في تقريرٍ لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، حُرِّر وكُتِب من قِبل محرر الشؤون العسكرية،عاموس هرئيل، ونُشِر على صفحات الجريدة الجمعة قبل الماضية، وكان يتناول التصعيد القائم حاليًّا بين إسرائيل وإيران في سُورية.
ترجمت عربي 21 التقرير، والذي ذُكِر فيه أن التجارب السابقة مع قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، كانت بها العديد من الأخطاء خلال الأعوام الماضية.
وذكرت: “في لبنان، في 1996، بعد عملية “عناقيد الغضب” وضعت إسرائيل على نفسها قيودًا في عملها من أجل ضمان الهدوء في بلدات الشمال، ومكّنت حزب الله من التطور ليصبح تهديدًا عسكريًّا أكثر جدية، أزعج الجيش الإسرائيلي حتى انسحابه من جنوب لبنان بعد أربع سنوات. في العام 2006، بعد حرب لبنان الثانية، قفزت المنظمة عدة درجات في قدراتها، أيضًّا بسبب أن إسرائيل لم تصمم على تطبيق ذلك البند في قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي حظر تهريب السلاح لحزب الله. النتيجة هي أن ترسانة الصواريخ والقذائف للحزب زادت عشرة أضعاف، ووصلت إلى أكثر من 100 ألف صاروخ، وهو قادر الآن على ضرب أي هدف في إسرائيل”.
إذن هذا هو الوازع الذي يُحرِّك إسرائيل بقوة ويُؤلِّبها على اتخاذ قرارٍ سريعٍ وعاجل بصدد النفوذ الإيراني في سُورية، آخذين في الحُسبان أن النظام الإسرائيلي من أكثر الأنظمة تعلُمًا وتفقهًا لدروس الماضي واستخلاص العِظات والدروس المُستفادة منها، وهو عدم رغبة إسرائيل في أن تصبح المليشيات الإيرانية المتواجدة على الأرض في سُورية نموذجًا مُكرَّرًا من تجربة حزب الله في لُبنان، والذي تعاملت معه الإدارة الإسرائيلية باستهانة؛ وهو ما جعل الأوضاع تنقلب رأسًا على عقب، ويُصبِح حزب الله ميلشيا متعاظمة تمتلك قُوة طاغية تُهدِّد به الشمال الإسرائيلي المحتل بالكامل، وتظل تؤرق إسرائيل يومًا بعد آخر، ويبيت خنجر مُوجَّه في خاصرة إسرائيل تسيل منه الدماء كلما وخزها.
حتى أن مصدرًا أمنيّ صرّح لجريدة “هآرتس” قوله: “يحظر السماح لهذا المسخ بأن يكبر مرة أخرى، برعاية إيران في سوريا”.
كما أن وزير الدفاع الإسرائيلي قال ما هو مفاده: “إسرائيل ستعمل على إحباط ذلك مهما كان الثمن”، وهذا ما يُجلِي بوضوح العقيدة الجديدة للجيش الإسرائيلي في التعامُل مع التهديدات الإيرانية من الأراضي السُورية، وأن إسرائيل لن تظل واقفة وتنظر إيران وهي تُشيِّد محطات ومنصّات وقواعد فيُصبح الأمر وبعد عدة سنوات خطرًا لا مفرَ منه، وتُصبِح إسرائيل مُطوَّقة من أغلب جوانبها، وسمائها ستُنيِر قريبًا من الصواريخ المُوجَّهة.
التعجيل
إسرائيل دخلت في سباق مع الزمن لقطع الطريق على الدول الخمس الكبار المشاركة في الاتفاق النووي لتحويل دفة ترامب من التردد إلى الإبقاء على الاتفاق، وقد تبين أن تأثير نتنياهو على ترامب أعظم بكثير من تأثير من هم أمثال ماكرون وميركل.
وبالفعل كان الأمر قد وصل إلى يد إسرائيل والتي كانت تريد بأي ثمن إنهاء الاتفاق النووي، وإبطال الحُجة التي تنفذ من خلالها إيران وهي في حقيقة الأمر تصنع برنامجًا للصواريخ الباليستية، وتُطوِّق المنطقة بحزامٍ من العصائب والمليشيات والفيالق تدعمهم بنهرٍ من الأموال المتدفقة، كما ارتأت إسرائيل، ومن ثمَّ كان إنهاء الاتفاق وتبديده هدفًا استراتيچيًا للإدارة الإسرائيلية.
وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، تقريرًا لمدير مكتبها في القدس، ديفيد هالبفينغر، والذي ضمّن فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قام بثلاث حركات في أسبوعٍ واحد، عملت على تعزيز الأوراق التي في يده؛ في محاولةٍ لإحباط طموحات إيران الاستراتيجية.
أولها، كانت الضربات التي شنتها مقاتلات F15 الإسرائيلية، مساء التاسع والعشرين من أبريل / نيسان الماضي، على أهدافٍ إيرانية في سُوريا، وكانت مرافق تحصنت فيها إيران ووكلاؤها في سوريا، وقد تسبب الهجوم على موقع تخزين بالقرب من حماة بتدمير 200 صاروخ، وقتل ما لا يقل عن 16 شخصا، 11 منهم إيرانيون.
وثانيها، كان قيام نتنياهو في تل أبيب، ليلة الثلاثين من أبريل الماضي، بتقديم “بارع”، كما وصفته النيويورك تايمز، لعرض “باور بوينت”، وكان من داخل وزارة الدفاع، وقد تم بثه على الهواء مباشرةً على التلفزيون، وقد استعرض فيه الغنائم التي سرقها فريق من الموساد من مخزن سري في طهران، وقال إنها تشير إلى خداع إيران حول جهودها الطويلة لتطوير القنبلة النووية.
