نيويورك تايمز
ليست إيران وحدها التي ستضرر من قرار ترامب الذي لم يفكر حين اتخذه سوى في وعوده التي قطعها أثناء حملته الانتخابية، فهناك دول ستتأثر سلبًا بالقرار، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهناك دولة باقتصاد على المحك معرضة للانهيار، وهي اليونان، وعُرض هذا الأمر مفصلًا في مقال نُشر في صحيفة نيو يورك تايمز بقلم نيكوس كونستانداراس، وترجمته “إيران خانه”:
بعد ثماني سنوات من صمودها عن طريق القروض من شركائها في الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تتعرض اليونان لخطر الانهيار بسبب النتائج التي تسببت فيها قرارات ترامب أحادية الجانب التي أثارت المزيد من التوترات في الشرق الأوسط.
ومقارنة بالخطر المباشر للنزاع الإقليمي أو حتى بالخطر الأكبر في إراقة الدماء، قد يبدو الخطر على اليونان ثانويًا، لكنه يوضح العواقب غير المتوقعة للقرارات الأمريكية المتهورة.
وقد يؤدي انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وقرارها بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس إلى سلسلة من الأحداث التي من شأنها تعريض الانتعاش الاقتصادي الهش لليونان للخطر. ومع إبرام آخر ثلاث اتفاقيات إنقاذ دولية في أغسطس، أعلنت الحكومة رسالة عبر الصحافة مفادها أن اليونان ستصبح قريباً دولة “طبيعية” قادرة على الحفاظ على مكانتها الخاصة في الاقتصاد الدولي. ولكن الاضطرابات في المنطقة ستخلق تهديدات جديدة لاقتصادها وأمنها وحتى علاقاتها مع شركائها الرئيسيين -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولدى اليونان بالفعل مشاكل مع تركيا المجاورة لها، حيث يقوم الرئيس رجب طيب أردوغان بحملة لإعادة انتخابه في انتخابات مفاجئة في 24 يونيو، تقوم في المقام الأول ضد الأكراد في سوريا وتركيا والعراق، وأيضًا ضد الولايات المتحدة واليونان لإشعال الحماسة القومية.
وأدت علاقات أنقرة المتدهورة مع واشنطن والعواصم الأوروبية بسبب عدد من القضايا إلى المزيد من الضغط على اليونان: حيث الزيادة الحادة في عدد المهاجرين واللاجئين الذين يعبرون من تركيا في الأشهر الأخيرة، والاحتجاز المستمر لجنديين يونانيين في تركيا ضلا طريقهما عبر الحدود في تركيا في أوائل مارس وسلسلة من المواجهات العسكرية من قبل تركيا. كل هذه الأمور تسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها اليونان باعتبارها الدولة الحدودية للاتحاد الأوروبي في منطقة مضطربة.
ويقدم أردوغان نفسه كضحية لمحاولة انقلاب، زاعمًا أنها تمت من قِبل حليف سابق للولايات المتحدة، فتح الله غولن، ويقدم نفسه أيضًا كبطل المسلمين في كل مكان، بما في ذلك الفلسطينيين. وفي الآونة الأخيرة، أقامت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي علاقات أوثق مع روسيا وإيران، في الوقت نفسه الذي تبدي فيه استيائها من التقييد الأمريكي لاحتلالها لجزء من شمال سوريا. وقد يؤدي كل هذا إلى مزيد من التوتر بين تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل.
في الوقت نفسه، لم تكن علاقات اليونان مع الولايات المتحدة وإسرائيل في يوم أفضل مما هي عليه الآن. حيث يشير سفير الولايات المتحدة في اليونان جيفري بيات، إلى البلاد باعتبارها دعامة الاستقرار في المنطقة، ويستفيد المسؤولون الأمريكيون من مرافق جوية وبحرية هامة في قاعدة سودا-باي العسكرية على جزيرة كريت. وعقد قادة اليونان وقبرص وإسرائيل اجتماعهم الثلاثي الأخير الأسبوع الماضي، مع التركيز على قضايا الطاقة. ويمكن للقيمة الاستراتيجية المتزايدة لليونان أن تعمل لصالحها، حيث تسعى البلاد إلى دعم أمريكي وأوروبي لإبقاء تركيا تحت المراقبة والمساعدة في إنعاشها الاقتصادي. ومع ذلك، كلما خسرت واشنطن وبروكسل نقاطًا أكثر مع أنقرة، وكلما زادت أعمال تركيا أحادية الجانب، كلما زادت المخاطر على أثينا.
