ماذا يحدث في إيران؟
ربما يحمل هذا السؤال إجابتين على طرفي نقيض، إجابة ستتمثل في سردٍ لحركة التظاهرات في الجمهورية وأسبابها وتداعياتها وانطلاقاتها، وما المنحى الذي من الممكن أن تتخذه مُستقبلًا في صورةٍ استشرافية، وإجابةٌ أُخرى ستحمل استفسارًا جديدًا ما هي حمولة هذا السؤال؟، وما مقصوده؟.
وربما يكون هذا الاستفسار هو حالة طبيعية لمن سبروا أغوار الوضع في إيران، فعلى صفيح الأزمات والعوائق والتوترات التي تطحن البلاد؛ وهذا صفيحٌ مُهيَّأ في أي لحظة للانفجار من شدة سخونته، كان هُناك صراعًا على أشُده بين أجنحة الدولة وتدفع ثمنه البلاد والمواطنين القاطنين فيها بصُورةٍ شديدة البيان.
- الهدف: روحاني
أوردت نجمة بوزرغيمر في تقريرها الحديث عن طبيعة الدور السياسي في تشكيل الأزمة الحالية في إيران، قولًا لأحد المحللين السياسيين من أنصار الفكر الإصلاحي: “يبدو أن المتشددين يعتقدون أنه قد لا يكون أمامهم أي خيار سوى التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنهم لا يريدون أن يكون روحاني هو الذي يفاوض. ومن الغريب أيضًا أن روحاني لا يبذل جهودًا كافية كما لو أن الحكومة ترغب أيضًا في أن تخرج الأزمة عن نطاق السيطرة، بحيث يضطر المتشددون لابتلاع تنازلاتٍ كبيرة”.
يبدو أن المحافظين يريدون السير في طريق تكسير صورة روحاني أمام الجماهير مهما كان الثمن، كما أنهم لن يسمحوا بحدوث ما لم يُسمَح به من قبل، فلم يُوفَّق أي رئيس إصلاحي في فترته الثانية منذ أن أمسك نظام الثورة بزمام البلاد عام 1979، وهذا ظهر في فترتي حكم هاشمي رافسنجاني، ومحمد خاتمي للبلاد، فطالما وُجِد المحافظون والذين تناسلوا إلى مؤسسات الجمهورية وأحكموا الزمام عليها، فلن يكون هُناك وجود للإصلاحيي بصُورةٍ بارزة إلا عندما يريدون هم، فضلًا عن أن يكون هذا لروحاني، وروحاني يُعَد من أكثر الشخصيات اتزانًا في النظام الإيراني في الفترة الحالية، وظهر هذا الاتزان عندما وجّه روحاني إلى خامنئي، ما هو بمثابة تحذير شديد اللهجة، وقال له: “إن القادة الإيرانيين قد يواجهون مصير الشاه الإيراني إذا تجاهلوا الاستياء الشعبي”.
روحاني قال كلمته تلك في آخر أيام يناير / كانون الثاني من هذا العام، أي عقب انفضاض التظاهرات بفترةٍ قصيرةٍ للغاية، وأضاف قائلًا: “جميع قادة البلاد يجب أن يسمعوا مطالب الشعب وتمنياته، النظام السابق فقد كل شيء؛ لأنه لم يسمع صوت المواطنين وانتقاداتهم”.
تُضيِف نجمة أن المتشددين اغتنموا فرصة المعارضة العامة الآخذة في التصاعد والتنامي؛ لإلقاء اللوم على الرئيس الإيراني، وتبديد الهالة التي تُحيط به.
وقد قال رحيم صفوي، وهو قائد سابق في الحرس الثوري، وهو حاليًا مستشار رفيع المستوى للمرشد الأعلى، خلال عطلة نهاية الأسبوع: “أحيانًا يبدو وكأن البلاد ستُدار بشكلٍ أفضل من دون وجود حكومة روحاني”. وقد أصبح تعليق صفوي ملمحًا أو طريقًا للتعليقات التي ستعقبه فقد انطلقت دعوات من بعض الأعضاء المتشددين المحافظين في البرلمان إلى عزل الرئيس روحاني.
سنرى أن النظام الإيراني المُوازي في الأصل، والحاكم الرئيس للبلاد بالفعل، أصبح يتجه لتكرار حادثة الحسن بني صدر، أول رؤساء الجمهورية الإيرانية عقب الثورة، والذي أطاح به الخُميني من سُدة حكم البلاد، والتي لم يمكث فيها سوى زُهاء عامً واحد فقط.
وإمعانًا في شد الوثاق على الحكومة، وزيادةً في إحراج روحاني أمام الرأي العام، فقد قال أمير خوجاسته، أحد أعضاء البرلمان: “نمنح الحكومة من 10 إلى 15 يومًا لتقديم خطتها حول مواجهة مؤامرات العدو في الحرب الاقتصادية. وإلا سوف نثير مسألة افتقار الرئيس للكفاءة (من خلال توجيه الاتهام له بالتقصير). والهدف من ذلك هو الاستجابة لمطلب الجمهور ولن نتزحزح عن مواقفنا قيد أنملة”.
