في فندق آزادي الشاهق بطهران، عقد المزاد التاسع للأعمال الفنية المعاصرة بقاعة احتفالات أنيقة مغطاة بالسجاد الذهبي، ومصفوفة برسومات مضاءة بشكل خلاب.
وعلى مدار يومين، عُرضت عشرات الأعمال التي أنشأها فنانو ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979 على الجمهور.
وبداخل قاعة المعرض، بدت اللوحات الكلاسيكية والحديثة مثل أشعة الضوء وسط قتامة الأخبار التي تعم البلاد، ومنها انخفاض العملة، وتجديد العقوبات الأمريكية، والمظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد.
وقد تم عقد مزاد طهران مرة واحدة على الأقل كل عام منذ 2012، وسط صعود وهبوط الاقتصاد الإيراني، وكان المزاد التاسع بمثابة الإلهاء المؤقت لمجموعة صغيرة من هواة جمع التحف الفنية، وفرصة للاستثمار في شيء قد يملك قيمة فعلية في الجمهورية الإسلامية.
ويتحدى بعض الفن تعاليم الإسلام المتشددة حيث يعد تجسيد الشكل الإنساني محرمًا، ولكن رجال الدين في إيران يغضّون النظر أحيانًا عن المساعي العلمانية في محاولة لتحسين المزاج العام.
وفي اليوم الثاني من العرض، وقف إبراهيم إيماني البالغ من العمر 70 عاماً ليحدق بلوحة للفنان آيدين آغداشلو التي تصور امرأتين جنبًا إلى جنب تحملان قطعة نقدية كبيرة، ورأسيهما تشبه البرقوق الملون.
عمل إيماني كعارض أزياء في السابق، وكرجل مبيعات، ومثل في الإعلانات التجارية في الستينيات، ثم أنشأ شركة لبيع الأزياء النسائية الجاهزة في السنوات التي سبقت الثورة، وكان عمله جيدًا مما مكنه من جمع مجموعة صغيرة من التحف الفنية، وبعد خسارة شركته لبيعها فساتين مستوردة ورخيصة، تحول إلى تصنيع الحاويات المصنوعة من البولي إيثلين، ويعاني مشروعه حاليًا بسبب نقص قيمة العملة الإيرانية “الريال”.
ويقول إيماني: “لقد تضاعفت أسعار المواد الخام من شركات البتروكيماويات المحلية، ويمكننا بالكاد تلبية احتياجاتنا”.
وفي الصورة التالية، يتكئ إيماني على قاعدة لنحت صغير يمثل غرابًا، للفنان بهمن محصص الذي توفي في عام 2010.
وعلى مدى خمس سنوات، حققت شركة إيماني إيرادات كافية لتغطية مصروفات ورواتب موظفيه، ودعا مؤخرًا رجل أعمال إسباني لمناقشة تحسين معداته، لكنه قلق من أن العقوبات الأمريكية ستجعل من الأمر مستحيلًا.
وقال إنه تطلع إلى اللوحات ورأى أعمالًا فنية لن يقدر على إضافتها إلى مجموعته، وفكر في بيع مجموعته الخاصة قائلًا: “في هذه الحالة الاقتصادية السيئة، يمكن لمجموعتي الفنية أن تنقذني من الإفلاس”.
كان من الصعب على محبي الفن ترك مخاوفهم المالية عند الباب.
وقال هوما تاراجي وهو أمين معارض من لوس أنجلوس، وزعيم العلاقات الدولية بالمزاد، إن القيمة الإجمالية للوحات التي بيعت بالعام الماضي بلغت سبعة ملايين دولار، مع قيام المنظمين بجمع عمولة بنسبة 20٪ من البائعين.
ولكن مع بيع اللوحات بالريال، انخفضت قيمتها من حوالي 36 ألف للدولار قبل عام إلى 80 ألف في السوق السوداء.
وجلب فوريا هاشمي، صاحب معرض بالقرب من ساحة فاناك في طهران، زوجته وأطفاله لمشاهدة اللوحات في اليوم السابق للمزاد.
وتعتبر شريحة من النخبة الإيرانية -التي أصبح الكثير منها غنيًا بالعلاقات مع الشركات المملوكة للدولة وتعيش في شقق فخمة في المناطق الشمالية في طهران- الفن استثمارًا جيدًا حيث بدأ باقي الاقتصاد في الانهيار.
ويقول هاشمي: “إنه مربح مقارنة بأنواع أخرى من الاستثمار، وفي الوقت نفسه سيشجع الفنانين الشباب على الالتزام بفنهم، آملين يومًا ما، أن يتم تقدير مواهبهم الإبداعية، فلا يمكن للفن أن ينمو بدون رعاية من الطبقة الغنية ومجتمع يقدره”.
لكن الحدث لم يجذب الأغنياء فقط، فقد حضر الشاب حسن العاطل عن العمل هو حبيبته ليتأملا أعمالاً مثل لوحة قماشية بدون عنوان لقرية على حافة الصحراء، رسمها في الفنان سهراب سبهري في أوائل السبعينات.
وقال: “بالتأكيد، نحن الناس العاديون لا نستطيع أن تحمل تكاليف كهذه، ولكن على الأقل يمكننا أن نقدرها قبل أن تختفي في منازل الأغنياء”.
وفي المساء الثاني، امتلأت قاعة الاحتفالات بأكثر من 800 من أعضاء المجتمع الراقي في طهران، واستقبل المشترون بعضهم البعض مثل أعضاء النادي، وجلسوا لالتقاط الصور بهواتفهم المحمولة باهظة الثمن.
ومثّل منصب بائع المزاد، الممثل المسرحي الشهير، حسين باكدل بشعره الفضي الساحر، وقرأ الكثير من الأرقام والأسعار خلال الأمسية بإيقاع جميل، وكانت المناقصة شرسة، وشارك النساء بمعظمها، حيث رفعن لافتاتهن بعدم اكتراث.
وقد شارك معظم المزايدين المسجلين في مزادات سابقة، ولكن قليلًا منهم من وافق كي يتحدث مع جريدة التايمز، ربما لأنهم على علم بكيفية ظهور هذا المشهد للغالبية العظمى من سكان إيران البالغ عددهم 80 مليون نسمة.
وبيعت لوحة الفنان سبهري بأكثر من 637 ألف دولار بسعر الصرف في السوق السوداء، مسجلةً أعلى سعر في الأمسية.
وكان من بين المشترين مهندس يبلغ من العمر 42 عامًا، عرّف نفسه فقط بإسم “حامد”، ودفع 700 مليون ريال للوحة القرية الفرنسية، واشترى غيرها من اللوحات.
وقال حامد الذي يجمع الفضيات إنها المرة الأولى التي يشارك فيها في المزاد.
كما أضاف أنه اشترى بعض اللوحات كنوع من الاستثمار، فعمله كمهندس لا يبدو واعدًا، لذلك حول مهنته للاستثمار في الفن الذي يحبه، والذي يبدو مجالًا واعدًا.