CNBC
كتبت “ناتاشا توراك” لـ CNBC، وترجمت “إيران خانه”:
تتعرض أفغانستان لخطر أن تصبح ضحية غير مقصودة للعقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على طهران، والتي أعلن عنها كجزء من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في أوائل مايو.
فعلى الساحل الجنوبي لإيران يجري تطوير مجمع ميناء رئيسي من المقرر أن يوفر ممر نقل إلى أفغانستان، مما يمنح البلد غير الساحلي إمكانية الوصول إلى التجارة في المحيط الهندي.
لكن الممثلون الدوليون الذين يقودون الاستثمار والتمويل في الميناء المدعوم من الهند أصبحوا الآن في حالة من الشك وسط مخاوف من فرض الولايات المتحدة عقوبات عليهم لقيامهم بأعمال في إيران.
ويوصف مشروع ميناء تشابهار، الذي تتولى الهند تطويره، بأنه يملك القدرة على تعزيز تجارة أفغانستان بملايين الدولارات. كما يهدف إلى وضع أسس البنية التحتية لتطوير صناعة التعدين في البلد الفقير غير المستغلة إلى حد كبير، والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. وتعتمد الهند على إيران في الوصول إلى أفغانستان بريًا، وترى في زيادة التجارة هناك طريقة لتقليل النفوذ الباكستاني المجاور في البلاد.
ما زالت أفغانستان تعاني من الفقر والبطالة والإرهاب حتى بعد ما يقرب من 17 سنة من الغزو الأمريكي للإطاحة بحركة طالبان. وتدعم وزارة الدفاع الأمريكية منذ سنوات انخراط الهند في اقتصاد أفغانستان الضعيف، الذي يعتمد بشدة على المساعدات الأجنبية، حتى لو تطلب ذلك العمل عن طريق إيران.
ويمكن أن يهدد فرضُ سياسات من شأنها معاقبة هذا الاستثمار الذي يتعامل مع إيران، هدفَ السياسة الأمريكية الطويل الأمد المتمثل في تحقيق الاستقرار في أفغانستان من خلال التنمية الاقتصادية.
وقال ماركوس شينيفيكس الباحث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تي إس لومبارد: “سياسة عزل إيران تتعارض بشكل مباشر مع المصالح الأمريكية في أفغانستان”. ومن المحتمل أن يجبر أفغانستان على قطع علاقاتها مع أحد أكبر شركائها التجاريين، فقال: “إدارة ترامب تضرب الاقتصاد الأفغاني المحاصر في مقتل في وقت تكافح فيه الحكومة ضد حركة طالبان بالفعل”.
ووقعت مذكرة تفاهم ثلاثية وقعت في 2016 بين الهند وإيران وأفغانستان بمبلغ 21 مليار دولار للمشروع -9 مليار دولار للميناء الفعلي في تشابهار، والبقية لتطوير قدرات أفغانستان على تصدير الحديد الخام. وقال تشينيفيكس: “هذه الصفقة كانت كلها حول أفغانستان”.
وتحدث أشرف حيدري، المدير العام للسياسات والاستراتيجية في وزارة الخارجية الأفغانية، عن الحاجة إلى المشروع لأسباب أمنية، وشدد على إمكانية أن تصبح البلاد جسرًا بريًا لجنوب ووسط آسيا.
وقال حيدري لمحطة سي.إن.بي.سي التلفزيونية: “هذا سيجني لأفغانستان الكثير من عائدات النقل ويعزز بشكل مباشر نمونا الاقتصادي الراكد. ويجب أن يخلق هذا فرص عمل نحتاجها بشدة للشباب، ويمنع بشكل فعال تجنيدهم واستغلالهم من قبل الشبكات الإرهابية، بما في ذلك طالبان والقاعدة وداعش”.
طالبان من جديد
طالبان الآن أكثر قوة من أي وقت مضى منذ الغزو الأمريكي، ويقال إنها تفرض النفوذ على ثلثي البلاد.
وقد وصف ديفيد برويستر الباحث الكبير في كلية الأمن القومي في كانبيرا، العقوبات المتعلقة بأفغانستان لـ CNBC قائلًا: “الأمر وكأن الولايات المتحدة قد سجلت هدفًا في مرماها”.
ولا تزال أفغانستان على صلة بالمتاجرة غير المشروعة في تجارة الأفيون، والتي يقدر صندوق النقد الدولي قيمتها بـ 2 مليار دولار سنويًا. كما أنها مصدر دخل رئيسي لطالبان. وسيخلق ميناء تشابهار والممر التجاري كما هو باديًا المزيد من الفرص للمصدرين والمزارعين الأفغان، الذين كان المسؤولون الأفغان، نيابة عنهم، يضغطون على واشنطن للإعفاءات من العقوبات -حتى الآن دون جدوى.
