فورين بوليسي
بينما يحتدم الجدل في واشنطن حول مستقبل الاتفاقية النووية الإيرانية واستراتيجية الولايات المتحدة العسكرية في سوريا، لا يمكن لصانعي السياسة أن يتجاهلوا الأحداث التاريخية الجارية في إيران. ورد فعل الولايات المتحدة على هذه التطورات لن يؤثر فقط على مستقبل الجمهورية الإسلامية، وإنما على سوريا والشرق الأوسط أيضًا.
فعلى مدى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018، انهارت العملة الإيرانية تمامًا، حيث ارتفع الدولار بنسبة 37% مقابل الريال -تسارع ذلك جزئياً بعد تعيين جون بولتون مستشارًا للأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بدأت إيران العام مع احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد، مدفوعة بالمشاكل الاقتصادية التي يعاني منها منخفضي الدخل من الإيرانيين. هذه الاحتجاجات تلقي ظلالًا من الشك على استقرار النظام، وتضع ضغطاً على الريال.
وقضت طهران فبراير ومارس في مكافحة انخفاض قيمة عملتها وهرب رأس المال، دون تحقيق نجاح كبير بسبب تزايد احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية. وفي 9 أبريل، وهو أول يوم لبولتون في عمله، قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بتنفيذ سلسلة من الخطوات الصارمة لوقف الأزمة.
أولها كان توحيد سعر صرف الدولار بـ 42000 ريال، لكلٍ من المعاملات الرسمية ومعاملات “الشوارع”. وخوفًا من التكالب على العملات الأجنبية، حظر روحاني ممارسة تداول العملات الأجنبية واقتنائها. وأصبح تداول العملات الأجنبية جريمة، حيث يشبهها مسؤولو النظام بتهريب المخدرات. واعتقلت قوات الأمن تجارًا لم يمتثلوا للأمر- وواجه الإيرانيون الذين اصطفوا لشراء الدولارات خطر السجن.
والأمر الأكثر صدمة هو أن البنك المركزي الإيراني منع الإيرانيين من الاحتفاظ بأكثر من عشرة آلاف يورو في أي وقت. ووجوب إعادة بيع أي مبلغ يحتفظ به الإيرانيون على الفور إلى الحكومة -بخسارة- أو وضعه في حسابات مصرفية حكومية مع معرفة أن النظام يمكن أن يجمد أو يصل إلى الأموال في أي وقت. بالإضافة إلى ذلك، أعلن روحاني أن الإيرانيين يمكنهم شراء 1000 يورو فقط، قبل السفر إلى بلد آخر مرة في السنة.
هذه الأوامر ليست مجرد علامات على أن النظام في أزمة حادة، بل هي علامات على اعتداءات مباشرة على سُبل عيش وأنماط حياة آخر مؤيدي روحاني الباقين: الطبقة الوسطى-العليا في إيران. فالأوامر هذه تستهدف أولئك الذين يتطلعون إلى حماية ثرواتهم من خلال اتخاذ احتياطاتهم ضد الريال، وأولئك الذين يتطلعون إلى الحصول على ما يكفي من المال للسفر إلى الخارج.
والسفر لمسافات طويلة بأقل من 1000 يورو، يجعل مغادرة البلاد تحديًا كبيرًا بالنسبة لأي عائلة إيرانية من هذه الطبقة السابق ذكرها.
وبالعودة إلى عام 2009، خرج هؤلاء المواطنون الأكثر ثراءً وتعلمًا في طهران – أولئك الذين دعموا ما يُسمى بالحركة الإصلاحية- إلى الشوارع للاحتجاج على الانتخابات الرئاسية التي خاضها الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. وفي عام 2013، ساعد الأشخاص نفسهم في انتخاب روحاني، معتقدين أن روحاني -الإصلاحي- قادرًا على تعديل النظام ونقله إلى القرن الحادي والعشرين.
وقد انصرفت هذه الكتلة من الإيرانيين منذ فترة طويلة عن المتشددين، معتقدين أن بإمكانهم تغيير الدولة الاستبدادية من الداخل من خلال دعم مسؤولي النظام الأكثر اعتدالًا. وبمجرد أن ينصرف هؤلاء الناس عن روحاني، فلا مكان آخر سيذهبون إليه إلا باتجاه الناشطين المؤيدين للديمقراطية مثل شيرين عبادي. والتخلي عن احتمالات تغيير النظام من الداخل، وبدلًا من ذلك دعم تغيير النظام السياسي بالكامل.
والأهم من ذلك، أن هذه الشريحة من الشعب الإيراني تختلف عن تلك التي نزلت إلى الشوارع في أواخر ديسمبر 2017. فكانت الاحتجاجات الأخيرة تضم العاملين الإيرانيين الذين يعيشون في معاقل تقليدية متشددة.
ويتعرض الملالي –الشيوخ- الآن لخطر ظهور تحالف معارض للنظام، يجمع بين الطبقة العاملة والطبقة الوسطى-العليا. وهذا التحالف سيسأل أين تذهب رواتب العمال، وسيسأل لماذا تُأخذ أموال الطبقة العليا-المتوسطة بعيدًا ويقيد سفرهم.
قد يكون التحالف بين الأغنياء والفقراء المناهض للنظام هو المفتاح لإنهاء حكم رجال الدين الإيراني. لذا يجب على إدارة ترامب أن تنتهج سياسات تعمل على توسيع الفجوة بين الحكومة الإيرانية وشعبها، وتعزيز الحركة المؤيدة للديمقراطية على طول الطريق.