بعد وقت قصير من تحذير آية الله علي خامنئي السياسيين الإيرانيين لتجنب “الانقسامات”، جلس أرضًا مع الرئيس حسن روحاني في غرفة الاجتماعات الشهر الماضي، في لفتة ودية بشكل غير معتاد من قبل المرشد الأعلى.
وكثيرًا ما كان يُنظر إلى الزعيمين الإيرانيين على أنهما على خلاف، حيث أثار روحاني غضب المتشددين بسبب محاولته لتخفيف القيود الاجتماعية وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي. ولكن في الوقت الذي تواجه فيه الجمهورية الإسلامية تداعيات ما بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، فإن خامنئي مصمم على إظهار أن المتشددين والإصلاحيين متحدون في مواجهة ما يعتبره حكام إيران تهديدًا وجوديًا لاستمراريتهم.
وقال خامنئي، صانع القرار النهائي في إيران، لكبار المسؤولين السياسيين والزعماء العسكريين والإصلاحيين في الاجتماع الأخير: “يجب ألا تحدث انقسامات واختلاف حول الاتفاق النووي. يجب عدم انتهاك الوحدة والتضامن والتحدث بلغة واحدة”.
ويدعم النظام كلمات المرشد الأعلى بالفعل. فبعد أيام من خطاب خامنئي، أعلنت طهران أنها تعمل على إنشاء “مجلس عالٍ للتنسيق الاقتصادي” لتنسيق رد الجمهورية على إعادة فرض العقوبات النووية الأمريكية.
وقال مسؤول إيراني قريب من النظام: “مع تشكيل هذا المجلس، بدأت غرفة الحرب الاقتصادية الإيرانية بالعمل بشكل رسمي. الآن يمكننا وسوف نقاوم الولايات المتحدة”.
ويضم المجلس الجديد رؤساء السلطة التنفيذية والبرلمان والقضاء، اللذين يعدان مركزًا لسلطة المتشددين، وهي علامة أخرى على قيام النظام بتوحيد صفوفه على الرغم من التنافس الشديد بين الفصائل السياسية.
وقال إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس وكبير الإصلاحيين، أن مصير إيران والدولة الحاكمة وحكومة روحاني مرتبطون جميعًا.
وكان القرار الأول للمجلس الاقتصادي هو الإسراع في تنفيذ خطة العمل التي اعتمدت في عام 2016 تحت إشراف قوة العمل للإجراءات المالية، وهي الهيئة التي تتخذ من باريس مقرًا لها والتي تهدف إلى حماية النظام المالي العالمي من غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وذلك يتطابق مع مطلب رئيسي من الدول الأوروبية التي تكافح لإنقاذ الاتفاقية النووية، ولكن أيضا يُعتقد أن طهران مضطرة أن تفعل المزيد لمعالجة بعض مخاوف الولايات المتحدة، بما في ذلك أن يرعى النظام الجماعات الإقليمية المتشددة.
وقال خامنئي أنه ينظر إلى وزارة الخزانة الأمريكية وليس إلى وزارة الدفاع، باعتبارها “غرفة الحرب” لترامب، مسلطاً الضوء على الاعتقاد الإيراني واسع الانتشار بأن واشنطن تأمل في زعزعة استقرار البلاد من خلال إجراءات اقتصادية عقابية.
إن طهران الآن في حاجة ماسة إلى إبقاء خطوط التمويل مع البنوك الأوروبية مفتوحة للمساعدة في تخفيف تأثير العقوبات الأمريكية. كما يريد النظام حماية صادراته من النفط التي يبلغ حجمها حاليًا 2.5 مليون برميل يوميًا والتي تعد شريان الحياة للاقتصاد المجهد.
وقال سعيد ليلاز، الخبير ذو العقلية الإصلاحية في الاقتصاد السياسي الإيراني: “طالما أننا نستطيع بيع النفط -حتى لو كان 600 ألف برميل على الأقل- ويمكننا الوصول إلى أموال النفط، فيمكننا النجاة. سنكون على ما يرام مع هذه البنوك الأوروبية من الدرجة الثالثة والرابعة والشركات التي تعمل مع إيران الآن”.
وبموجب الاتفاق النووي لعام 2015، الذي وقعته فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وافقت إيران على الحد من أنشطتها النووية مقابل المكاسب الاقتصادية للعقوبات الغربية التي تم رفعها.
وقال حكام إيرانيون أنهم سيبقون جميع الخيارات مفتوحة حتى يتم الرد على موقف ترامب العدواني المتزايد تجاه الجمهورية. ويمكن أن يشمل ذلك استئناف طهران لتخصيب اليورانيوم والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي -التي لطالما انتقدها المتشددون بحجة أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة وأن إيران لم تجن سوى القليل من الفوائد.
لكن المحللين يتوقعون أن تبقى إيران في الاتفاق، في نفس الوقت الذي تخفي فيه مخاوفها من أن تنحاز الدول الأوروبية الثلاث إلى صف واشنطن في الضغط على طهران بسبب تأثيرها الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية.
ويتفق كل من المتشددين والاصلاحيين في الاعتقاد بأن وجود إيران في دول مثل سوريا ولبنان والعراق هو مسألة أمن قومي.
وقال المسؤول التنفيذي القريب من النظام: “سنستمر في أن نكون الطرف الصالح، ونبقى في الاتفاقية النووية، ولكن دون تقديم أي تنازل في القضايا الإقليمية والدفاعية. نحن بحاجة إلى النجاة لبضع سنوات حتى انتهاء ترامب فترة ولايته ومن ثم سوف نرى ما سيحدث بعد ذلك”.