نيويورك تايمز
على الرغم من أن الظرف ظلّ محفوظًا في حقيبتها بشكلٍ آمن، إلاّ أنها ما انفكّت تتحقق من وجوده كل بضعة دقائق، فقط لتتأكد أن أثمن ما تملكه ما زال بحوزتها، لقد كان شيئًا طالما تمنته، ولكنها حرمت منه حتى هذه اللحظة.
وقالت بينما تسحب بطاقة طويلة من جيب حقيبتها: “لقد عاودت التأكد من سلامتها مرة تلو الأخرى، فهي بمثابة الكنز بالنسبة لي”.
كانت تحمل بين يديها الصغيرتين جائزة ظن ملايين مشجعي كرة القدم الآخرين أنها من حقهم: “تذكرة مباراة”، وعلى وجه الدقة، كانت تلك تذكرة مباراة إيران الافتتاحية في كأس العالم ضد المغرب بسانت بطرسبرغ يوم الجمعة، وقد كانت أول تذكرة لها على الإطلاق لمشاهدة فريقها الوطني يلعب مباشرةً على الهواء. ولذلك فقد ظلت تتفقد حقيبتها للتأكد من سلامة تذكرتها، غير مصدقةً أنها حقيقية.
سافرت المشجعة سارة إلى روسيا من دولتها إيران، حيث منعت النساء من حضور مباريات الرجال. وقد أصبحت ناشطة في حملة استمرت 13 عامًا لإقناع السلطات بإلغاء الحظر، ولهذا فهي تستخدم اسم سارة لإخفاء هويتها الحقيقية خوفًا من الاعتقال.
بدأت الناشطة المولعة بالرياضة حملتها في 2005، حيث احتجت هي وعشرات النساء خارج استاد أزادي الكبير في طهران.
وتقول: “أتذكر في عام 2005 أننا أردنا أن نشاهد كرة القدم، والعديد من المتعلمين لم يعتبروها مسألة تتعلق بحقوق المرأة، في البداية كان هناك بعض النجاح حيث سُمح لنا بالتجمع، ولكن بعد فشل الثورة الخضراء في 2009 في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد- توقفت الاحتجاجات بعد حملة قمع عنيفة”.
وعوضًا عن ذلك انتقلت إلى وسائل الإعلام الاجتماعية، وأنشأت حسابًا مجهولًا على تويتر وسمته openstadiums@
و ساعدها حسابها بتويتر على عرض حملتها المحلية على مستوى العالم، وكسب مؤيدين جدد.
وتقول مويا دود، وهي المسؤولة الأسترالية لكرة القدم، وعضوة تنفيذية سابقة في اتحاد الفيفا: “لقد تواصلنا في البداية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان من واجبي أن أمثل من لا صوت لهم، واكتشاف حل لتلك المشكلة”.
ونجحت دود في إثارة قضية حظر الاستاد الإيراني مع رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر، الذي قام بدوره بشكل خاص وعلني مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في عام 2015، وتحركت قضية الأقلية لتصبح شأنًا سائدًا.
وقالت دود: “لقد ساعدت سارة في تحويل حظر الاستاد الإيراني لشيء أكبر، وهو حق المرأة الإيرانية في المشاركة الكاملة في المجتمع”.
وقد أصبحت القضية موضعًا للجدل في إيران، حيث دعي الفريق للقاء الرئيس روحاني في يوليو السابق بعد تأهل إيران لنهائيات كأس العالم، وذلك عندما استغل كابتن إيران مسعود الشجاعي الفرصة لرفع الحظر المفروض على النساء في الملاعب. وقد عقبت سارة على ذلك قائلة: “انه إنسان لا يصدق، نحن فخورون حقًا لأننا نملك قائدًا مثله”.
ولكن التحدث في إيران يمكن أن يكون له عواقبه، فقد تم إستبعاد الشجاعي من المنتخب الوطني لاحقًا، بعد أن انتقده سياسيون ومعلقون محافظون بسبب لعب فريقه ضد فريق إسرائيلي، وهو ما يعد خطًا أحمرًا في طهران. (الجدير بالذكر أنه قد تم إعادة تعيينه قبل وقت قصير من كأس العالم من قبل مدرب الفريق كارلوس كيروش).
تعرضت سارة للاعتقال في مارس هي و13 مشجعة حاولن دخول أزادي لمشاهدة أكبر مبارة محلية لإيران ضد فريق بريسبوليس، وتم احتجازهن لعدة ساعات، حضر المباراة 100 ألف رجل، وتمكنت سارة من الهرب في ذلك اليوم في ظل حضور رئيس الفيفا، جياني انفانتينو بينما كان يشاهد المباراة مع مسؤولين إيرانيين.
لم يثر إنفانتينو قضية منع النساء من حضور المبارايات علنًا أثناء وجوده في إيران، لكنَّه صرَّح بعد ذلك بأنَّه ناقش الأمر مع الرئيس روحاني بشكل خاص وأنه طمأنه بأن هناك خططًا لإنهاء هذا الوضع.
وتقول سارة عن الجهود التي بذلتها لإنهاء الحظر كمواطن خاص: “إنه لأمر مرهق وصعب للغاية حين يعيش المرء في هذه الظروف، فكل خطوة أقوم بها أفكر في الخطر الذي سأعرض نفسي وعائلتي إليه، وأشعر بالرعب جراء ذلك”.
وقبيل انطلاق مباراة يوم الجمعة بعدة ساعات فقط بسانت بطرسبرغ، شعرت سارة بالتمزق الداخلي، فمن ناحية أرادت أن تستمتع بالمباراة بدون أية ضغوط كبقية النساء في العالم، ومن ناحية أخرى فهي تدرك أن كأس العالم يعد منصة أوسع كي يعرف العالم قضيتها في إيران.
وقالت سارة : “من حق كل امرأة إيرانية أن تحضر المباريات فهي ليست مخصصة للرجال فقط”.
وفي يوم الجمعة، انضم العديد من النساء الإيرانيات إلى موكب المشجعين في استاد سانت بطرسبرغ، والتقت سارة بناشط إيراني آخر يعيش في الولايات المتحدة، وحملت سارة لافتة مكتوب عليها: “دعم الإيرانيات لحضور المباريات في الملاعب”. وقد مررها المشجعون فيما بينهم لإظهار دعمهم، أو لالتقاط الصور مع اللافتة.
ولاحظ ضباط الشرطة الروس الأمر، ولكنهم لم يتدخلوا.
ومع بداية المباراة، اتجهت المجموعات إلى مقاعدها، وأخدت سارها مكانها في الطابور، وقالت أنها لم تتمكن من منع ابتسامتها منذ هبطت من الحافلة التي أحضرتها بالقرب من الاستاد.