عقب انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي في الثامن من مايو / أيار الماضي، في خُطوةٍ ضايقت وأغضبت حُلفاءها الأوروبيين، فقد قرر النظام الأميركي الجديد بقيادة دونالد ترامب، تحويل دفة التعامل مع النظام الإيراني بالكُلية، وكما أشرنا في تقاريرٍ كثيرة سابقة أن أميركا توصلت إلى حلٍ من اثنين، إما تغيير سلوك النظام الإيراني؛ وهذا ما كانت تنتهجه الإدارات الأميركية ما قبل ترامب، أو اللجوء إلى خيار تغيير النظام الإيراني نفسه عبر إسقاطه وهذا ما قرره ترامب وإدارته.
ومن ثمّ فلن يتأتى هذا الأمر للنظام الأميركي إلا بالتوجه نحو إحكام حصارٍ دبلوماسيٍّ واقتصاديٍّ عنيفٍ طويل المدى لإجبار النظام الإيراني على الخُضوع إما أن يُعلِن استسلامه، أو يسقط سقوطًا مدويًا سيكون له تبعات عديدة وآثار جانبية شديدة التيايُن والحِدة.
وهذا برز عندما وضعت أميركا عقب انسحابها مباشرةً من الاتفاق، سياجًا اقتصاديًا عقابيًا صارمًا حول إيران تفرّد بإلحاق عقوبات على كافة الشركات الأجنبية العاملة في الأراضي الإيرانية، وقد كان على إثر ذلك انسحاب شركة “توتال” عملاق النفط الفرنسي من أعمال البحث والاستخراج والتنقيب عن البترول في إيران لعدم قُدرتها على تسديد المديونيات التي ستقع على كاهلها جراء العقوبات، كما كانت الطامة الكُبرى قد وقعت على إثر امتناع شركة “بوينج” للطائرات من تفعيل الصفقة التي كانت تُعوِّل عليها إيران منذ سنوات لمعالجة أسطول طياراتها المُتهالِك عبر إمدادها بأكثر من مائة طائرة مدنية لنقل الركاب والبضائع.
ومؤخرًا كانت حلقة ضغط جديدة تمثلت فيما حددته الولايات المتحدة الأميركية من أمرٍ لحلفائها بإنهاء جميع واردات النفط الإيراني بحلول نوفمبر / تشرين الثاني من هذا العام كحدٍّ أقصى، مع رغبةٍ أميركية في عدم تقديم أي تمديدات أو تنازلات، رُغم مدى التأثير السلبي الذي سيُلحقه هذا القرار على أوروبا وأميركا ذاتها. حتى أن الولايات المتحدة وجهت تعليماتها إلى المملكة العربية السعودية برفع طاقتها الإنتاجية من براميل النفط اليومية إلى 11 مليون برميل بصفةٍ يومية ابتداءً من أول يوليو / تموز المُقبِل، وهذاأمرٌ لم يحدث في المملكة منذ الستينيات.
وعلى إثر كل هذا، فأن إيران تعلم بصُورةٍ كبيرة هدف الولايات المتحدة من هذه الأفعال، وهو إشعارها بالعُزلة واجتثاثها من المجتمع الدولي وإلقائها في فضاءٍ عام لا علاقة له بالصورة التي شيدتها الولايات المتحدة الأميركية للعالم منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945.
ومن ثمَّ فقد قررت إيران التقارُب وتشديد الوِثاق والوِصال مع دولٍ عديدة، ورفع شعور العُزلة عنها والذي تريد أن تفرضه أميركا فرضًا على إيران رغمًا عنها،دولٌ أغلها لا تُحسَب على المعسكر الأميركيّ بقوة، أو تكون مصالحها في بوتقةٍ واحدة مع الجانب الإيراني.
وقد قُمنا برصد أبرز التطورات مؤخرًا عن حركة وسير العلاقات الإيرانية الخارجية لوزنها، والتعرف على الخط الذي تسير فيه إيران لتحقيق هدفها.
الهند
نقلًا عن رويترز، فقد أعلنت الحكومة الهندية في بيانٍ صدر عنها في الــ 22 من يونيو / حزيران الماضي، أن الهند تحاول تشغيل ميناء “تشابهار” في إيران، بحلول 2019، رُغم ضخامة حجم العقوبات الأميركية المفروضة على طهران ومن يتعامل معها مؤسسات كانت أو دُولًا.
وتطوير مرفأ تشابهار في إيران يجري ضمن ممر نقل جديد يصل إلى أفغانستان، حيث قد يفتح الطريق أمام التجارة ويقلل من اعتماد إيران على باكستان. وقد قال وزير النقل والشحن البحري الهندي، نيتين جادكاري، إن الميناء سيوفر وصولًا سهلًا إلى رابطة الدول المستقلة التي تضم فريًقا عريضًا من بلدان الاتحاد السوفيتي وفي مقدمتها روسيا، كما أورد موقع روسيا اليوم.
سنجد أن الهند في مواقفٍ كثيرة تُطور علاقاتها مع الجانب الإيراني، لا سيما الاقتصادية فقد أفسح انسحاب الأُوروبيين عن السوق الإيرانية المجال للهند ونُظرائها إلى الانتشار غي هذه السوق الواعدة والتي تحتاج إلى إمكانياتٍ وموارد فقط لرفع إنتاجيتها وجعلها شبيهةً بالمؤسسات النفطية العالمية.
