انعقدت مؤخرًا سلسلة من التطورات والأحداث المتتالية في الشرق الأوسط، والتي لا يعرف لها سببًا واضحًا حتى الآن.
في خلال أسبوع، كانت هناك غارة جوية غامضة ضد الشيعة المقاتلين بالقرب من الحدود السورية مع العراق، ونسبت إدارة ترامب هذا التفجير إلى الإسرائيليين.
كما بدأ هجوم سعودي ضخم في اليمن بدعم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ضد معقل للمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وفي هذه الأثناء، زار رئيس الوزراء الإٍسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل غير متوقع العاهل الأردني الملك عبد الله.
ولا يزال الوفد الأمريكي والروسي يقوم بجولته في المنطقة.
ومن ضمن الأحداث الجارية، مازالت هناك المعركة التي تتقاسمها إسرائيل والسعودية ضد إيران، للحد من نفوذها في المنطقة، وهذا بدعم خفي من أمريكا بالطبع، وهو ما يشير لاستمرار ترامب بالتخلي عن الصفقة النووية بين القوى الكبرى وطهران، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران.
ويتعين علينا أن نأخذ في الحسبان مناقشة أولويات إسرائيل في ضوء معالجة الحكومة للحرائق المتعمدة في الحقول القريبة من غزة والناجمة عن هجمات الطائرات الورقية الحارقة التي دبرتها حماس، وشهدت ليلة الثلاثاء تصعيدًا متجددًا على الحدود حيث أطلقت حماس 45 صاروخًا نحو إسرائيل ردًا على الضربات الإسرائيلية التي استهدفتها.
وفي بقعةٍ أخرى، وقع يوم الأحد هجومًا غير عاديًا على سوريا من حيث الموقع والنطاق، حيث وقع الانفجار بالقرب من مدينة البوكمال في شرق سوريا، وقد ألقى النظام السوري باللائمة على أمريكا التي نفت بشدة علاقتها بالأمر، وذكرت شبكة سي إن إن لاحقًا أن إسرائيل هي المدبرة للهجوم.
رفضت إسرائيل كالعادة مناقشة الادعاءات. وبلغت سوريا عن عشرات القتلى من مقاتلي الميليشيات الشيعة.
ولا يمكن لهجومٍ مماثلٍ على هذا الموقع البعيد إلا أن يدل على قرار تنفيذي عاجل متعلق بضرب مهربي الأسلحة أو التعزيزات العسكرية، أو إلى إشارة استراتيجية.
وحذرت إسرائيل لأكثر من عام من إقامة ممر بري إيراني عبر العراق وسوريا للوصول لحزب الله اللبناني.
وأعلن نتنياهو مؤخرًا في اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد، أن إسرائيل ستعمل على إزالة الوجود الإيراني في سوريا، حتى لو تطلب ذلك أنشطة عميقة داخل البلاد.
ويصر رئيس الوزراء أن إيران أتمت دورها في هزيمة معارضي الرئيس السوري بشار الأسد، وأن نظامه مستقر الآن للغاية، وعمليًا، فإن عملية الأخلاء الجزئي من الأراضي السورية لن تمنع الصواريخ الإيرانية من ضرب إسرائيل.
وقد وقع القصف الأخير على سوريا في ظل الجهود التي تبذلها روسيا للتوصل إلى ترتيب جديد في جنوب سوريا. و لم تؤكد بعد التقييمات في إسرائيل حول امكانيه التوصل إلى اتفاق مرتبط بزيارة وزير الدفاع أفيغادور ليبرمان إلى نظيره الروسي سيرغي شويغو في موسكو قبل أسبوعين.
الهدف الأساسي هو إبقاء الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية على مسافة أكثر من 60 كيلومترًا من الحدود في مرتفعات الجولان –شرق طريق دمشق/درعا السريع-.
ويطالب نتنياهو بإخلاء كامل للإيرانيين، وليس بوسع إسرائيل أن تتوصل لاتفاق أكثر تواضعًا.
قد تفسر الضربة الجوية المنسوبة لإسرائيل في شرق سوريا على أنها تتمة للجهود التي تهدف للتوصل لترتيب ما في الجنوب، أو كعودة إلى استخدام القوة العسكرية في ظل فشل الجهود الدبلوماسية.
وعلى صعيدٍ آخر، زادت الحركة الدبلوماسية في المنطقة. وتشمل زيارة نتنياهو إلى عمان الأسبوع الماضي، وزيارة مستشار الأمن القومي مئير بن شبات إلى موسكو، ووصول قائد القوات الروسية الذي يحرس الحدود، وزيارة مبعوثي دونالد ترامب جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات، إلى العواصم في المنطقة.
وينشغل كوشنر وغرينبلات أساسا بالتحضيرات لتقديم مبادرة السلام للرئيس في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن في الوقت نفسه يحاولان تأمين الدعم المالي من المملكة العربية السعودية ودول الخليج لإعادة بناء قطاع غزة.
من غزة إلي اليمن
إن تواجد السعوديين في غزة ليس منفصلاً عن الأحداث الجارية في المنطقة، ويمكن التكهن بأن استعدادهم لفتح محافظهم في غزة مرتبط بإصرار الإدارة الأمريكية على تهميش الإيرانيين.
في هذه الأثناء، تمتع السعوديون ببعض النجاح العسكري على غير المألوف، ففي الأسبوع الماضي، بدأ هجوم من قبل السعوديين والإمارات العربية المتحدة ضد المتمردين الحوثيين في مدينة الحديدة الساحلية على الساحل الغربي لليمن.
وتشمل المنطقة التي يسيطر عليها الثوار العاصمة صنعاء وحوالي 20% من مساحة البلاد. تدخل معظم إمدادات البلاد عبر الميناء الذي تعرض للهجوم، وكذلك بعض الصواريخ التي قدمتها إيران للحوثيين، الذين يطلقون صاروخ سكود في الرياض كل أسبوع تقريبًا.
تعتبر الحديدة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للدول الأخرى، وذلك لقربها من مضيق باب المندب الذي يسيطر على الطريق البحري من قناة السويس إلى جنوب آسيا.
.يتم تنفيذ الهجوم السعودي بدعم وتدخل عسكري محدود من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ويمكننا القول أن قادة إيران أقل رضا عن الوضع في الشرق الأوسط مما كانوا عليه منذ أن انسحبت أمريكا من الاتفاق النووي، فالعقوبات الاقتصادية المتوقعة تؤثر بالفعل على الاقتصاد الإيراني.
وعلى جانب آخر، فاز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية، مما دفع طهران لمحاولة التوصل لاتفاق سياسي معه، ومازال الضغط العسكري ضد الإيرانيين مستمر في سوريا واليمين.
كل هذا لا يعني ان طهران ستنسحب من خططها في الشرق الأوسط، فعلى الرغم من امتلاكهم للكثير من الأوراق المتبقية للعب، ولكن المعركة من أجل الهيمنة الاقليمية تم تجديدها، وهذه المرة يبدو أن واشنطن ستشارك في اللعبة بكل ثقلها.