وعدت حملة مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي الذي ظهر باعتباره الفائز الرئيسي في الانتخابات البرلمانية العراقية في الشهر الماضي، على إنهاء السياسة الطائفية واستبدالها بحكومة تضع العراقيين أولاً.
وبدلاً من القيام بذلك، شكل الصدر تحالفًا بعد الانتخابات مع كتلة شيعية منافسة تضم بعض أقوى الميليشيات التي تعمل في العراق وهي مجموعات تحصل على تمويلها ودعمها من طهران.
وتؤكد هذه الصفقة على الدور النشط الذي تلعبه إيران في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، حيث أرسلت مستشارين رئيسيين لإحياء ائتلاف كبير للأحزاب الشيعية كقناة لنفوذها في بغداد. كما أنها وضحت كيف اكتسبت إيران نفوذًا على الصدر، الذي دعا ذات مرة إلى تمهيد النفوذ الأجنبي من العراق.
وقال سياسي شيعي على دراية بمحادثات الحزب لوكالة أنباء «أسوشيتد برس» إن الائتلاف الجديد بين كتلة «سائرون» التابعة للصدر وكتلة “فتح” التابعة لهادي العامري، جاءت في أعقاب الضغوط الإيرانية المكثفة، بما في ذلك زيارات اللواء قاسم سليماني. وقد التقى سليماني ونجل الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي بمقتدى الصدر في وقت سابق من هذا الشهر، وجرت المحادثات بينهم بشرط السرية التامة وذلك لحساسيتها الشديدة.
أما بالنسبة للناخبين العراقيين، وبعد تسليم ما كان يفترض أن يكون نتيجة انتخابات محورية بدت بعيدة عن الانتماء الديني، فإن التحالف يعني عودة متدهورة إلى العمل كالمعتاد.
وقال واثق الهاشمي من المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية: «هذا الائتلاف نتاج لرغبة إيران في التأثير على القوى الداخلية في العراق».
وأضاف: «إلى جانب التحالف الوطني الشيعي، سيكون هناك تحالف سني وتحالف كردي، وعودة الطائفية بين جميع الكتل والفصائل المسلحة هو أخطر شيء في العراق الآن».
ومع عدم فوز أي حزب بأغلبية المقاعد، تحتاج الكتل المختلفة إلى تشكيل ائتلاف من أجل تسمية حكومة جديدة.
وفي يوم السبت، أبرم الصدر صفقة منفصلة مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو زعيم شيعي آخر، والذي جاءت كتلته في المركز الثالث في الانتخابات. والجدير بالذكر، أن العبادي قد شن حملته الانتخابية على أساس طائفي، حيث تضم كتلته سياسيين سنة. لكن معظم المرشحين الفائزين في قائمته كانوا من الشيعة، والعبادي هو رئيس حزب الدعوة الإسلامي، وهو حزب إسلامي شيعي شكل نواة الائتلافات الشيعية الحاكمة لعامي 2006 و2010.
وتمهد هذه التحالفات الطريق لعودة الحكومة الطائفية، حيث تتجمع الأحزاب الشيعية معاً لتشكيل ائتلاف كبير يتضاعف كشبكة رعاية لتوزيع الوظائف على المؤيدين.
وكانت انتخابات الشهر الماضي هي الرابعة في العراق منذ الغزو الذي قادته أمريكا عام 2003 وأطاح بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين. ولكن إقبال الناخبين كان في أدني مستوى له منذ 15 عامًا، بسبب الغضب الكبير على الطبقة السياسية المختلة. وزادت الادعاءات المتعلقة بالتزوير والغش على نطاق واسع بعد الانتخابات، مما أثار دعوات لإعادة الفرز والانتخابات الجديدة.
لم يسعى الصدر للحصول على مقعد بنفسه، بل حصل ائتلاف سائرون على 54 مقعدًا من أصل 329، تلتها فتح بـ 47 مقعدًا.
ووجه رجل الدين الذي قاد ميليشيا في التمرد ضد القوات الأمريكية، احتجاجات جماهيرية في السنوات الأخيرة تضمنت دعوات لإنهاء التدخل الأجنبي في الشؤون العراقية، وبالأخص إيران والميليشيات الشيعية المدعومة منها، والمتهمين على نطاق واسع بانتهاكات حقوق الإنسان ضد السنة أثناء محاربة داعش.
وعندما أُعلنت النتائج، تدفق أتباع الصدر إلى ميدان التحرير في بغداد، مطالبين برحيل إيران.
لكن يبدو الآن أن الزعيم البالغ من العمر 44 عاما، لا يملك خياراً سوى قطع الصفقات مع الفصائل المدعومة من إيران والكتل الشيعية الأخرى، ويبلغ عدد مقاعد ائتلاف الصدر مع كتلة فتح معًا 101 مقعدا في البرلمان، وهو ما زال أقل من 165 مقعدًا المطلوب لتشكيل حكومة جديدة، وسيبلغ عدد مقاعد الكتل الشيعية الثلاثة الباقية 188 مقعدًا.
وقال جعفر الموسوي، وهو سياسي مرتبط بالصدر: «إن الواقع بعد الانتخابات هو الذي فرض التحالف بين سائرون وفتح كفائزين بأكبر عدد من المقاعد».
وقد تم تسليط الضوء على الدور الإيراني من خلال المناقشات غير المباشرة بين الصدر والعامري التي أشرفت عليها طهران والتي استمرت عشرة أيام.
وبعد اجتماع دام خمس ساعات في منزل الصدر في النجف في 12 يونيو، أعلن الزعيمان عن اتفاقهما في مؤتمر صحفي مفاجئ بعد منتصف الليل.
حيث أعلن العامري: «إن إعلان اليوم هو مقدمة للتحالف الوطني».
وجاء ذلك بعد انفجار قاتل في معقل الصدر الانتخابي في شرق بغداد ونشوب نيران غامضة في مستودع يعتقد أن به بطاقات الاقتراع من نفس المنطقة، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادثتين.
منذ بضعة أشهر سخر الصدر من تحالف لم يدم طويلا بين العامري والعبادي باعتباره «بغيضا»، والآن انضم إلى التحالف مع كليهما!
وقال رئيس البرلمان السني سليم الجبوري، إن التجمع الجديد يحشد بالفعل الأقلية السنية في العراق لتوحيد الصفوف والتحدث بصوت واحد. وقال مشيرًا الى السنة والاكراد: «سيكون حافزًا للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة وسيحفز الآخرين على ترتيب أوراقهم قبل المناقشات الرسمية».
ويقود العامري الذي قضى أكثر من عقدين في إيران ويتمتع بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري، منظمة بدر القوية، وهي إحدى الميليشيات الرئيسية التي حاربت الجماعة الإسلامية. ويقال أنه يطمح إلى منصب رئيس الوزراء.
وقال سياسي مقرب من العبادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه لم يؤذن له بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن «الإرادة الإيرانية» كانت وراء «تحالف الميليشيات». وأضاف أن إيران «أرسلت رسالة إلى أمريكا بأنها لا يزال لها دور كبير ونفوذ في العراق».