وقال حسنين مالك مدير استراتيجية الأسهم في الأسواق الحدودية في بنك اكسوتكس الاستثماري ومقره لندن: “التداعيات على أفغانستان والهند وباكستان التي تسببت فيها سياسة أمريكية العنيفة مع إيران لم يتم التفكير فيها أو اعتبارها مجرد أهمية ثانوية. واحتمالات تحقيق الاستقرار في أفغانستان، والانسحاب النهائي للقوات الأمريكية، تتطلب تعاون جميع القوى الإقليمية، بما في ذلك إيران”.
وفي هذا الشأن، قال أنه من مصلحة أفغانستان امتلاك سبل الدخول إلى أكبر عدد ممكن من الموانئ -فهي في الوقت الحالي خاضعة لباكستان، والتي شهدت معها نزاعات متكررة وإغلاق للحدود.
“الأنشطة والسلوك المؤذي”
رفعت الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015 ، المعروفة رسمياً باسم خطة العمل المشتركة الشاملة والموقعة بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى بما فيها روسيا والصين، عقوبات اقتصادية عن الجمهورية الإسلامية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
ولطالما استهزأت إدارة ترامب بالاتفاقية، وتخطط الآن لفرض “أقوى عقوبات في التاريخ” على طهران ردًا على ما وصفته بالنشاط الإيراني المزعزع للاستقرار. ويشمل ذلك اختبارات الصواريخ الباليستية المتكررة وانتهاكات حقوق الإنسان والتدخل العسكري في النزاعات الأجنبية في سوريا واليمن وغيرها.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لـ CNBC ـن العقوبات “تهدف إلى تعطيل الأنشطة والسلوكيات الإيرانية المؤذية ووقف تمويل أنشطتها النووية”. وأضاف: “إننا نجري مناقشات حول انسحابنا من خطة العمل المشتركة وإعادة فرض العقوبات على إيران مع جميع حلفائنا وشركائنا”.
وتتورط إيران في نشاط مزعزع للاستقرار في أفغانستان، على الرغم من أنه أقل وضوحًا من الدول الأخرى. فقد قدمت طهران مساعدات عسكرية لطالبان في مكان ما منذ قرابة عقد من الزمن، في شكل “أسلحة خفيفة وآر بي جي، وحتى السماح بالتدريب العسكري لقوات طالبان على الأراضي الإيرانية” حسب تقرير لمؤسسة RAND عام 2014. وتعارض الحكومة الإيرانية، وخاصة قوات الحرس الثوري، بشدة أي وجود أمريكي في أفغانستان.
كما أشار تقرير RAND إلى مليارات الدولارات الإيرانية في التجارة والمعونة مع أفغانستان، على الرغم من أن التوازن التجاري يميل إلى حد كبير لصالح الصادرات الإيرانية، ويرجع ذلك في الغالب إلى القاعدة الصناعية السابقة غير المتطورة.
في غضون ذلك، يتضاءل دعم إيران لطالبان بسبب دعمها للميليشيات الشيعية المناهضة للولايات المتحدة في المنطقة، وبعضها كان مسؤولاً عن مقتل المئات من القوات الأمريكية في العراق.
إمكانية الردع
لكن بالسؤال عما إذا كانت العقوبات ستردع التدخل الإيراني فعليًا، فقد بدا أن الخبراء الإقليميين غير مقتنعين.
وقال تشينيفيكس: “من خلال عزل إيران عن الاقتصاد العالمي، فإن الولايات المتحدة تقلل ما ستتكلفه إيران جراء سلوك حكومتها السيئ… فاقتصاد معزول عالميًا، ليس لديه ما يخسره. ببساطة، إدارة ترامب تجعل من السهل على المتشددين الإيرانيين أن يتولوا السياسة الخارجية الإيرانية بفرضها العقوبات”.
وافقه مالك، مشيرًا إلى أن العقوبات قد يكون لها تأثير معاكس. وقال “ارتفاع أسعار النفط بسبب المخاطر الأقليمية قد يعوض الآثار الاقتصادية لتراجع صادرات النفط الإيرانية” محذرًا من أن المتشددين الذين يفضلون التدخل الأجنبي من المرجح أن يشجعهم تفكيك الاتفاق النووي.
وفي هذه الأثناء، لا يزال حيدري، من وزارة الشؤون الخارجية الأفغانية، متفائلاً بأن داعمي تشابهار قد يحصلون على إعفاء من واشنطن.
وقال: “نحن واثقون من إمكانية حدوث استثناء في هذه الحالة، حتى لا تؤدي أي عقوبات وشيكة في الولايات المتحدة إلى تقويض الاستثمار الهندي جيد النوايا والمربح في تنفيذ اتفاقنا الثلاثي”.