغتهم كما هم مهتمون بحفظ أسمائهم. حتى المسئولين الحكوميين يعتبرون أنه من واجبهم أن يمنعوا تغيير الأسماء ودخول الأسماء الأجنبية.
وفي فرنسا ممنوع استخدام غير الأسماء الموجودة في التعاليم المذهبية أو الكتب الدينية، بموجب قانون الثالث والعشرين من مارس 1803م.
علاوة على هذا، سابقًا عندما نسمع پرويز أو غلامعلي أو بطرس، كنا نعرف واجبنا، وإن لم نكن نخمن عمر صاحب الاسم ووضعه الاجتماعي، إلا أننا على الأقل كنا نعرف دينه وجنسيته.
ولكن الآن إزاء اللون المصفر للبشرة السوداء التي سفعتها الشمس والخدود المبقعة لفتيات تحملن اسم “آيدا” و”فلورا”، يحتاج الأمر إلى وجدان روحاني كي نعرف جنسياتهن.
وتذكرت يد الله خان الذي وهبه الله قبل عدة أشهر ابنتين توأم. وأحب هذا الرجل الذي كان من التجار الأفاضل المحترمين، أن يسمي ابنتيه بأسامي قديمة. وفور سماعه خبر ميلاد ابنتين توأم، نطق اسمي معصومة وسكينة. ولكن كانت عشرت سادات أم البنتين قد سمعت بأسماء جديدة أجنبية من هنا وهناك. وبعد استفسارات من صديقاتها المتفرنجات قد فكرت في اسمين للرضيعتين مختلفين تمامًا وعلى حد قولها رومانسيين. وبعد استعادة عافيتها، دعت الطفلتين “ريتا” و”ويدا”.
وبعد حمام الولادة اندلع شجار وجدال الزوجين. كان يد الله خان قد عاند بشدة ليسجل الطفلتين باسمي معصومة وسكينة، وعشرت سادات لم تكن تطأ بقدمها خطوة أبعد عن “ريتا” و”ويدا”. كانت الألسن تتناقل قصة خلافهما الشديد في الحي كله. ولم تفلح جهود أقربائهم في إزالة هذا الخلاف.
ولأن الطفلتين البريئتين ظلتا بدون شهادتي ميلاد، تشكلت لجنة من أربعة أشخاص من أجل إزالة الخلاف وإيجاد حل بسعي أحد أقربائهم. وأنا كنتُ عضوًا في “لجنة حل الخلاف”. واستمرت مباحثاتنا بحضور الطرفين عدة ساعات. وكان جهدنا منصب على أن نرغم الزوجين على أن يصعد الأول درجة وينخفض الآخر درجة… لكن للأسف لم يرض يد الله خان حتى بـ “شهين” و”مهين”، ورفضت عشرت سادات اقتراح “فرشيد” و”مهشيد” أيضًا. وانحلت لجنة حل الخلاف من دون نتيجة.
طال هذا النزاع لشهر تقريبًا. وفي النهاية بسبب ضغوط إدارة الإحصاء، ووساطة أحد كبار القوم، تقرر أن يسمي كل منهما إحدى الطفلتين على هواه. وقد اختارا نقطتين متقابلتين تمامًا:
سمى يد الله خان ابنته التي من نصيبه “ربابة”، وسمت عشرت سادات نصيبها “فيرجينيا”. لكن قبل عدة أيام سمعتُ أنه قد نشبت الحرب والفتنة بين الزوجين مرة أخرى، وباتا على وشك أن يتطلقا. وبعد استفسارات عُلم أن سبب الخلاف الجديد هو أنه على الرغم من التعهد بعدم التعرض، إلا أن عشرت سادات سمت ربابة يد الله خان “باربارا”، ويد الله خان أيضًا دعا “فيرجينيا” الطفلة البريئة ذات الأشهر المعدودة “فخر الحاجيه” عنادًا في زوجته.