وبالنسبة لرئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس، والذي يكوّن حزبه اليساري الراديكالي “سيريزا” ائتلاف مع حزب اليمين القومي المستقل، فإن علاقات أوثق مع الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الحالي يمكن أن تؤدي إلى تعقيدات محلية. وإذا تورطت الولايات المتحدة وإسرائيل في المزيد من إراقة الدماء، مثل تلك التي حدثت أثناء حفل افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، فإن الحكومة لن ترغب في أن تظهر في صورة المقربة جدًا منهم. وتحرص العديد من الجماعات اليسارية على إثبات أن لديهم مبادئ “مناهضة للإمبريالية” أكبر من سيريزا. وفي الشهر الماضي، بعد قيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربات صاروخية ضد سوريا ردًا على استخدام النظام المزعوم للأسلحة الكيماوية، حاول متظاهرون من الحزب الشيوعي في أثينا هدم تمثال هاري ترومان الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثين.
والأكثر خطورة من التوتر مع تركيا هو احتمال أن تؤدي سياسة ترامب بشأن إيران وإسرائيل إلى الوقيعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصةً إذا قام المسؤولون الأمريكيون بتهديداتهم بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع طهران. وقتها ستواجه أثينا خيارات صعبة وخطيرة. فقد اعتمدت اليونان، العضو في حلف الناتو، على الولايات المتحدة كحليف رئيسي لها منذ عام 1947، عندما ساعدت واشنطن خلال فترة ترومان الحكومة على الفوز في حربها الأهلية ضد القوات الشيوعية.
لكن اليونان هي أيضًا عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد تكفل شركاؤها في أوروبا بمعظم مبلغ الـ 326 مليار يورو الذي أنقذ البلاد من الإفلاس في ثلاث عمليات إنقاذ تمت منذ عام 2010. وساهمت الولايات المتحدة من خلال حصة تبلغ 32.1 مليار يورو والتي أقرضها صندوق النقد الدولي لليونان.
ويعتمد الانتعاش الاقتصادي في اليونان على التفاوض مع شركائها الأوروبيين على تخفيض ديونها العامة البالغة (318.3 مليار يورو في العام الماضي)، لذا لا يمكن لأثينا أن تتحمل عزل نفسها عن أوروبا من خلال تأييد الولايات المتحدة في أي نزاع رئيسي. لكن لا يمكنها أن تعتمد على قدرة الاتحاد الأوروبي الدفاعية الناشئة في منطقة غير مستقرة بشكل متزايد.وعدم الاستقرار هذا هو أكبر تهديد مباشر لها.
وتحتاج اليونان إلى معدلات نمو مرتفعة وفائض سنوي أولى يبلغ 3.5% حتى عام 2022 للوفاء بالشروط التي يضعها الدائنون مقابل أي تخفيض في الديون. وستعتمد حيوية الاقتصاد على حجم هذا الانخفاض. ويمكن لأي ارتفاع كبير في أسعار النفط، أو أي تقلبات في الأسواق أو أي مخاوف أمنية إقليمية أن تُبقي السياح والمستثمرين بعيدًا مما يؤدي إلى تقوض جهود الإنعاش. فالبلاد تعتمد بشكل كبير على السياحة، والتي ساهمت العام الماضي بنسبة 10.3% من ميزانية الدولة، أي (18.3 مليار يورو).
وفي أي وقت قد تتوقف عملية الإنقاذ وتعلن الحكومة أنها لم تعد تحتاج إلى خط الائتمان الطارئ بعد أغسطس، ولكن بعد ثماني سنوات من التقشف والإصلاحات والتضحيات، من الواضح أن اليونان لم تخرج بالكامل من مشاكلها. وقد تحدد العوامل الخارجة عن سيطرتها –كقرار ترامب- مستقبلها قريبًا.