دار الفنون هو اسم محفور بدقة في تاريخ إيران الحديث، فهي لم تكن مدرسة وحسب، بل كانت نواة للجامعة الإيرانية، ويعتبرها الكثيرين بالفعل أول جامعة إيرانية تخرج فيها مئات الشخصيات البارزة في العلوم والآداب والصحافة والسياسة.
التأسيس
فكر ميرزا تقي خان أمير كبير بعد سفره إلى روسيا حينما تولى منصب سفير إيران في بناء مدرسة جامعة شاملة، يتم التدريس فيها على غرار المدارس الأوربية، حيث أدرك حاجة بلاده إلى مثل هذه المنظومة التعليمية لترتقي، و أصبح إنشاء هذه المدرسة مشروعه الأساسي عندما تولى رئاسة الوزارة أو منصب الصدر الأعظم كما كان يُقال، لكن للأسف لم يشهد افتتاحها.
فقد وصل الأساتذة الأجانب بإشراف الدكتور جاكوب ادوارد بلاك بعد يومين من عزل أمير كبير من منصبه و القاء القبض عليه ونفيه، بعد أن أوقع الوشاه بينه وبين الشاه، فكان لابد أن يباشر الأساتذة عملهم ويتم الإفتتاح في أقرب وقت.
وبالفعل أٌفتتحت دار الفنون في طهران عام 1851 قبل ثلاثة عشر يومًا من إغتيال أمير كبير، بحضور ناصر الدين شاه قاجار حاكم إيران آنذاك ورئيس الوزراء الجديد ميرزا نوري و الكثير من العلماء والمعلمين الإيرانيين والأجانب.
وقد تعددت الاسماء لهذه المدرسة، ولكن في رسالة أمير كبير الأخيرة إلى سفير إيران في روسيا قد طلب منه الإسراع في إختيار الأساتذة للمدرسة النظامية الجديدة نسبة إلى الوزير الشهير نظام الملك الذي قد أسس في السابق مدارس عريقة باسمه، لكن فيما بعد أُطلق عليها دار الفنون تيمنًا بالجامعات في فرنسا و لندن، والتي كانت تُعرب أو تُفرس باسم دار الفنون، وقد استمر البناء لمدة عام، ضمت خمسين غرفة متساوية المساحة، كما زينت الجدران بالرسومات المذهبة البديعة، و كان يتوسط المدرسة حوض كبير من أعذب المياه في طهران يحيط به أشجار الفاكهة، ومن الجدير بالذكر أن عقب تأسيس دار الفنون التوسع في إنشاء المدارس الأجنبية في إيران.
النظام الدراسي لدار الفنون
حُدد السن القانوني للإلتحاق بدار الفنون من 14 حتى 16 عام، لكن استطاع بعض ابناء أصحاب النفوذ الإلتحاق بها في عمر أكبر من ذلك، والقت الدراسي منذ الثامنة حتى الثالثة مساءًا، كما كان لكل فرع من العلوم زي طلابي مخصص، حيث كان بالمدرسة سبع تخصصات رئيسية هم سلاح المشاة والمدفعية والفروسية و الطب والصيدلة و الهندسة والتعدين ، وجميع التخصصات تدرس اللغة الفرنسية والرياضيات و العلوم الطبيعية و التاريخ والجغرافيا، وبعد فترة تم إضافة مواد دراسية جديدة كاللغة الإنجليزية والروسية والرسم والموسيقى.
أدرك أمير كبير أن لندن وفرنسا سترفضا إستعانة إيران بمعلمينهما لتدريس هذه التخصصات الدقيقة، لذا اتفق مع ستة معلمين من النمسا براتب سنوي ضخم يصل إلى أربعة آلاف واربعمائة تومان، و خُصص لها عند الإنشاء ميزانية 7750 تومان، وصلت عام 1924 إلي 30 ألف تومان، كما تم إنشاء مكتبة كبيرة و مطبعة تابعة لها.
فترة الإنحدار والتدهور
منذ أن كانت دار الفنون مجرد فكرة، قابلت هجوم الكثيرين منهم ميرزا نوري الذي خلف أمير كبير وكان يحاول دائمًا أن يفسد علاقته بالشاه حتى استطاع في النهاية واصبح هو الصدر الأعظم، لكن الشاه كان يميل للحياة الأوربية ورحب بفكرة إنشاء المدرسة حتى تم تنفيذها، ثم بدأ الحاشية يقولون أن هذه المدرسة سوف تؤثر سلبًا على حكم الشاه، لم ينصت في البداية إلى هذا الحديث لكن شيئًا فشيء بدأ يصدق، حينما انضم بعض طلاب المدرسة إلى المنظمات الماسونية التي كان يخشاها بشدة، وقرر إغلاق المدرسة، لكنه تراجع خوفًا من نظرة أوربا إلى إيران، وأن الأوربيون سوف يعتبرون إغلاق مدرسة بحجم دار الفنون تخلف.
هناك سبب آخر وهو مخالفة دار الفنون لمناهج أوربا في تدريس الطب، حيث كانت المدرسة تعتمد الطريقة التقليدية والطب القديم والدراسة النظرية، كما كان التشريح أمر صعب، لدرجة أن مدرس اللغة الفرنسية قد باع جسده للمدرسة كي يتمكن طلابه بتشريح جسده بعد وفاته.
كما منع ناصر الدين شاه أبناء الرعية في آواخر فترة حكمه من الالتحاق بها للدراسة.
وبعد أن استطاعت المدرسة أن تصمد قرابة الثمانين عام، تم هدمها عام 1924، ثم أُعيد بنائها وتحولت لمدرسة ثانوية، ثم تحولت بعد الثورة إلى مركز تربوي ثم مركز تعليمي تابع لوزارة التربية والتعليم، وقد أصبحت ضمن قائمة الآثار القومية عام 1989، ثم أُغلقت منذ عام 1996 حتى الآن.