المثنوي هو المعنوي بالفارسية، والمثنوي بالعربية هو النظم المزدوج الذي يتّحد شطرا البيت الواحد ويكون لكل بيت قافيته، وبذلك تتحرر المنظومة من القافية الواحدة، ويعد مثنوي جلال الدين الروي من أكبر دواوين الفارسية، والذي حظى بشهرة واهتمام عالمي في العالم كله، فتم ترجمته من الفارسية وشرحه للعديد من اللغات المختلفة لما يتميز به من طابع صوفي لعالم متبحر في شئون علمه.
حول المتن
وصلت عدد أبيات المثنوي إلى 25632 بيتا،ً وفيه 424 قصة توضح ما يعانيه الإنسان من أجل الوصول إلى حبه الأكمل وهو الله، أما عن تأليف الكتاب نفسه فهناك روايتين، الأولى كان عن اقتراح أحد مريدين الرومي “حسن حسام الدين” الذي طلب من الرومي كتابة كتاب يجمع أشعاره، ليوضح له أنه إن وافق فإنه سينشد ماكتب، وعندها وافق الرومي على كتابة ذلك الكتاب.
أما الرواية الثانية لبداية هذا الكتاب فقد وردت لدى كتاب الرحالة ابن بطوطة، الذي ذكر في كتابه أن “كان في ابتداء أمره فقيهاً مدرساً، يجتمع إليه الطلبة بمدرسته بقونيه، فدخل يوماً إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء، وعلى رأسه طبق منها، وهي مقطعة قطعاً، يبيع القطعة منها بفلس. فلما أتى مجلس التدريس قال له الشيخ: هات طبقك. فأخذ الحلواني قطعة منه وأعطاها للشيخ.. فأخذها الشيخ بيده، وأكلها. فخرج الحلواني، ولم يطعم أحداً سوى الشيخ. فخرج الشيخ في اتباعه، وترك التدريس، فأبطأ على الطلبة. طال انتظارهم إياه، فخرجوا في طلبه فلم يعرفوا له مستقراً. ثم إنه عاد إليهم بعد أعوام، وصار لا ينطق إلا بالشعر الفارسي المتعلق الذي لا يفهم. فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعر، وألفوا منه كتاباً سموه المثنوي. وأهل تلك البلاد يعظمون ذلك الكتاب ويعتبرون كلامه، ويعلمونه ويقرأونه بزواياهم في ليالي الجمعات”.
حول جلال الدين الرومي
ولد الرومي في أفغانستان، ثم انتقل مع أبيه إلى بغداد، ليستقر بعد ذلك في قونية بتركيا، ويعد جلال الدين الرومي من أهم شعراء عصره، كما أنه فقيه حنفي، وكذلك متصوف من أهم متصوفة العالم أجمع، وهو أيضًا صاحب الطريقة المولوية، أحد أكبر الطرق الصوفية، وقد عرف ببراعته في العلوم الإسلامية، كما كان مدرسًا بقونية يدرس علوم الفقه والإسلام، ليترك التدريس فيما بعد ويتفرغ للتصوف، إلى أن وافته المنية فدفن في مدينة “قونية” بتركيا.
رؤية جلال الدين الرومي
ويرى جلال الدين الرومي داخل كتابه، أن مسئوليته تجاه الناس هي أن يأخذ بأيديهم ويوصلهم إلى بر الأمان، ففي هذه الدنيا يقف أعداء الإنسان وهم “النفس، الشيطان، الهوى، مغريات الدنيا، الهوس” أمامه مترصدين له، ولذا لا بد من وجود مرشد وأستاذ، حيث أن صراع الإنسان لمواجهة الأهواء والعودة إلى الأصل لا يتأتى عن طريق تجاهل هذه الرغبات والأهواء، أو نفيها، إنما يجب مقاومتها مقاومة شديدة، فالهروب هنا لن ينفع، فكيف يهرب الإنسان من نفسه، أو من شيطان يجري منه مجرى الدم؟
ونجد داخل الكتاب أكثر من عشر مواضيع يتحدث فيها الرومي عن “عمر بن الخطاب” إلى جانب حديثه عن عائشة رضي الله عنها، والتي عرفها بأنها “الصديقة حبيبة الرسول صلى الله عليه وسلم”، وعلى الرغم من أم مثنوي قد كتب بالفارسية إلى أن صاحب الكتاب يستشهد بآيات القرآن بالعربية إلى جانب الأحاديث، والأشعار والأمثال العربية، إضافة إلى وصفه للعرب بعديد من الأمثلة الحسنة من الكرم وصفاء النفس.
الكتاب أيضًا ملئ بالفلسفة، وآيات الزهد وحب الله، ورؤية خاصة لكون والحياة.
مقتطفات من مثنوي
وإليكم بعض المقتطفات من كتاب مثنوي:
إن كان ثمة عيب واحد في شيء إلى جوار مئة نفع، يكون كالعود الذي يسلك فيه سكر النبات.
التحت والفوق والأمام والخلف أوصاف للجسد، وانعدام الجهات لتلك الروح النيرة.
إن لك عقلاً جزئياً مخفياً فيك، فابحث عن إنسان كامل العقل في هذه الدنيا، فيصبح جزؤك من تأثيره كلاًّ.
الوعي بمثابة الشمس، والحرص ثلج، والوعي بمثابة الماء، وهذه الدنيا دنس.
أي جميل لم يصر قبيحاً؟ وأي سقف لم يتحول إلى أرض؟
إن هذه الأرض والسماء الواسعتين، مزقتا قلبي من ضيقهما.
وإن لم تكن لذة الدين بالشيء غير المعقول، فمتى كانت بحاجة إلى عدة معجزات؟ وكل ما هو معقول يتقبله العقل دون حاجة لمعجزة ودون جرٍّ ومد.
الماضي والمستقبل كلاهما حجاب بينك وبين الله، فلتضرم النار في كليهما معاً، فأنت مليء بالعقد منهما كأنك القصبة، وما دامت القصبة بعقدها، فهي ليست قرينة للسر، ولا تكون جليسة لتلك الشفاه ولا لذلك الصوت.
الروح والنفس في وجود الإنسان، يصلهما المد من الغيب مثل الماء الجاري.
إنك تجود بالخبز من أجل الحق فيهبك الخبز، وتجود بالروح من أجل الحق فيهبك الروح.
هذه الدنيا نفي، وليكن بحثك في الإثبات، وصورتك صفر فابحث عن معناك.
المتحري عن القبلة في الليل الداجي، وإن أخطأها فصلاته تجوز.
واعلم أن كل ألم هو قطعة من الموت، فادفع عنك جزء الموت إن كان ثمة وسيلة، وإن لم تستطع الفرار من جزء الموت، فاعلم أن كله سوف ينصب على رأسك، وإن لذَّ لك جزء الموت، فاعلم أن الله تعالى سفو يجعل “كله” عليك حلوًا.