يُشبّه محمد، مصمم الجرافيك العاطل عن العمل لمدة أربعة أشهر، الحياة في إيران مثل “سمكة في بركة تقبع في وسط الصحراء، وتتقلص مياهها بسرعة بفعل الشمس الحارقة”.
تعبر تعليقات محمد البالغ من العمر 28 عامًا عن التحديات البيئية الخطيرة في البلاد، فهي تعاني من أسوأ جفاف في التاريخ الحديث، مع نقص المياه وانقطاع الكهرباء المتكرر الذي يقطع اتصال الإنترنت، وتوقف المصاعد، وتعطل تكييف الهواء في حرارة 40 درجة مئوية، وتدرس السلطات في طهران تقديم مواعيد العمل، من الساعة 6 صباحًا وحتى الساعة 2 مساءً، لمساعدة العمال على التأقلم.
ولكن محمد، الذي يعتمد على معاش والده من أجل المعيشة، لا يتحدث عن البيئة. بل يشير إلى أزمة أكبر، يقول إنها خلقت شعورًا باليأس يتخلل المجتمع الإيراني، الذي لم يشهده سوى عدد قليل على نطاق واسع منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.
وهناك مجموعة من العوامل تتراوح بين المظالم الاقتصادية وانعدام الحريات الاجتماعية والسياسية، والضغوط والعقوبات الدولية التي وضعت البلاد تحت ضغوط غير مسبوقة، ويتفق العديد من الإيرانيين الآن مع محمد على أن البلاد تواجه لحظة فارقة.
وأضاف محمد: “الناس يائسون للعثور على مخرج، لتكن الحرب، أو ليتم التوصل إلى اتفاق جديد، أو ليتغير النظام، ليكن أي منهم ولكن ليتم سريعًا”.
وأدت أسابيع من الاحتجاجات المتفرقة في أنحاء البلاد بسبب ندرة المياه، والرواتب غير المدفوعة، وانخفاض قيمة العملة، إلى جانب الضغوط المتصاعدة من إدارة ترامب التي تهدف إلى توقف جميع الدول عن شراء النفط الإيراني بحلول 4 نوفمبر، إلى الضغط على الرئيس الإيراني حسن روحاني.
ويُنظر إله بصورة متزايدة كبطة عرجاء في إشارة عن عجزه، وذلك لأنه غير قادر على محاربة المتشددين، أو متابعة أجندته، أو حتى الحفاظ على الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه في شهر مايو.
واشترى محمد بالعام الماضي “قلمًا تفاعليًا ينتمي للتكنولوجيا الحديثة” بمبلغ 5 ملايين ريال، وتضاعف سعره خمس مرات حيث يبلغ اليوم سعره 25 مليون ريال، وقد أثر ارتفاع الأسعار على بنود أخرى، لا سيما تلك المستوردة والتي تعتمد على سعر الدولار، وقد بلغ الريال أدنى مستوى له على الإطلاق، وبدأت الشركات الأجنبية في الانسحاب من إيران على نحو متزايد لأنها تخشى العقوبات الأمريكية التي ستجعل من الصعب على أشخاص مثل محمد العثور على وظائف.
ويقول: “كل الناس من حولي يفكرون في الهجرة، طريقي الوحيد للفرار هو تأشيرة طالب، ولكن التكاليف مرتفعة، ولا يمكن العثور على مواعيد التأشيرة بسهولة”.
ويقول صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، إن الوضع أصبح سيئًا للغاية لدرجة أن “الناس لا يرون أي ضوء في نهاية النفق، لم يكن لدينا في أي وقتٍ في الماضي هذا الكم من الألم والقلق واليأس حول مستقبل البلاد، ولم نبلغ حتى هذا المستوى من اليأس خلال سنوات الحرب بين إيران والعراق، فعلى الرغم من جميع المشاكل التي حدثت خلال الحرب كان هناك أمل، لأن الناس كانوا يعرفون أن الحرب ستنتهي في يوم من الأيام، لكن المشكلة الآن، أن يكون هناك مرض لا يمكن شفاؤه، وقد نصبح مثل العراق، نقايض الطعام بالنفط، لقد أصبح روحاني مثل فريق كرة القدم الذي خسر المباراة الأولى 3-0 والآن لا أمل في المباراة القادمة، تمامًا مثل بطة عرجاء “.
ويضيف زيبا كلام أن المجتمع الإيراني أدار ظهره للمحافظين والإصلاحيين، حيث لا يرى الناس أي احتمال للمصالحة مع الولايات المتحدة.
ويقول علي أنصاري، أستاذ التاريخ الإيراني في جامعة سانت أندروز، إن نتيجة الوضع الحالي “ستكون شيئًا أقرب للحكومة العسكرية”.
وأضاف: “إن ما يحدث في إيران ليس شيئًا من أجل الديمقراطية، فالناس لا يهتفون للديمقراطية، بل يرددون الماء والخبز، وفي عام 2009 في الاضطرابات التي حدثت بعد الانتخابات، كان الناس يهتفون: “أين أصواتنا؟”، وما يحدث الآن هو حديث جوهري لسياسة البلاد، وهو أمر وجودي”.
ويضيف أن التفاؤل الذي أعقب الثورة، والذي ساعد الناس على خوض الحرب بين العراق وإيران، قد أفسح المجال لحالة من اليأس، حيث استنزفت الموارد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وقد رفع روحاني سقف التوقعات عندما أصبح رئيسًا في 2013، لكنه لم يستطع تحقيقها، وكما يقول أنصاري: “الجميع يركز على ترامب، فترامب يعد مشكلته الخاصة وهي لا تستحق التجاهل، ولكن في الواقع، فإن الفيل الموجود في الغرفة هو الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي، إن الأولوية الرئيسية لخامنئي هي الثورة الإسلامية، وليس الجمهورية الإسلامية، وكان خامنئي دائم الاعتقاد أنه يجب إظهار القوة، لكن هناك وقت يجب عليك أن تسأل ما الذي يعني هذا؟ لقد أظهر الرئيس بشار الأسد القوة في سوريا فما الذي استفادهُ على المدى الطويل؟”.
بالنسبة للإيرانيين العاديين، فإن شعور اليأس واضح، ويصف المحاضر الجامعي “سام”، الذي يبلغ من العمر 26 عامًا من شيراز، محنة إيران بأنها “السكين التي تصل إلى العظم”، وهو مثال فارسي يعني القشة الأخيرة.
بينما يقول متين البالغ 25 عامًا، من أصفهان والذي يكسب 115 دولارًا في الشهر نظير عمله في جراحة الأسنان، والذي ويعيش مع والديه: “إننا نهوى، بالضبط مثل فنزويلا”.