الحچ: اعتقادٌ خاطئ
طالع الجميع الاتفاق الودي الذي أُبرِم بين المملكة العربية السعودية، والجمهورية الإيرانية، منذ عدة أيام بشأن تنظيم شؤون الحچ لهذا العام، إذ أعلنت إيران أنها بصدد افتتاح مكتب في قلب السعودية ذاتها لرعاية حجاجها.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت إيران تُملِي شروطها وبقُوة على السُعودية، حينما صرّح رئيس مؤسسة الحج الإيرانية، حميد محمدي إن بلاده ستُوجِّه أعداد من الحجاج من 85 إلى 90 ألفا، مُدعَّمين بطواقم طبية ولوچستية تبلغ حوالي ثلاثة آلاف فرد.
وقد وصف وزير الثقافة والإرشاد الإيراني، عباس صالحي، المباحثات بين طهران والرياض بهذا الخصوص بالودية والإيجابية. كما قد أفادت مؤسسة الحج في إيران بإبرام اتفاق مع الشركات الداخلية وشركة الطيران السعودية لإيفاد 583 قافلة من الحجاج الإيرانيين.
من الوهلة الأولى، فإن الناظر والمُتابِع لهذه الوُدية دون أن يسبر أغوار ها فيتلبس باعتقادٍ أنه لا كُره سيشوب العلاقات بعد الآن، وأن هذه إرهاصات ومُقدمات تبديد القطيعة بين البلدين.
ولكن هذا يُنافِي الحقيقة بالمرة، إذ أن العلاقات بين إيران والسعودية أكثر تعقيدًا واشتباكًا مما قد يعتقد البعض، حتى أن هذا الموقف الخاص بأمور الحج يُحسَب على الصراع بين الطرفين، كما أنه نقطة تُضاَف لخانة الجانب الإيراني في هذا الصراع.
فالسُعودية هي من أقدمت على حلحلة أمور الحج مع الجانب الإيراني، وهي من أظهرت جانب الود، كما أنها هي من طلبت لقاء الجانب الإيراني لتصفية كافة الخلافات القائمة بينها وبين إيران والخاصة بشؤون الحج.
كان هذا إذعانٌ تام من الجانب السُعودي، ولكنه كان يحمل هدفًا سياسيًا من الدرجة الأولى والذي يتمحور حول قطع الطريق على الدول الغاضبة من تحكم المملكة في مسار الحچ، وفرض القيود بشكلٍ لا يتناسب مع طبيعة حيازة الحرم والمشاعر المُقدَّسة في أراضيها، فكانت تعمل المملكة على مجابهة هذا الشعور الغاضب والضاجر المُتنامِي لدى هذه الدول لاسيما مؤخرًا الجزائر، وتونس، قطر، وكانت تخشى المملكة من أن تشكل هذه الدول مع إيران محورًا قويًا في دعم رسالة وضع الحرم والأماكن المُقدسة تحت وصايةٍ دولية، وإخراجها من أيادي السُعودية والتي باتت تتحكم فيها بصُورةٍ فجة مُنافيةً بالكُلية لوضعها كدولةٍ دومًا ما تُصدِّر نفسها للعالم، وللمُسلمين بالأخص أنها خادمة للحرمين الشريفين، ويُضفِي ملوكها على ألقابهم خدمتهم للحجيج وضيوف الرحمن.
رسالةً مُطعَّمةٌ بالنار
صرّح اللواء رحيم صفوي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، إن تفكير السُعودية في مهاجمة إيران سيكون حماقة كبرى، وستدفع الرياض ثمنها غاليًا.
مُشددًا على أن أي هجوم سعودي سيُقابَل بضرب الرياض وقصورها الملكية بألف صاروخ خلال اليوم الأول، مستبعدًا في الوقت ذاته أن تقوم السعودية بمثل هذا الأمر.
وأوضح أن لدى الجيش الإيراني برامج مُعَدّة سلفا لمواجهة مختلف التهديدات، وأن قوته وصلت إلى البحر المتوسط، معتبرا أن إيران هي الجهة الأقوى في المنطقة، ولا يمكن حل أي مشكلة بدونها.
مُضيفًا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعيشان حالة ضعف، وأنهما فشلتا في الإطاحة بنظام الرئيس السوري يشار الأسد، كما أن حزب الله اللبناني والذي يحوز ثمانين ألف صاروخ؛ أصبح يشكل تهديدًا دائمًا لإسرائيل.
خطابًا جامعًا وجريئًا يحمل قدرًا كبيرًا من الحقيقة، أبرز فيه صفوي تفاخُر جمهوريته بمليشياتها وأذرعها في العراق وسُورية، ومدى النجاحات التي حققتها هُناك، فقد كانت رغبة صفوي تتمثل في تكرارية إظهار الاستعلاء الإيراني على المملكة، السُعودية، وهذا قد تأّتى بفعل الهزائم المتتالية التي تكبدتها السُعودية مؤخرًا جراء السعي وراء إلحاق أية خسارة بالجمهورية الإيرانية، وهذا المنظور أو هذه الفلسفة كانت تتنامى لتوها كلا كان محمد بن سلمان يقترب من الحكم، والذي كان يريد أن يحقِق أي انتصار ولو معنوي يُضفِي على وصوله السريع للحكم ولإدارة كافة هذه المناصب في مملكة أجداده، كما كان يُريِد أن يُزيِل آثار الاعتقاد الذي ترسخ لدى شعبه بأنه استلب السُلطة عَنوة.