عُمان
نقلًا عن موقع سيوتنيك عربي، فقد أكد وزير التجارة والصناعة العماني، علي بن مسعود السنيدي، على ضرورة زيادة التبادل التجاري مع إيران، معتبرا أن مستويات هذا التبادل ما تزال متواضعة. كما دعا إلى وضع حلول للتحديات أمام رجال الأعمال من البلدين، لبدء أعمال تجارية واستثمارية مشتركة. وقد التقى الوزير العماني مع عدد من رجال الأعمال الإيرانيين، في مسقط حيث تم بحث سبل زيادة التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين.
وقد قال وزير الصناعة والمعادن بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، محمد شريعت مداري، إن تطوير العلاقات التجارية بين البلدين، يجب أن يكون بمستوى العلاقات السياسية بينهما.
وقد كان هذا خلال اجتماعات الدورة الـ 17 للجنة العمانية – الإيرانية المشتركة والتي من المفترض أن تعمل على زيادة التبادل التجاري بين البلدين، وتسهيل شحن البضائع والسلع، وتطوير خطوط النقل الجوي والشحن البحري.
برفقة قطر، فعُمان تتمتع بمستوٍ عالٍ من العلاقات الدبلوماسية مع الجانب الإيراني، لاسيما أ، العلاقات بين عُمان وجيرانها في الخليح آخذةً في السوء مع الجانبين الإماراتي والسُعودي.
وقد تشارك الطرفان في أكثر من منحىٍ ومجال لا سيما السياسي في البحث في شؤون المنطقة، كالحرب المُستعِرة في اليمن، كذلك العلاقات الاقتصادية التجارية التي شكّلت العام المُنصرِم ما يزيد عن نصف مليار دولار، هذه العلاقات تصل إلى حدثٍ لم نتحقق منه، ولكن تُثاَرُ حوله الكثير من الأقاويل، وهو أن إيران ساهمت بشكلٍ مؤثر في كشف الحركة الانقلابية التي كانت تضطلع بها خلية إماراتية في الأراضي العُمانية عام 2011.
أوزبكستان
منذ عدة أيام، استقبل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أمين مجلس الأمن القومي للرئاسة الأوزبكية، فيكتور محمود اوف، والوفد السياسي والاقتصادي الرفيع الذي يرافقه.
أعرب ظريف عن تفاؤلهِ إزاء مستقبل العلاقات الثنائية، وقال نحن مسرورون من بدء مرحلة جديدة وبناءة بين إيران وأوزبكستان.
وقد اعتبر ظريف إرساء دعائم الأمن والاستقرار والتعاون الاقتصادي في مجال التجارة العابرة مع أفغانستان بأنه من بين أهداف البلدين وصولًا الى تعزيز التعاون الإقليمي، وقال أن الجمهورية الاسلامية الإيرانية تتطلع إلى بناء منطقة قوية على أساس التعاون .
وقد وصف محمود أوف لقاءاته مع كبار المسؤولين في إيران بإنها بناءة للغاية مشيرًا إلى القواسم التاريخية والثقافية المشتركة والمواقف المتطابقة للبلدين إزاء القضايا الاقليمية والدولية. وتعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالترانزيت والنقل والشحن والطاقة وكذلك التبادل الثقافي والسياحة.
أوزباكستان أصبحت هي الأُخرى وجهة جديدة للحركة الإيرانية، آخذين في الاعتبار أن العلاقات بين الجانبين الإيرلتي والأفغاني تسير نحو نفقٍ مجول بسبب أزمة المياه الشائكة والقائمة بينهما، ومن ثمَّ قررت إيران أن تأخذ دورةً حول أفغانستان أو مرورًا بها دون الاعتماد عليها بصفةٍ كلية، لعدم إيقاف حركة الاقتصاد والتدفق المالي منها.
حتى أن أوزبكستان وجهت الدعوة للإيرانيين، في مارس / آذار من العام الماضي، للاستثمار في المناطق التجارية الحرة خاصتها، وتذليل كافة العقبات أمامهم.
عبر استعراضنا لثلاثٍ دولٍ جديدة في التعامل مع إيران من خلالها، على خلاف المعتقَد المُتمثِل في المحور التركي القطري الإيراني، فإن إيران أصبحت تُوسِّع دائرة اتصالها ونفوذها أكبر فأكبر في محاولةٍ حثيثة لمواجهة الضغط غير البسيط والمُعقَّد المُمارَس عليها من قِبل اللايات المتحدة وحُلفاءها في أكثر من منطقة.
كما ترغب في تبديد الشعور المُتنامِي لدى أبناء شعبها من الشعور بالوحدانية والعُزلة والانقطاع عن العالم خارج إيران، والعمل على قمع صوت الغضب والذي مُهيَّأ في أي لحظة للتحول إلى نمط الثورة. جرّاء الحالة الاقتصادية الآخذة في التردي على إثر هذا الحجم من العقوبات والذي يُصيِب جسد الاقتصاد المُنهَك بإنهاكٍ أكثر وأقوى.
فهل من الممكن أن يُعوِّض عالم العلاقات الدبلوماسية المُشيَّد حديثًا من قِبل إيران والراغبة في رفع كفاءته، حجم المكاسب في جانب العلاقات الدبلوماسية الذي حظيت به إيران على إثر الاتفاق النووي أم لا؟.
هذا هو السؤال الذي ستُجيِب عنه الأيام المُقبِلة.
المصادر