تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل خطير منذ العام الماضي، حيث سارع المضاربون إلى استبدال العملة الوطنية بالدولار، في حين نقل البعض الآخر رؤوس أموالهم خارج البلاد خوفًا من المشاكل القادمة، وغادر ما يقرب من 30 مليار دولار البلاد منذ بدأت أزمة العملة.
كما تسببت المشاكل الاقتصادية المتصاعدة في عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وقامت المظاهرة الأولى في يناير 2018 عندما وقعت احتجاجات واسعة النطاق في طهران والمدن الكبرى الأخرى.
واندلعت الاحتجاجات في محافظة خوزستان جنوب غرب البلاد في الشهر الماضي بسبب نقص مياه الشرب، وواجهت كل من مقاطعتي سيستان بجنوب شرق إيران، وبلوشستان نقصًا خطيرًا في المياه، كما أن المياه المتوفرة غير نظيفة.
وتسبب صيف حار جدًا خاصة في جنوب البلاد بحدوث نقص في الكهرباء أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي، حتى العاصمة طهران لم تنجو من انقطاع التيار الكهربائي.
وتسبب نقص الكهرباء في مشاكل دبلوماسية، وبسبب تزايد الطلب المحلي لم تتمكن طهران من الوفاء بالتزامها بتزويد العراق بالكهرباء.
كما ساهم نقص الكهرباء في المظاهرات الأخيرة بالبصرة، والتي فسرتها بعض الشخصيات السياسية العراقية بأنها تكتيكات ضغط إيراني.
وتجاهل هؤلاء السياسيون احتياجات إيران المتزايدة، وحقيقة أن العراق مدينة لإيران بالكهرباء التي تم تسليمها بالفعل، وفي تغريدة على تويتر، قال مقتدى الصدر إن تلك الدول التي تريد التأثير على السياسة العراقية بالضغط عليها لن تنجح، كما أظهر بعض المتظاهرين في البصرة مشاعر معادية لإيران.
وتهدد هذه الصعوبات الاقتصادية حكومة الرئيس حسن روحاني، ودعا المتشددون إلى استقالته واستقالة حكومته بأكملها، حيث أشار البعض إلى أن الحكومة التي يهيمن عليها الجيش ستدير الاقتصاد بشكل أفضل.
وفي نهاية المطاف، تم تجنب أزمة سياسية كبيرة، لكن الأحداث أظهرت كيف أن السياسة في إيران أصبحت أكثر عرضة للتطورات الاقتصادية.
ووفقاً للتقارير الواردة في وسائل الإعلام الإيرانية، فقد ازدادت الهجرة من المقاطعات الجنوبية إلى الأجزاء الشمالية من البلاد مما قد يسبب مشاكل إضافية، فالنداءات المتكررة للحكومة من أجل الوحدة الوطنية دليل على الانقسامات العميقة في البلاد.
ويلقي الكثيرون اللوم على العقوبات الأمريكية لهذه المشاكل، ولا شك أن العقوبات الاقتصادية في العقد الماضي أثرت سلبًا على اقتصاد إيران، ومع ذلك، فقد وصلت مشاكل إيران بالفعل إلى مستوى حرج عندما تم فرض أشد العقوبات في عام 2008.
ويعترف المراقبون الأكثر إنصافًا بمن فيهم بعض أعضاء داخل حكومة روحاني، بأن معظم مشاكل إيران لها جذور داخلية، وفي الآونة الأخيرة، علّق وزير الاستخبارات الإيراني محمود العلوي بأن الإيرانيين “مسؤولون عن حوالي 70% من مشاكلنا، وأن الغرباء بمثابة التوابل (الملح والفلفل) فقط”.
ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي دليل على استعداد النظام لتغيير السياسات التي تسببت في مشاكل إيران الحالية، وعلى العكس من ذلك، فإن المتشددين على وجه الخصوص يواصلون دفن رؤوسهم في الرمال.
وعلى الرغم من مطالب مجموعة من السياسيين والمثقفين الذين كتبوا رسالة توصي بالمفاوضات مع واشنطن، فإنهم يرفضون بشدة التحدث إلى أمريكا، وقال قائد الحرس الثوري، اللواء محمد علي جعفري، إنه إذا تحدثت إيران إلى أمريكا، فلن يبقى شيء من الثورة الإسلامية.
ويصر المتشددين على أن إيران يمكنها التغلب على جميع مشاكلها بالاعتماد على مواردها المحلية، ومع ذلك فقد استنفذت سياساتهم ودمرت الكثير من هذه الموارد.
وفي تجاهل لواقع السياسة والاقتصاد فإنهم يعلقون آمالهم على روسيا والصين لإنقاذهم من المأزق الحالي.
