MIDDLE EAST EYE
كتب مصطفى سلامة المحلل السياسي والكاتب المستقل لموقع “ميدل إيست آي”، وترجمت “إيران خانه”:
على عكس المشورات المحلية والعالمية، قام الرئيس دونالد ترامب هذا الشهر بسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية. ولعل هذا قد فاجأ الكثيرين، ولكن بالنظر إلى السياق الأوسع الذي تم فيه التفاوض والتوقيع على الاتفاق، من الواضح أن الصدام بين الولايات المتحدة وإيران كان حتمياً، بغض النظر عن الاتفاق نفسه.
فالولايات المتحدة – التي ما زال يُنِظر إليها على أنها قوة مهيمنة عالمية، حتى لو كانت هذه المكانة معرضة للخطر بشكل متزايد- لا تهدف فقط إلى منع الدول الأخرى من الحصول على الأسلحة النووية، ولكن أيضًا إلى منع القوى الإقليمية من تحدي المصالح الأمريكية. ففي الماضي، عندما كان العراق قوة إقليمية في عهد صدام حسين، طبقت الولايات المتحدة سياسة “الاحتواء المزدوج” على العراق وإيران لردع عدوانهما خارج حدودهما في انتظار تغيير النظام فيهما. وفي وقت لاحق، طالب بعض خبراء السياسة الخارجية الأمريكية “بتحقيق التوازن في الخارج” أو دعم البلدان بطريقة لا تؤدي إلى السيطرة عليهم.
لإيران مطلق الحرية
عندما تفاوض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما على الاتفاقية الإيرانية، كان كل تركيزه على إبطال أي إمكانية للأسلحة النووية. وكانت الإدارة في ذلك الوقت متساهلة بشكل غريب مع توسعات إيران الإقليمية، وبقيت صامتة حول هذا الأمر من أجل أن يحدث الاتفاق. فبدا الأمر وكأن إيران تتخلى عن إمكاناتها النووية مقابل الحصول على حريتها المطلقة في المنطقة.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باستمرار عن الحاجة إلى الحد من عدد المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى القوات المعادية للأسد في سوريا، غضوا الطرف عن الميليشيات المدعومة من إيران والمشحونة بالشعارات الطائفية، وبالطبع الضباط الإيرانيين الذين دعموا الرئيس بشار الأسد. وقد سخر الإعلام العربي من هذه النقطة باستمرار عند مناقشة الصراع في سوريا.
وعلى نحو غريب بعض الشيء، في عام 2015 وقبل توقيع الاتفاق النووي ببضعة أشهر، تم تقديم تقرير استخباراتي أمريكي إلى الكونجرس تم فيه حذف إيران وحزب الله من قائمة التهديدات الإرهابية على الولايات المتحدة، بل وصُوروا بشكل أكثر إيجابية، وعلى ما يبدو بسبب جهودهم لمحاربة الدولة الإسلامية (داعش). وهذا يتناقض مع تقرير العام الماضي، حيث قيل أن حزب الله المدعوم من إيران “زاد من نشاطه الإرهابي العالمي في السنوات الأخيرة إلى مستوى لم نشهده منذ التسعينيات”.
وهذا لا يعني أن إدارة أوباما أعطت الفرصة لإيران ببساطة للتوسع في الشرق الأوسط بحسن نية. فقد كان لدى الولايات المتحدة آنذاك قيودها الحقيقية المعروفة في المنطقة، واستطاعت إيران تجاوز حدودها أثناء فراغ السلطة الذي خلقه الربيع العربي.
نفوذ طهران في العراق
استطاع أوباما الفوز بالفعل بنقاط إضافية لدى شعبه بإعادته للقوات الأمريكية في العراق من هناك عام 2009، حين لم يعد لدى الشعب الأمريكي أي رغبة في التدخل العسكري في الشرق الأوسط. وأشاد أوباما بالحكومة العراقية بشأن قضايا الديمقراطية والشمولية في نهاية ولايته الثانية، عندما كانت هذه الإشادة غير مستحقة.
وكانت لإيران تأثيرها الكبير على العراق حيث لم يكن لها منافس هناك. أما “الخط الأحمر” الذي وضعه أوباما لمنع استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، فقد انتهكه الأسد، دون أن يجد ردًا. فقد كانت الولايات المتحدة “تتمحور حول آسيا”، مما زود من الاهتمام والموارد من أجل احتواء الصين وتشكيل حدودها في الشرق الأوسط، كما أشار أوباما في خطابه الشهير في ويست بوينت، والذي استبعد التدخلات العسكرية الكبرى في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، غزت روسيا في وقت لاحق منطقة القرم في أوكرانيا، وبدا أن الولايات المتحدة كانت مرتبكة حول كيفية التصرف على الساحة العالمية. وكانت هذه كلها أضواء خضراء لأي قوة إقليمية في الشرق الأوسط لتتوسع، وكانت إيران تفعل ذلك بالضبط.
ويبدو أن أوباما أراد إنهاء رئاسته بعمل إيجابي، وهو الاتفاق النووي الإيراني. وعرفت إيران ذلك جيدًا واستفادت منه. فكانت مسألة وقت فقط قبل أن تنزعج الإدارة التالية من توسع إيران، وتخطط لكبحها.
المواجهة الدبلوماسية
سيجعل فرض عقوبات اقتصادية على إيران هذه المهمة أسهل. ولهذا السبب رحب أعداء إيران الإقليميون -إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين- بإعلان ترامب.
فإلى جانب الولايات المتحدة، سيحافظ هؤلاء الأعداء الإقليميون على مواجهتهم الدبلوماسية مع إيران، في محاولة لنزع الشرعية عنها وعزلها، وشحن المزيد من الدول ضد هذه الاتفاقية. وسوف ترغب الولايات المتحدة في إعادة التفاوض على الاتفاقية بعد العقوبات الاقتصادية التي تحاول الحد من تمويل العمليات الإيرانية في الخارج، وتحاول تقويض نفوذها.
ومن غير المحتمل أن يحدث أي شيء خارج هذه الجهود الدبلوماسية، دون أن يُحدث تغييرًا في تشكيل التحالفات في المنطقة. وما زال مجلس التعاون الخليجي منقسمًا والحلفاء التقليديون في المملكة العربية السعودية غير مهتمين بمواجهة إيران، فمصر عالقة وسط التحديات المحلية، ولا ترغب في أن يضعف الأسد في سوريا.
ولم تكن الأردن والمملكة العربية السعودية على علاقة جيدة أيضًا، وسيكون الأردن مشغولًا بالتزاماته تجاه فلسطين. وعلاوة على ذلك، فقد اكتسبت إيران مكانًا قويًا لها في سوريا، مع وجود متماسك في العراق، أما حزب الله، فقد خرج من الانتخابات اللبنانية الأخيرة قويًا ومدعومًا، ولا تزال الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة الموقعة التي انسحبت من الاتفاق النووي.
وإيران، على الأقل حتى الآن، في وضع أقوى بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة. وهذا الوضع قد لا يتغير في أي وقت قريب.