“معرفة الإنجليزية”
منذ أن عادت السيدة شمس الملوك من رحلة أوروبا، وهي منصرفة عن النوم والطعام. وقد أتعبت ضجة مدينة طهران وصخبها منقطعا النظير أعصابها. وقررت مضطرة أن تقضي عدة أشهر في مكان هادئ. وبعد مدة من الدراسة اختارت إحدى المدن الشمالية الصغيرة الواقعة على ساحل البحر. لأنها كانت على معرفة ضئيلة بنائب هذه المدينة الذي سندعوه بشير خاقان، وطلبت منه أن يجهز لها بيتاً صغيراً هادئاً، ولأنه بالمصادفة كان أحد بيوت بشير خاقان قد خلا، فاقترحه على شمس الملوك. فأعجبت شمس الملوك بالبيت، وعندما أرادت أن تدفع أجر شهر واحد، وتستأجره رسمياً. فجأة تذكرت أمراً كانت قد نست تماماً أن تحصل على معلومة بشأنه. ولأن صاحب المنزل كان قد ذهب إلى دائرته الانتخابية لقضاء العطلة، بعثت إليه على الفور بالرسالة التالية:
«سيدي العزيز، لقد حاز بيتكم إعجابي بتلك المزايا التي ذكرتموها، وعزمت على استئجاره. وسوف أسافر بعد عشرة أو أحد عشر يوماً، لكن يا صديقي العزيز كنت أود أن أسأل مسبقاً هل لديكم هناك “W.C” مريح ونظيف أم لا. وأنا في انتظار الرد الفوري.»
وكان لدى السيدة شمس الملوك الحق في أن تقلق بشأن هذا، لأنه في معظم المدن الصغيرة والقرى، لا يقع هذا الجزء الحساس من البنيان في موضع اهتمام، وحتى أنهم لا يعتبرون وضع باب له أمراً ضرورياً، والمرء مضطر في وقت قضاء حاجته القصير هناك، مع كل وقع أقدام، إلى أن يسعل سعلة قوية لدرجة أنها عندما تخرج، ينخدش الحلق، وعقب السعال الزائف، يلم بالمرء مرض السعال و داء الصدر.
*
الجزء الثاني:
أمسك السيد بشير خاقان برسالة السيدة شمس الملوك في يديه، وانغمس في التفكير. فكر في كلمة “W.C” لمدة من الوقت، ولم يكن يعرف معناهاً! أصلاً في المدن الصغيرة لم يتفرنجوا بعد، وهذا النوع من الكلمات مجهول، والناس يذكرون “W.C” بأسماء أقرب وأكثر صراحة!
دعا بشير خاقان ولده هوشنگ.
بشير خاقان: «يا هوشنگ! تعال إلى هنا لأرى…»
هوشنگ: «نعم يا أبي؟»
بشير خاقان: «إنك الآن تدرس الإنجليزية منذ عام، فهل تعلمتَ شيئاً أم لا؟»
هوشنگ: «في امتحانات نصف السنة حصلت على 14 من أصل 20 في مادة الإنجليزية.»
بشير خاقان: (عرض عليه الورقة، ووضع أصبعه تحت “W.C”) «ما هذه؟ اقرأ لأرى؟»
هوشنگ: (يقرأ بصعوبة) «دبليو، سي… دبليوسي!»
بشير خاقان: «ماذا تعني؟ (هوشنگ يفكر) هل المعنى غاص في دماغك، وتريد أن تخرجه بأصبعك؟»
هوشنگ: (بعد مدة من التفكير) «لا أعلم يا أبي. يعني كنت أعلم لكن نسيت.»