المشاعر المعادية لإيران
أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار الإسلاميين الإيرانيين في مواصلة سياساتهم المفلسة، هو نظرتهم الأيديولوجية والمعادية لإيران، على عكس العالم العربي وتركيا حيث أن الإسلاميون بهم أتراك أو عرب، فإن الإسلاميون الإيرانيون ينظرون إلى إيران وثقافتها كمنافسين، وحتى اليسار الإيراني، على النقيض من الحركات الاشتراكية الأخرى مثل تلك التي في روسيا والصين، لديه نزعات معادية للوطنية.
فعلى سبيل المثال، ردًا على سؤال حول ما شعر به عند عودته إلى إيران عام 1979 بعد سنوات عديدة، أجاب آية الله الخميني: لا شيء.
فبالنسبة له ولغيره من الإسلاميين، أهمية إيران ليست سوى نقطة انطلاق لأيديولوجيتهم، وأولويتهم هي الإسلام والعالم الإسلامي، حتى أنهم يواجهون صعوبة في ذكر “الأمة الإيرانية”.
وقد استغرق الأمر الخميني والإسلاميين الآخرين عقدًا من الزمن وحربًا مدمرة مع العراق قبل أن يستخدموا هذا المصطلح على مضضن ومنذ ذلك الحين، كان استخدامهم لإيران والإيرانيين مجرد وسيلة فقط عندما يواجهون المتاعب، حينها تدعو الجمهورية الإسلامية الإيرانيين إلى حب بلادهم، والصبر، والمساعدة في التغلب عليها.
هذه النظرة مسؤولة أيضًا عن أولويات السياسة الخارجية الإيرانية المشوهة والمكلفة، وكانت فلسطين وليس إيران من أولويات الإسلاميين، التي عزلت إيران وكلفت الكثير من الناحية الاقتصادية.
ويلوم المتشددون الإيرانيون الآخرين على تصرفاتهم المناهضة لإيران، لكنهم يعجزون عن الاعتراف بأن سياساتهم الثورية أثارت هذه الردود العدائية، يبدو أنهم لا يفهمون أن الدول لا تستطيع تحدي النظام الدولي ولاعبيها الرئيسيين دون دفع ثمن لذلك.
جشع السلطة
وعندما وصل الإسلاميون للسلطة، قاموا بتفكيك البنية التحتية الاقتصادية والإدارية لإيران، فبدلاً من المهنيين، وضعوا أشخاصًا غير متعلمين وعديمي الخبرة في البلاد، بما في ذلك إدارة سياستها الخارجية، ونتيجة لذلك، أجبروا نسبة كبيرة من أفضل وأذكى الأشخاص على مغادرة وطنهم، بما في ذلك الذين ولدوا بعد الثورة.
وقاموا بتأسيس منظمات هدفها الوحيد هو إثراء النخبة الحاكمة الجديدة، والتي تشمل رجال دين ذوي نفوذ معين وذريتهم، ويعيش الكثير منهم الآن في أوروبا أو كندا أو دبي، فضلًا عن المنظمات العسكرية مثل الحرس الثوري.
فالفساد والمحاباة وإساءة استخدام السلطة، ليس شيئًا جديدًا في إيران، لكن في ظل النظام الإسلامي بلغوا نسبًا هائلة، وأصبحوا سببًا رئيسيًا لسوء الإدارة الاقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن الثورة وشعاراتها هي مجرد أدوات للاحتفاظ بسلطتها ولإثراء نفسها حتى لو كان ذلك يعني إفقار باقي البلاد، كما إنهم يطبقون قواعد إسلامية صارمة على الإيرانيين، لكن أطفالهم غالبًا ما ينتهكون القواعد نفسها في الخارج.
وبحسب ما ورد، فإن نجل الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، محمد هاشمي، قال مؤخرًا، إن إيران تواجه الآن وضعًا أسوأ من عام 1988، عندما شبه روح الله الخميني الموافقة على وقف إطلاق النار مع العراق للشرب من كأس مسموم، فهل سيفعل القادة الإيرانيون نفس الشيء اليوم لإنقاذ البلاد من المزيد من المشقة؟
وتقع المسؤولية الكبرى عاتق المرشد الأعلى والحرس الثوري، فهل سيكون لديهم الشجاعة الكافية للاعتراف بأخطاء الماضي ووضع البلاد على مسار جديد، مع المزيد من الحرية الثقافية والسياسية وسياسة خارجية أكثر وتطلعًا؟
والأهم من ذلك، هل سيضعون إيران والإيرانيين في نهاية المطاف أمام أهداف غير واقعية وأنانية؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يسجلهم التاريخ كمسؤولين عن زوال إيران.