ثالثها، محاولة ائتلاف نتنياهو البرلماني تمرير قانون تنتقل فيه سلطة قرار شن حرب أو القيام بعمل عسكري من الحكومة إلى حكومةٍ أمنية مُصغَّرة، وفي حالة “ظروف استثنائية” يسمح لرئيس الوزراء ووزير الدفاع فقط باتخاذ مثل ذلك القرار، وقد صادق الكنيست الإسرائيلي على القانون بــ62 صوت مقابل 41.
وقد كان هذا الأمر بالأخص، كما أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت، محاولةً من نتنياهو لاستغلال الوضع القائم في إحراز تقدُمٍ له في الداخل الإسرائيلي، والتغطية على فضائح الفساد الكبيرة التي سيُحقَّق مع نتنياهو فيها قريبًا، واستغلال الصورة الذهنية التي كوّنها لنفسه على أنه رئيسٌ مِقدام وجسور ولا يخشى أحد، في سُرعة التعجيل بالانتخابات قُبيل توجيه تُهمٍ جنائيةٍ له.
ولكن هذا القانون تأخذه إسرائيل على محمل الجد نظرًا لتخوفهما من تهور نتنياهو وليبرمان في جرّ إسرائيل إلى حربٍ وهو خيارٌ تتوجس منه الدوائر الإسرائيلية كافةً السياسية منه والعسكرية، ولا تحزم أمتعتها نحوه. وسيصبح نتنياهو تحت دائرة الضوء أكثر لمراقبة كيفية استخدامه لهذه السُلطات الجديدة التي آلت إليه بسبب هذا القانون.
ولقد كرّر نتنياهو هذه الدعوة أكثر من مرة إلى التعجيل بمواجهة إيران من قِبل إسرائيل ذاتها، وقال في الاجتماع الوزاري الأسبوعي، في السادس من مايو / أيار الماضي: “إسرائيل لا تسعى إلى التصعيد، إلا أنه سيكون من الأفضل مواجهة إيران عاجلًا وليس آجلًا إذا لزم الأمر”.
سنضع يدنا على نقطةٍ شديدة الأهمية، وقد نقلها هالبفينغر عن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، والذي يرأس الآن معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، وهو ذِكره إن تهديد السلاح التقليدي والنووي الإيراني “يخدم الهدف ذاته: تدمير إسرائيل”، مشيرًا إلى أن الاتفاقية النووية نجحت في منع إيران من السعي للحصول على أسلحةٍ نووية لعددٍ من السنوات.
ويضيف يالدن: “لذلك فهم يقومون ببناء قوةٍ تقليدية ضد إسرائيل في سوريا، بصواريخ دقيقة التوجيه، وهذا أكبر تهديد ضد إسرائيل اليوم في 2018.إن تراجع ترامب عن الاتفاقية النووية، فإنه اعتمادًا على رد فعل إيران، سيؤدي إلى اصطدامٍ عسكري بين إسرائيل وإيران، ربما بعد أعوام”، لكنه حذر من أن “اشتباكا في الشمال قد يحصل هذا الأسبوع أو هذا الشهر”. -وهو ما حدث لاحقًا بالفعل-.
إذًا ظهر الهدف أو الرؤية الإسرائيلية لإيران، وهي أنها تهديد في حد ذاتها، ووجودها قائمة هو تهديد لأمن إسرائيل، ولذا كان لا بُد من تقليم أظافر إيران بأي ثمن، وتجريدها من كافة أشكال القوة التي من الممكن أن تُهدِّد إسرائيل.
كما أن إسرائيل تود أن تصل إلى مرحلة إنهاء أو تبديد فكرة أن تُقيِم إيران ترسانات للأسلحة التقليدية عِوضًا عن تدشين القنبلة النووية، لأنهما يُحققان نفس الخطر على أمن إسرائيل، ولقد كانت النيّة والقصد متوفران لدى نتنياهو لردع إيران على المنحيين، ولكن النظام في إسرائيل حال دون تحقيق نتنياهو أمانيه.
أشارت صحيفة الجارديان في تقريرٍ لها، أن مساعدي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، استعانوا بوكالة استخبارات إسرائيلية خاصة لتنظيم حملةٍ وُصِفت بأنها “قـــذِرة” ضد أفراد رئيسيين من إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، ساعدوا في التفاوض بخصوص الصفقة النووية الإيرانية، ولتشويه الاتفاق النووي.
ترامب نفسه في مسوغات قراره بفض الاتفاق النووي مع إيران، اعتمد على العرض الذي أقامه نتنياهو، حول الوثائق السرية التي تحصل عليها فريق من الموساد، والتي تثبت أن إيران مازالت لديها خُطة إقامة قنبلة نووية.
مفاد استقصائنا أن إسرائيل هي من كانت السبب الرئيس وراء إنهاء الولايات المتحدة للاتفاق النووي، ولم يكُن القرار نابع من البيت الأبيض أو من بنات أفكار ترامب، بل دقت إسرائيل الإسفين وما كان على ترامب سوى إحكامه وقد فعل ما أرادت إسرائيل، ولم يأخذ في الاعتبار أصدقائه الأوروبيين بل والعالم أجمع، والمصير المجهول الذي ينتظره جراء فعلته التي كشفت مدى تبعية القرار الأميركي في عهد إدارة ترامب لقوىٍ أُخرى، وكانت إسرائيل هي سيدتها.
المصادر