بشير خاقان: (صفع ابنه على أذنه) فلتختنق. تعلمتَ الإنجليزية منذ عام، وما زلت لا تدري ما معنى “W.C“… سأذهب غداً إلى المدرسة عند المدير… اذهب واجلس لتستذكر دروسك (خرج هوشنگ من الحجرة باكياً)
أخذ بشير خاقان قبعته وعصاه، وتوجه إلى الحكمدارية، ودخل حجرة الحكمدار. وبعد التحية والسؤال عن الأحوال:
بشير خاقان: «كنت أمر في هذه الناحية فقلت آتي وأسلم… (وبعد مدة من الكلام) بالمناسبة يا جناب الحكمدار بالأمس سألني ابني هوشنگ عن كلمة إنجليزية. وأنا لم أذكرها. تعلم مع كل هذه المشاغل أين تبقى الإنجليزية في ذاكرة المرء. ولأن حضرتك زرت أمريكا، فبالتأكيد تعرف… “دبليوسي”… ما معنى “دبليوسي”.؟»
الحكمدار: (الذي لم تطأ قدمه أمريكا قط) «أجل… “دبل” تعني مرة ثانية، ولكن “يوسي”… “يوسي” والله لا أذكرها… حين كنت في أمريكا، كنت أعرفها جيداً، ولكن تعلم مشاغل الحكمدارية وغيرها تشتت انتباه المرء إلى هذا الحد… عموماً إنها تعني شيء ما… باصطلاح… مرة ثانية واصطلاح شيء… حسناً هل فهمت؟ يا ممد خان احضر تلك الملفات إلى هنا…»
ودَّع بشير خاقان الذي لم يفهم شيئاً، الحكمدار، وانطلق صوب المدرسة، وولج غرفة المدير. وقضى وقتاً في السلام والسؤال عن الأحوال والسؤال عن سلوك هوشنگ، وبما أنه كان يرى أنه ليس جديراً بمكانته أن يسأل عن معنى كلمة إنجليزية من مدير المدرسة، خطرت على باله فكرة، وطرح السؤال على هذا النحو:
– حسناً، يا سيدي المدير هل لديكم دبليوسي هنا؟
(ولأن بشير خاقان لم يكن يعرف معنى الكلمة، رأى على سبيل الاحتراس أن يرافق سؤاله بابتسامة حتى إذا كان لها معنى غير مناسب، لا يصطدم بالمدير، ويعتبرها مزحة)
المدير: (الذي لم يعرف معنى الكلمة، ضحك) «تحت أمركم… (ضحك مرة أخرى)»
بشير خاقان: (بمظهر أكثر جدية) «لا، صحيح هل لديكم “دبليوسي” هنا؟»
وبينما كان المدير يرسم على شفتيه ابتسامة، خرج من الغرفة بذريعة ما. وبمجرد خروجه من الغرفة اتخذ مظهراً جاداً ومتفكراً، وبسرعة توجه إلى أحد الفصول الدراسية، وفتح الباب، ودخل.
أمين الفصل: «قيام!»
المدير: «جلوس (جذب المعلم إلى أحد الأركان، وكلمه هامساً) يا غلامرضا خان ألا تعلم ما معنى “دبليوسي”؟… لقد سألني أحدهم… ولسوء الحظ كان أستاذ الدراسة الإنجليزية قد تغيرت مهمته وانتقل، وليس هنا لأساله. وأنت كأنك تعرف الإنجليزية؟»
المعلم: «بالطبع… لكني أشرح لحضرتك… إنها مرتبطة بأي جملة استعملت فيها! لأنك تعلم أن كل واحدة من الكلمات الأجنبية لها مائة معنى.»
المدير: «مثلاً في هذه الجملة “هل لديكم دبليوسي هنا؟” ما معنى دبليوسي؟»
المعلم: «آها تذكرت… تقال حين… يعني… تعلم يا سيدي المدير أنه يجب أن أشرح… ولا يمكن هنا…»
المدير: «لا، اختصر.»
المعلم: «في النهاية لا يمكن… يجب أن أشرح جيداً، فاسمح لي أن آتي إليك بعد الجرس.»
المدير: «حسناً لكن اسرع. وعندي أحد الأشخاص، لا تتكلم أمامه.» (وخرج)
أمين الفصل: «قيام!»
تمشى المدير في الردهة منزعجاً لعدة دقائق، ونظر في ساعة جيبه عدة مرات، وفي النهاية نادى على الفراش:
– يا برجعلي… اضرب الجرس يا برجعلي.
برجعلي: «سيدي لقد ذهب التلاميذ إلى حصصهم للتو، ولم يحن وقت الجرس بعد…»
المدير: «لا بأس، اضرب الجرس.»
