يواجه حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية الكثير من التحديات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الخارجية والثقافية خلال فترة رئاسته الثانية، وكان قد واجه مثل هذه التحديات خلال فترة رئاسته الأولى ونجح في الملف الخارجي ونجح في انفتاح إيران على العالم وتغلب على كثير من الصعاب والملفات الخارجية وأهمها تثبيت الاتفاقية النووية مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتدفق الاستثمارات الأجنبية إلى إيران وتسارُع الدول الأوربية للاستثمار في إيران. أما الملف الداخلي ففشِل فيه الرئيس روحاني وحكومته فشلًا ذريعًا في ولايته الأولى فلم يوجد أية حلول للمشكلات الداخلية التي يعانى منها الشعب الإيراني على مدى عقود منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 م وبداية الحظر الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية على إيران، فزاد معدل الفقر، الجهل، القمع والتعذيب ومعدلات الإعدام في السجون الإيرانية دون تدخلات من روحاني أو حكومته وشهدنا سيطرة لا مثيل لها من المؤسسة الدينية على مقاليد الأمور في إيران في فترة روحاني الأولى ما عدا بعض المناوشات مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية على خامنئى حول إقامة الحفلات الموسيقية وحضور النساء لمباريات كرة القدم.
روحاني وأزمة التعليم في إيران
غالبًا ما يتم توجيه الانتقادات للدولة ولوزارة التربية والتعليم الإيرانية حول تردى أوضاع المُعلمين والطلاب في المنظومة التعليمية الإيرانية حيث لا تريد الوزارة تقديم أية حلول تطويرية من أجل الارتقاء بالمنظومة التعليمية في البلاد في ظل التردي الرهيب في مستوى الطلاب، كان الرئيس روحاني قد ذكر أثناء دعاياته الانتخابية لفترة ولايته الأولى والثانية إن التعليم يمثل أولوية قصوى له ولحكومته حيث سيقوم بتقديم حلول ابتكارية لمشكلات التعليم في إيران وهذا لم يحدث ولو بمظهر شكلي يحفظ لروحاني وحكومته ماء الوجه ويُبعِد الانتقادات ولو لفترة وجيزة من الزمن عنه، وبدلًا من تقديم الحلول لحل المشكلات المتراكمة لأزمة التربية والتعليم في إيران، قام روحاني بتوجيه النقد اللاذع والشديد للحكومات السابقة عليه وللإدارة السياسية في البلاد المتمثلة في المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران على خامنئى بأنهم هم الأسباب الرئيسة والحقيقة لتردى الأوضاع التعليمية في البلاد وتدهور الأسس والأنظمة التعليمية في إيران وجاء هذا الانتقاد الشديد بعد الأزمة الشهيرة بين المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى واليونسكو التي عُرِفَت إعلاميًا باسم أزمة وثيقة اليونسكو في إيران حيث ذكر روحاني في خطابه المضاد لمرشد الثورة الإيرانية والحكومات السابقة بقيادة أحمدى نجاد إن التدهور الذي لحق بالمنظومة التعليمية الإيرانية هو ميراث قديم وله إرث تاريخي كبير وما المنظومة التعليمية في أية بلد في العالم إلا مُعلِم وطالب ومدرسة وكتاب مدرسي وذكر إن هذه الأضلاع الأربع لهذه المنظومة تعانى من التدهور والإهمال منذ زمن طويل وإن هذا التدهور ليس وليد اللحظة الحالية أو الفترة الحالية.
