لا يلتفت الكثير إلى أن الشعر هو مرادف بشكل ما إلى معاناة من نوع آخر، قد يبدو الأمر مبالغًا فيه إلا أنها حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، فالشعراء يعانون الأمرين من أجل كتابة قصائدهم، نظرًا إلى كثير من القواعد والقوانين السياسية والاجتماعية، أو حتى قوانين الشكل الشعري الذي لا يمكن للشاعر أن يحيد عنها، وإلا تعرض للنبذ والمساءلة.
قواعد أدبية
وقد أقر القواعد الأدبية نقاد وشعراء القواعد الأدبية، مثل نظامي عروضي السمرقندي الذي أوضح أن الشعر يعد نوعًا من الصناعة، حيث يقوم الشاعر في هذه الصناعة بتأليف المقدمة والقياس بطريقة يتحول بها المعنى الصغير إلى معنى كبير والعكس، وكذلك يتحول السىء إلى حسن والعكس، كما أقر العديد من النقاد تلك القواعد، التي رآها البعض شوكة في حلقهم، قرر البعض الالتزام بها، بينما قرر آخرون تغييرها.
رفض
حينما يخرج الشعراء على تلك القواعد تقابلهم أزمة جديدة، ألا وهي عدم استثاغة الجمهور لتلك الأشعار، وهو الأمر الذى عانى منه الشاعر المعاصر “نادر نادر بور” الذي حوت أشعاره على طرق جديدة لكتابة الشعر، ليعده الكثير من أهم الشعراء المجددين داخل الشعر الإيراني، غير أن أشعاره لم يتم مقابلتها في البداية باهتمام أو إجلال، بل قوبلت بالرفض، نظرًا لعدم استثاغة الجمهور تلك الأشعار.
وقد عبر الشاعر عن معاناته تلك في أشعاره أيضًا، فبعنوان “شعر العنب” أوضح الشاعر أنه مثل البستاني، الذي يشقى و يرعى النبات حتى ينضج وتظهر ثماره، فيأكلها الناس ويستمتعون بها بسهولة ويسر، دون أن يشعروا بمدى الجهد الذي بذله الشاعر من أجل كتابة هذه القصائد.
حساد
رأى البعض أن أزمته ليس مع القواعد، ولكن مع الحساد، وذلك مثل الشاعر منوجهري الدامغاني، والذي عبر عن أزمته تلك داخل قصائده أيضًا، فداخل ديوانه نظم قصيده تحوي (48 بيتًا) تكلم فيها عن أزمته مع الحسد، مطالبًا السلطان مسعود الغرنوي إنصافه في المعركة التي تدور بينه وبين حساده، معددًا مميزاته التي تميزه عنه، مثل أنه ينظم الشعر بسهولة فائقه على عكسهم، فشعره مثل الماء المعين، على عكس شعر حساده الذي يشبه الماء الحميم، إلى جانب وجود مستمعين كثر لشعره، وثقافته العامة في العلوم والفنون، بجانب معرفته بالشعر العربي، وهي أمور لا يتميز بها حساده بالطبع.
أما الاتهامات التي يتهمها به حساده فقد كانت في كذبه في مدحه، وهو يتعجب إذا كان المديح عيبًا، فلما استحسن الرسول محمد شعر حسان بن ثابت، وأهداه بردته.
قيود الرقابة
هناك دائمًا ما يعرف باسم “الكود الاجتماعي” وهو ذلك الكود الذي تفرضه المجتمعات على أي إبداع مكتوب، وهو الشىء الذي عانى منه الشاعر “بزمان بختياري” وأفصح عنه خلال أشعاره، حيث أوضح أن هذه الرقابة تحبس الكثير من الكلمات داخل قلوب الشعراء.
غير أن الشاعر متفائل بشكل كبير، إذ يوضح في قصيدته أنه بعد وفاته، سيظهر شعراء يتعدون هذه الخطوط الحمراء، وسيقومون بالتعبير عن أنفسهم دون أي قواعد أو قيود خانقة.
ولم يكن “بختياري” فقط هو الرافض الوحيد لهذه القيود المكبلة، بل كذلك يؤكد الشاعر “محمد كلانتري” الذي رأى أنه لا يستطيع ممارسة أي نوع من الحرية داخل وطنه، ويشير إلى هذا في القصيدة التي حملت عنوان “الحسرة على الطيران” مشبهًا الشاعر بهذه الطيور، فالشاعر حبيس القفص دون أن يتمكن من التحليق بحرية.