وكان من الكارثي لدى ابن سلمان أن دور إيران عقب وصول ابن سلمان مقارنةً بما قبل قدومه تعاظم عشرات المرات، بل على التقيض من ذلك أظهرت إيران صنائع السعودية في بُلدان جيرانها.
أظهر صفوي أيضًا أن المملكة ومراكز حكمها ليست عنهم ببعيد فهي في منالهم، ويستطيعون إلحاق أي خسائر بها ربطًا بما أصبحت تُحدِثه صواريخ الحوثيين، والتي أصبحت تجتاز ما هو أبعد من المناطق الحدودية السعودية إلى أن تصل إلى قلب العاصمة الرياض نفسها.
واستكمالًا لمسلسل الاستعلاء فقد شدد صفوي على استحالة أو خوف السعودية من الإقدام على هذه الخطوة، وهي الدخول في حربٍ معها، وهو ما تمارسه ليست السعودية وحدها بل وإيران أيضًا فهما يخوضان حربًا بالوالة، ويُقيِمانها عِوضًا عنهم بالإنابة أذرع وحركات، يكون أو يلحق الانتصار بصاحب العمل وهذا هو ما تحقق لإيران.
وهي رسالةٌ قد أوردها الكاتب المتخصص في شؤون الدفاع بمجلة فورين بوليسي، مايكل نايتس، حينما أوضح أن الوسيلة الأفضل لصراع الطرفين هي الحرب عن طريق الآخرين، وهو فعلٌ تنامى لدى إيران، منذ حرب الأعوام الثمانية بين إيران والعراق، ومن ثمَّ أظهرت القيادة الإيرانية تفضيلًا قويًا للعمل من خلال الآخرين مثل حزب الله اللبناني، والمليشيات الشيعية بالعراق، وحلفائها الآخرين.
وهو فعلٌ تنامى لدى المملكة السعودية أيضًا، والتي ظلت تفتقر لجيشٍ قويّ طوال معظم تاريخها، وبيّن نايتس أن المملكة استشعرت بنجاعة هذا الأسلوب عقب النجاح الذي حقّقته والضربات المرلمة التي ألحقتها بأعدائها مثل الجيش المصري باليمن في الستينيات، أثناء المواجهات المُستعِرة بين النظامين الملكي والجمهوري.
وأشار صفوي إلى رسالةٍ متواترة من قِبل العسكريين حول قدرة الجانب الإيراني على إمطار السعودية بألف صاروخ في يومٍ واحد، يعود بنا هذا إلى ما قاله في وقتٍ سابق العميد، خرم طوسي، كبير مستشاري القائد العام للجيش الإيراني بأن السعودية لن تصمد أمام قدرات إيران العسكرية أكثر من 48 ساعة، ودعاها إلى عدم الحديث عن أمور أكبر منها حجما، على حد تعبيره، مُشدِّدًا أن استراتيجية بلاده ليست مواجهة دول المنطقة ولن تكون في مواجهتها.
جدير بالذكر أن نايتس كان قد أشار في تقريرهِ أنه سيتم تصعيد أعمال المواجهة غير المباشرة بين المملكة والجمهورية إلى أن يحدث خطأ في حسابات أحد طرفي الحرب لتبدأ حربًا قصيرة ومكثَّفة تكون دعوة للاستيقاظ. وقبل اليقظة هناك إمكانية لتدمير جميع الموانئ الإيرانية من قبل المقاتلات السعودية والإمارات المتطورة، كما أن هناك إمكانية لقصفٍ إيراني صاروخي مركز لسواحل الخليج الشرقية سيكون أدناه مُكلِّفًا وكارثيًا.
مختتمًا بأن يوما أو يومين من هذه الحرب الخاطفة المباشرة تستخدم كمنبه للبلدين بواجبهما لتفادي حرب مباشرة، وقصر الحرب على أراضي أطرافٍ ثالثة سيئة الحظ.
هذا التقرير كان صادرًا في نهايات ديسمبر / كانون الأول من عام 2017، ويبدو أنه يأخذ طريقه صوب التحقُق إذا ظل الجنون هو المنهج الحاكم لسياسات الدولتين لاسيما في الخطابات والتصريحات.
لكن يظل دومًا السؤال الأهم ما الذي دفع بالمملكة لئن تكون دومًا مَحط استهدافٍ كلامي من قِبل الساسة والعسكريين في إيران؟، وسؤال أكثر أهمية ما البُغية التي تريد إيران الصول إليها من هذه التصريحات، وعند أي ساحل سترسو سفينة تصريحات المسؤولين في إيران والتي من الواضح أنها لا تتوقف عند حدٍّ معين، وليس لها منهج حاكم ولا تعرف أية حالة من الانضباط؟.
المصادر