برجعلي: (يضرب الجرس) دنج! دنج! دنج!
خرج المعلم قبل التلاميذ، وذهب إلى المدير.
المدير: «حسناً في النهاية ما الأمر؟»
المعلم: «نعم… يعني تعلم… تقريباً إنها تعني بستان وروضة ومرج… لكن ليست مثل هذه البساتين التي يكون فيها أشجار. حديقة… مرج…»
المدير: «حديقة عامة؟»
المعلم: «أحسنت… كنت أبحث عن اسمها… أجل؛ إنها تعني حديقة عامة…»
المدير: «كفى» (توجه المدير إلى غرفته مسرعاً. وكان بشير خاقان قد جلس بجوار مكتب المدير على حافة المقعد، وأحنى نصفه العلوي، وانهمك في قراءة الأوراق الموضوعة على المكتب، وفور رؤية المدير جلس في مكانه.)
المدير: «معذرةً يا سيد بشير خاقان… إن الانشغال لا يسمح لي بأن أتمتع بفيض حضورك… حسناً قلت إن الأولاد بخير… صحيح كأنك عندما كنت أخرج من الغرفة، كنت تقول شيئاً…»
بشير خاقان: «لا أذكر… آها تذكرت… لم يكن مهماً. قلت هل لديكم “دبليوسي” هنا أم لا… (وترقب رد فعل المدير بقلق)»
المدير: «ما هذا السؤال، إن حضرتك تعلم خير مني أننا لدينا حديقة عامة ممتازة بفضل أهل المدينة المحترمين… ومن حظنا السعيد إنها بالقرب من المدرسة.»
بشير خاقان: «نعم… نعم… أعلم إن قصدي… يعني… هل يستفيد الأطفال من هذه الحديقة أم لا؟»
المدير: «أجل… بعد الدراسة يذهبون إلى هناك ويلعبون…»
ودَّع بشير خاقان المدير فرحاً وشغوفاً، وعاد إلى البيت.
بشير خاقان: «هوشنگ… لماذا جئت مبكراً هكذا؟ أهربت من المدرسة مرة أخرى؟ (وصفعه على أذنه)»
هوشنگ: (باكياً) «كلا يا أبي… اليوم لا أدري لماذا ضربوا الجرس مبكراً.»
بشير خاقان: «لكن قلت إنك لا تعلم ماذا تعني دبليوسي؟… فليحثوا التراب على رأس بلادتك… يا حمار إن دبليوسي تعني حديقة عامة. مثل تلك التي على مقربة من مدرستكم… اذهب واحضر ذانك القلم والورقة لأرى.»
أخذ بشير خاقان القلم والورقة من هوشنگ، وكتب إلى السيدة شمس الملوك الرسالة التالية:
«حضرة السيدة الكريمة الخاتون شمس الملوك. وصلتني رسالتك. بعد تقديم التحايا والتهاني أود أن أقول إنك كنتِ قد تفضلت بالسؤال بشأن “W.C” ومن هذه الجهة بإمكانك أن ترتاحي تماماً. إن الدبليوسي الخاص بنا لا يبعد عن المنزل أكثر من ألف قدم. بالإضافة إلى أنه في العام الماضي تم بهمة محافظنا المحبوب وضع في حدود سبعين أو ثمانين مقعد للجلوس فيه، ومعظم رؤساء الإدارات والمحترمين يذهبون إلى هناك، وسوف تكون مكاناً جيداً لهم من أجل التعارف وفتح باب التردد عليه. ولأن المدرسة تقع بجواره، فأغلب الأطفال يذهبون إلى هناك بعد انتهاء الدراسة. وعندما تجلسين هناك، وتنخرطين في عملك، سوف يجلب لك منظر الأطفال الذين أحاطوا بك ويرمقونك بأعينهم البريئة، أعظم لذة، وستستمتعين بصخبهم وغنائهم اللذين يغطيان على سائر الأصوات. ولكن برأيي من الأفضل أن تذهبي في أيام الجمعة لأن موسيقى الفرقة العسكرية التي جاءت من الولاية ستكون معزوفة طوال الوقت…»