روحاني ودولته المستحيلة
تراود روحاني أحلامًا بأن يصبح التعليم العام في إيران تعليمًا مؤثرًا وبعيدًا عن السلطة والقبضة الدينية الموجهة والأيدلوجية الدينية الشيعية المُسيطرَة على أهداف وتوجهات التعليم الإيراني عن طريق تفعيل ما يُسمى بالتعليم المدمج وتنقية المناهج التعليمية الإيرانية من كثير الأمور بالإضافة إلى تغيير الكثير من الثقافات المتوطنة في المؤسسات الإيرانية الخاصة بالتعليم حيث تنفرد قوات التعبئة العامة والبسيج الإيراني باختيار المعلمين واختيار المناهج الدراسية. بالإضافة إلى هذه الأمور خلال العقدين الماضيين تم إنشاء اللجنة العليا للتعليم في إيران تحت رئاسة حداد عادل الذي قام هو ومعاونيه في هذه اللجنة بحذف المواد التعليمية العلمية في المناهج ووضع النصوص الدينية الشرعية الشيعية بدلًا من النصوص العلمية والمناهج العلمية التعليمية. انتقد روحاني نظام التعليم في إيران في هذا الإطار حيث ذكر إنه نظامٌ لا يساعد على التفكُر والفهم وإنما نظام يساعد على الحفظ ويتم تدريس مناهج تعليمية مُستهلَكَة وحذف المناهج التعليمية العلمية في النظام الدراسي في إيران حيث يسيطر غلام حداد عادل وأسرة توكلي فقط على المنظومة التعليمية في إيران ومعظم المناهج مناهج دينية وتاريخية لا يمكن أن تربي النشء الإيراني على روح الابتكار والإبداع والعلم لأن المناهج الإيرانية في التعليم عقيمة.
مشكلات النظام التعليمي في إيران
لم يُشِر روحاني في انتقاداته الموجَهَة إلى النظم التعليمية في إيران إلى جذور المشكلة أو أسباب الأزمة، فأزمات التعليم في إيران لها إرث تاريخي ومجموعة من الأسباب التي لا يراها صناع القرار في إيران. ومن أهم هذه المشكلات:
1 – فقدان الحس بحب المدرسة: يُعَلِق معظم المدرسون في معظم المدارس الإيرانية على إن التلاميذ وبمجرد سماعهم جرس الانصراف من المدرسة يهرعون إلى المنزل وكأن المدرسة ما هي إلا عبارة عن سجن يفر منه الطلاب. وهذه الظاهرة إن دلت فإنها تدل على إن النظام التعليمي في إيران لا يلبي احتياجات الطلاب النفسية أو المعنوية لذلك لا يحب الأطفال والشباب المدرسة حيث من بين السلبيات التي تعانى منها الطالبات الإيرانيات هو إجبارهن على ارتداء الحجاب منذ العام السادس وتبقى الفتيات أسيرات السجن الصغير المنبوذ وهو المدرسة التي ليس بها أي اختلاط ويبقين في الفصل على مقاعدهن دون التحرك ولو حتى الذهاب إلى المكتبة سوى بالتنسيق مع أحد المدرسين بالإضافة إلى قلة الميزانية المخصصة للرياضة المدرسية والموسيقى التي تبلُغ ميزانيتها في المدارس الإيرانية صفر %.
2 – مواد لا تُدَرَس: هناك الكثير من المواد التي لا يمكن تدريسها في المدارس الإيرانية مثل تاريخ العالم فهذا محظور وأيضًا تاريخ إيران في العصر الپهلوى فهو محظور أيضًا بالإضافة على اللغة الإنجليزية التي لا يمكن تدريسها إلا في مراحل دراسية معينة أو يتم توظيفها في تدريس الدراما أو المواد الأخرى ذلك بالإضافة إلى علم الاجتماع يُعَد من المناهج التدريسية المحظورة في إيران إلا الإسلامية منها.
3 – أفقر الوزارات: تُعَد وزارة التربية والتعليم أفقر الوزارات الإيرانية حيث لا تتعدى نسبة الإنفاق الحكومي على التربية والتعليم في إيران 3 % من الناتج الإجمالي للبلاد وهذه النسبة ضئيلة جدًا مقارنةً بدول في إقليم الشرق الأوسط أو الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية ويعانى المعلمون في نفس الوقت من ضيق العيش حيث إن مرتبات المعلمين في إيران متدنية للغاية وفى كثير من الأحيان لا يحصل المعلمون على رواتبهم لفترات طويلة مما أدى إلى اندلاع مظاهرات كبيرة تطالب بإنصاف المعلمين في إيران.