تُضيِف نجمة في تقريرها أنه ليس من الواضح ما إذا كان المحافظون الراديكاليون -والذين يدعون الولاء غير المشروط للمرشد الأعلى- يحاولون في الواقع الضغط عليه ليوافق على إجراء تغيير مبكر على الحكومة، أم أن الهدف هو الإطاحة بروحاني بالكُلية من رئاسة البلاد.
وقد ذكر أحد المطلعين على النظام وأحد أقارب المرشد الأعلى: “لا يزال خامنئي معارضًا لفكرة الإطاحة بروحاني”. بينما قال أحد المحللين الإصلاحيين:
سيكون روحاني محظوظًا إن بقي في السلطة حتى الخريف المقبل. الأزمة الحالية جاءت قبل سريان مفعول العقوبات الأمريكية، فما الذي سيحدث عندما يبدأ سريانها فعليا؟.
ستكون الإطاحة بروحاني مخاطرة من قِبل المحافظين كالقفز في مياه المحيط دون أي عوامل مُساعدة والأمل في الخروج ناجيًا، سيهدم خامنئي والحرس الركيزة الوحيدة المتبقية من صرح الجمهورية، المُمثَّلة في حرية اختيار الإيرانيين لرئيسهم، رُغم كافة الشُبهات التي تُحيِط بالعملية الانتخابية بالكُلية في إيران.
نُشير هُنا إلى الحادثة التي ذكرتها ونقلتها صحيفة “جهان صنعت”،من أن هُناك “ملاسنة” حامية وقعت بين الرئيس حسن روحاني، وقائد “فيلق القدس”، الذراع العسكرية الخارجية لقوة الحرس الثوري، قاسم سليماني، حول زيادة ميزانية الحرس الثوري المسؤول عن العمليات العسكرية في العديد من بُلدان المنطقة لا سيما سُورية.
وقد أوردت الصحيفة إنه عندما حضر روحاني إلى المنصة في احتفال عيد الفطر، توجّه إليه سليماني وحذّره من مغبة عدم تخصيص مبالغ إضافية في الموازنة للحرس الثوري، وفيلق القدس، فقُوبِل بردٍ عنيف من روحاني؛ ما دعا أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، إلى التوسّط بين الطرفين وإيقاف الشجار اللفظي.
تُشيِر هذه الحالة إلى مدى تعقيد الوضع في إيران، وأن بيئة الاضطرابات أصبحت شديدة الخصوبة ومُهيئَّة بصُورةٍ كاملة لحدوث أي انفجار، على إثر هذا التصارع والتطاحن في طبقات الساسة العُليا ومراكز النفوذ، وأن الوضع بالأسفل ما وصل لهذه الحالة إلا عقب فساد الوضع بالأعلى.
حالةٌ لم يُعبِر عنها سوى ما نقلته صحيفة “اعتماد” الإيرانية، على لسان النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، الذي صرّح دون مواربةٍ، أن الأمور ستزيد سوءً في المستقبل، وأن أصدقاء إيران وجيرانها مثل روسيا والصين والأوروبيين، ليس في وسعهم مساعدتها في مواجهة الإرهاب الاقتصادي، في إشارةٍ واضحة إلى الولايات المتحدة والرئيس الأميركي، الذي كان في الوقت عينه يدعو دول العالم، إلى التوقف عن استيراد النفط الإيراني تحت طائلة العقوبات الأميركية.
هذا النزيف الدائم في وضع الجمهورية على كافة الحقول والمناحي، اقتصاديًّا وسياسيًا وعسكريًا ومجتمعيًا، يؤكد لنا أن الوضع في إيران في أقرب فرصةً مواتية مُوجَّه للتغيُر، وأن الحرس الثوري بات على مُقربةٍ شديدةٍ للغاية من السيطرة على البلاد عَنوة، بحُجة المحافظة على نظام الثورة وحمايته، لا سيما بعد أن رصد الحرس جرأة واضحة من قِبل المُحتجين والمتظاهرين على إطلاق هتافاتٍ تنال من النظام ورأسه، وهذا ما لم يكن يحدث من ذي قبل، بالإضافة إلى التدخُل في قضايا قومية يراها الحرس خطوطًا حمراء ليس لأحدٍ كائنًا من كان الاقتراب منها، كالهتاف ضد تدخُل الجمهورية في الشؤون الداخلية لجيرانها كسُورية واليمن والعراق.
سينبري الحرس لارتكاب أي شيء وأي فظاعة ف =ي سبيل الحفاظ على هذا الصرح الذي شيدوه منذ قُرابة 40 عامًا، مهما بلغ اهتراء هذا الجسد من الداخل. ومن ثمَّ يُصبِح الإشارة هُنا إلى أن الوضغ في إيران لم يكن ليتوقف على معضلة تجار البازار أو ملف حقوق الإنسان أو ملفات الفقر وشُح المياه والجوع والبطالة، بل ما هوأكير يُعلِن بقوة أن هُناك غضبًا مُكرَّر على أعبة الاستعداد للتطور، وأن أزمات الجمهورية لن يُكتَب لها بعد الآن أن تُدفَن تحت التراب وستظل تطفو دائمًا.
المصادر