الموسيقى شابه عمرها آلاف الأعوام، وفي الحضارة الإيرانية بشكل خاص تعد الموسيقى هذه الشابة القديمة، التي نشأت وتطورت عبر الأزمنة المختلفة، دون أن يعتريها النسيان يومًا، فالموسيقى تشبه غذاءً ما بالنسبة إلى بني البشر، حيث يستعملونها في حياتهم، لدرجة أن البعض يستعملها في طقوسه الدينية.
تستعملها الأمهات لتهدئة أطفالهن، ويستعملها العمال للحث على النشاط، وفي الحرب تستعمل لتشجيع الخائفين، باختلاف مقاماتها، وطريقتها، والآلات المستخدمة، ولكنها تبقى في النهاية وثيقة الصلة بالبشر. وفي إيران ارتبطت هذه الموسيقى بالتاريخ والتطور البشري جنبًا إلى جنب، وصولًا إلى العصر الحديث رغم التضييقات المستمرة داخل إيران لاستكمالها.
وجود تاريخي
ظهرت الموسيقى الفارسية منذ حضارة “عيلام” التي كانت في جنوب إيران، كما تظهر الرسوم والمنحوتات الإيرانية لتبين هذا الاهتمام الناشئ بالموسيقى، واستمر هذا الاهتمام حتى عهد “الصفوية” وهو ما تؤكده لنا الآثار الموجودة في قصر “جهلستون” أما تطور الموسيقى وازدهارها كان في عصر الدولة “الساسانية” بل وصلت لأن تكون ضمن الطقوس الدينية للزرادشتية، وبسبب ذلك الاهتمام ظهرت كثير من الأسماء اللامعة في هذا العصر مثل “رامتين وآزاد وباربد”.
أما بعد الفتح الإسلامي لإيران، فقد استمر ظهور الموسيقيون البارعون، كما قام بعض العلماء مثل الفارابي وابن سينا بعزف الآلات الموسيقية إلى جانب براعتهم في العلوم، وتشير كثير من الأبحاث إلى أن أقدم الآلات الموسيقية قد ظهرت داخل إيران، مثل “الهارب والطبل” و”آلة العشق”.
تأثير وتأثر
لم تكن رغمًا عن ذلك الموسيقى الإيرانية معتمدة على تطورها الشخصي فقط، بل كذلك تأثرت من دول عدة في طريق تطورها، إذ تأثرت بالموسيقى الهندية، ويظهر ذلك من خلال موسيقى “أريان التقليدية” والتي تعد أحد أهم التأثيرات الهندية، إلى جانب الآلات الهندية مثل “الفان، الداراري”.
ورغم ذلك فلم تتوقف الموسيقى الإيرانية موقف المتلقي فقط، بل قامت هي الأخرى بالتأثير في الموسيقى الهندية والذي كان سببه وجود موسيقيّين إيرانيين داخل قصر الملك الهندي “أكبر شاه”، ومن أشهرهم الشاعر والموسيقي والمغني “أمير خسرو دهلوي” وفي فترة الحرب العالمية الأولى تأثرت الموسيقىالإيرانية بالموسيقى الأوروبية كذلك.
ويعد سبب التأثر هو الوفد الروسي الذي وصل إلى تبريز ومعه أوركسترا من 30 عازفا قاموا بأداء حفلا موسيقيا في عهد “عبّاس ميرزا”، الذي بسبب إعجابه بالفرقة أمر بتدشين فرقة اوركسترالية لعزف الموسيقى العسكرية، ومنها تأثر العازفون بهذه الموسيقى الجديدة، بينما يرجع البعض هذا التأثر الأوروبي لجذور أعمق تاريخية، وتحديدًا منذ الحقبة القاجارية.
أثرت الموسيقى أيضًا في الموسيقى الصينية، إذ تم أخذ بعض الآلات الإيرانية واستخدامها داخل الصين مثل “السورنا والبرات والعود الإيراني”.
تطور تاريخي
على مدار التاريخ تطورت وتعقدت الموسيقى الإيرانية، حيث بدأت كمجموعة من النغمات البسيطة ثم تطورت هذه النغمات بشكل كبير عبر القرون المتلاحقة، وهي تنقسم إلى قسمين الأول هو ما قبل الإسلامي ويضم موسيقى الطوائف الايرانية القديمة، كالموسيقى البختيارية والموسيقى الكردية والموسيقى اللرية. القسم الثاني هو ما بعد فترة الاسلام، ويتنوع فيما بين الموسيقى السماعية كالحماسية و الرثائية، أو المقامية، كالمقامات الموسيقى التقليدية.
ويقسم الخبراء هذه الموسيقى التقليدية إلى 12 مجموعة، ومنها سبع مجموعات غير مستقلة. وتتفرع من المقامات. ويطلق عليها اسم “النغمات”، ويصل عدد إلى 228 نغمة وإيقاعاً.
آلات إيرانية
صنعت عديد من الآلات الموسيقية الإيرانية من خشب البامبو، وهو موجودة في البلد أيضًا، الأمر الذي سهل صناعتها كثيرًا، وتعد أشهر الآلات الإيرانية هي ما عرف باسم “كرنا” وهي تصنع بأشكال مختلفة داخل المحافظات الإيرانية، وكذلك “الكمنجة” وهي شكل أولى من أشكال “الكمان” التي بدأ صناعتها في إيران، يأتي كذلك “العود” الذي كان يتكون في هذا الوقت من ثلاثة أوتار فقط، إلى جانب آلة “الرباب” و”التار” الذي يعد من أهم الآلات الوترية داخل إيران، أما فيما يخص آلات النقر فتم صنع “الإيقاع” وهي تشبه الطبل بشكله الحالي إلى حد كبير.
العصر الحديث
قبل الثورة الإسلامية في إيران كان للموسيقى حضورًا كبيرًا داخل المجتمع الإيراني، حيث شجع الشاه علىإقامة مهرجانات الموسيقى، والتي كان أهمها مهرجان يعرف باسم “شيراز بيرسابوليس” وكانت أشهر مغنية في هذا الوقت تعرف باسم “دلكش” والتي لقبت بكوكب الموسيقى الإيرانية، أما بعد الثورة فقد تم تحريم الموسيقى ومنعها، وهو الأمر الذي تسبب في إلغاء أي مهرجانات أو احتفالات أو غيرها، غير أن هذه القبضة ما لبث أن تم تخفيفها في السنوات التالية للثورة، غير أن بعض أنواع الغناء ظلت معرضة للتضييق مثل “الراب والبوب”.
وكان سبب معارضة الموسيقى هو أنها عمل يخالف الشريعة، حيث وقف رجال الدين بالمرصاد، غير أنه في عام 2015 ظهرت أصوات معارضة لهذه الفكرة ومن الفريق نفسه، حيث أوضح مسؤول قسم الموسيقى داخل وزارة الثقافة والإرشاد أنه يجب الاعتراف بالأشكال الموسيقية المتنوعة العصرية، إلى جانب السماح بتدريس آداب الموسيقى الحديثة داخل الأكاديميات المتخصصة.
ومن جانبها ظهرت الكثير من الفرق الموسيقية الحديثة التي نشرت لها عديد من المقاطع على اليوتيوب وقامت بإحياء الحفلات الموسيقية أيضًا داخل إيران.