بعد مرور أكثر من شهر على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني، لا تزال استراتيجية أمريكا لاحتواء البرنامج النووي غامضة، ولا يبدو أنها تملك واحدة محكمة تجاه إيران، فكل تركيزها منصبٌ على كوريا الشمالية، والمثير للقلق، أن إسرائيل كذلك لا يبدو أنها تملك استراتيجية متماسكة.
وفي الأسابيع المقبلة، سيتمتع معارضو الاتفاق النووي الإيراني بفترة قصيرة من الارتياح. وسرعان ما سيكتشف الأوروبيون أن اعتمادهم على السوق الأمريكية سيجبرهم على الالتزام بنظام العقوبات الجديد.
وإيران أيضا ستجد نفسها محاصرة، فهي مجبرة على مواصلة الالتزام بالاتفاق، على الأقل على المدى القصير، من أجل الحفاظ على علاقاتها مع أوروبا.
ومع ذلك، فإن صبر الإيرانيين سيزول في في غضون أشهر، وسيشرعون في اتخاذ خطوات للانسحاب من الاتفاق، وحينها فقط، ستتصاعد الأزمة.
والسؤال كما هوا لحال دائمًا: ما هي البدائل؟
وذكر كل من الرئيسين ترامب ونتنياهو أن هدفهما الأساسي هو إرغام إيران على الانضمام إلى اتفاق محسّن. وهكذا فإن العقوبات المتجددة مصممة لممارسة ضغوط شديدة على إيران وإجبارها على الانضمام إلى ما تمليه الحكومتين.
وفي غياب نظام العقوبات الدولية الشامل الذي كان موجودًا في الماضي، فإن احتمال قيام إيران بذلك وتقديم تنازلات اليوم، والتي لم تكن مستعدة لتقديمها في ذلك الوقت، يعد احتمالًا منخفضًا.
وتملك إيران أيضاً سياسات داخلية وزعماء سياسيون يتنافسون على المناصب. ومن المرجح أن النتيجة ستكون تعزيز المتشدّدين، الذين جادلوا منذ البداية بأنّ الصفقة النووية لم تكن سوى ذريعة أميركية، وأن سلوك إيران العدواني سيزداد، وكذلك في سوريا.
الخيار الثاني هو الجهد الأمريكي لإقامة تحالف إقليمي مناهض لإيران، مستندًا إلى دول الخليج ومصر والأردن، مع مشاركة إسرائيل غير المباشرة على الأقل
إن تشكيل تحالف من هذا النوع يتطلب زيادة في مبيعات الأسلحة الأمريكية، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وتوفير نوع من الضمان الأمني لأمريكا وزيادة التنسيق بين الدول المشاركة وإسرائيل.
وبعد أن أعرب ترامب عن رغبته في تقليص القوات الأمريكية في سوريا، سيواجه صعوبة في إقناع أحد بحدية استعداده للتعامل مع إيران الآن.
والاحتمال الثالث هو أن يفكر ترامب ونتنياهو بتغيير النظام في إيران. وهو هدف جدير بالاعتبار، إلّا أن المحاولات الخارجية إلى إحداث تغيير في النظام الإيراني، منذ الثورة الاسلاميه في 1979 ، قد فشلت ، ولا أحد يعرف كيف يفعل ذلك اليوم أيضا، وان حدث تغيير في إيران، فسوف يأتي من الداخل.
في مرحلة ما في المستقبل القريب، عندما يتضح أن العقوبات والخيارات الأخرى المذكورة أعلاه لا تنتج النتائج المرجوة، أو عندما تعيد إيران نشاطها النووي، قد لا يتبقى لنا سوى خيارين آخرين.
الاختيار الأول هو ضربة أمريكية تهدف لتدمير البرنامج النووي الإيراني، ويعتقد بعض الخبراء أن هذا هو هدف نتنياهو الحقيقي من خلال سلسلة من الخطابات التي ألقاها، ورغم أن ذلك يبدو احتمالًا ضعيفًا، إلّا أنه في حالة نجاحه، سيعدّ إنجازًا تاريخيًا لإسرائيل، وإذا فشل، فسيتم اتهام إسرائيل بمحاولة أخرى لجذب أمريكا لمغامرة عسكرية فاشلة في المنطقة.
الخيار الثاني هو ضربة عسكرية إسرائيلية. ولكن قبل بضع سنوات فقط، عارضت القيادة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية بكاملها هذا الخيار.
فهل نحن على استعداد للقيام بها الآن؟ هل تم ضمان الدعم الأمريكي وتم التوصل إلى اتفاق حول الإجراءات التي سيتم اتخاذها إذا جددت إيران برنامجها النووي؟
وإذا كنا لا نرغب في الوصول إلى المرحلة التي لا يكون أمام إسرائيل فيها أي خيار سوى الهجوم فيجب التصرف بحكمة، وليس من خلال الإملاءات، لإعادة إيران إلى الطاولة.
وللقيام بذلك يجب الاعتراف بحقيقة قاسية، أنه في الظروف التي أوجدها الانسحاب الأمريكي غير المسؤول من الاتفاق النووي، فإن قبول إيران لاتفاقية جديدة “محسنة” سيكون مرهونًا بالكامل بمدى نفعها لإيران أيضًا. وسيكون من الضروري التغلب على مخاوف الإيرانيين فيما يتعلق بمصداقية الالتزامات الأمريكية.
ومن أجل التوصل إلى اتفاق جديد، سيكون من الضروري أن تشارك كل الدول الكبرى في هذا العمل المعقد.
كما سيتعين على أمريكا وإسرائيل مواصلة الضغط على إيران، بوسائل من بينها الحفاظ على تهديد حقيقي بشن هجوم عسكري.
وسيتعين على الأوروبيين استخدام نفوذهم لضمان استمرار إيران في الالتزام بالاتفاق القائم، مع توضيح أن انتهاكها للاتفاقية سيجبرهم على دعم الموقف الأمريكي المتشدد، وستنضم إيران إلى اتفاقية جديدة، إن تعرضت فقط لضغط شديد.
ومن المفارقات العجيبة، عندما أوشكت إيران مع تصاعد الأزمة الدولية الناتجة على الانسحاب من الاتفاق النووي، ظهر للعيان بوادر لضربة أمريكية أو إسرائيلية.
ومن الصعب بطبيعة الحال التنبؤ بالكيفية التي ستجري بها الأحداث، ولكن روسيا، القوة العظمي الوحيدة التي لها علاقات مع جميع الأطراف ولها دور قيادي في سوريا، قد تلعب دوراً أساسيًا في هذه الأزمة.
وهناك احتمال آخر: أن يحاول ترامب الوصول لحل سريع وخطير مع إيران، وذلك بعد نجاحه مع كوريا الشمالية.
فعندما تعطي أمريكا لخصم ما، معظم ما تريده دون توضيح ما ستحصل عليه في المقابل، أو وسائل الإشراف، فإنه ليس من المستغرب أن يتم التوصل إلى “اختراق”. وفي الواقع، أعلن ترامب بالفعل أن كوريا الشمالية لم تعد تشكل تهديدًا نوويًا، على الرغم من أنه لم يتم تفكيك قنبلة واحدة. ويجب على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لمنع “نجاح” مماثل مع إيران!
إذا كانت هناك إدارة مختلفة مسؤولة في واشنطن، وكان هناك رئيس وزراء آخر في القدس، شخص لا يقاتل من أجل مستقبله السياسي وحتى الحرية الشخصية، فإن نهج ترامب ونتنياهو المتشدد قد يكون مناسبًا. وقد يكون هناك مجال للدبلوماسية القسرية تجاه إيران.
وعلى النقيض، فلدينا بواشنطن رئيس غير قادر على التمييز بين الرغبات الشخصية والواقع، والذي أدار ظهره لحلفاء تاريخيين بكل قسوة.
وفي القدس، قد يتطور الجدول الزمني للإجراءات القانونية ضد رئيس الوزراء بالترادف مع الوضع المتصاعد مع إيران. وتحت ظل هذه الظروف ، فإن المراهنة عليها أمر خطير.